وصفت كنيسة مارجرجس بأنها الأهم من بين الآثار القبطية الأرثوذكسية في العالم، تقف بشموخ فوق أحد أبراج حصن بابليون منذ أكثر من 13 قرن، رغم أنها واحدة من بين 7 كنائس في تلك

المنطقة، إلا أن شيخ المؤرخين المصريين "أحمد أبن علي المقريزي" الذي يعرف بـ"تقي الدين المقريزي"، وصفها بأنها أجمل كنائس ذلك الحصن الروماني.

أنشأ الكنيسة أحد أثرياء العصر المسيحي يُدعي "أثناسيوس"، وذلك في عام 684م، سُميت بهذا الإسم نسبة إلى القديس مارجرجس، والذي ولد في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي، من أبوين مسيحيين، من سلالة الملوك والأثرياء، فهو ابن الأمير أناسطاسيوس" حاكم مدينة "ملاطية" شرق بلدة كابادوكيا في آسيا الصغرى، والأميرة "ثيوبستي" ابنة الأمير "ديونسيوس" حاكم مدينة "اللد" في فلسطين، توفي والده وهو في العاشرة من عمره، لتعود به أمه إلى فلسطين.

وعندما وصل إلى فلسطين اعتنى به حاكمها "بسطس"، وفي عمر السابعة عشر التحق بسلك الجندية، وفي وقت قصير صار قائدا لخمسة آلاف جندي رغم صغر سنه، فقد أجاد الأدب والقانون، كما أجاد اللغة اليونانية، بالإضافة إلى فروسيته التي وصل صيتها إلى الحاكم الروماني، فمنحه لقب الأمارة، وبعد وفاة "بسطس"، ذهب مارجرجس إلى مدينة صور في لبنان لمقابلة الإمبراطور "دقلديانوس" ليطالبه بأحقيته في حكم فلسطين.

بمجرد وصوله إلى صور، هاله أن وجد أهلها من المسيحيين يخفون مسيحيتهم خوفًا من الإمبراطور الذي أصدر المراسيم لإضطهادهم، وذكر المؤرخ الكنسي "يوسابيوس القيصري"، أبو التاريخ الكنسي، ومؤسس فكرة نشر أقوال الآباء وكتاباتهم، أنه توجه مباشرة إلى قصر الإمبراطور ليجد المرسوم معلقا على الحائط بنص علي هدم الكنائس وحرقها، وقتل وتعذيب معتنقي المسيحية.

ذلك المرسوم الاضطهادي كان نقطة فارقة في حياة مارجرجس، فترك كل المناصب ليدافع عن دينه وإيمانه، وعندما واجه الإمبراطور حاول إغرائه، ولأنه رفض فقد أمر بسجنه وتعذيبه.

رحلة العذاب لم تكن بسيطة، أو قصيرة، فقد استمرت لسبعة سنوات كاملة، انتقل فيها من مرحلة إلى مرحلة أشد وأقصى، فبدءوا بتشويهه، ثم ألبسوه حذاءًا من حديد ممتلئ بالمسامير، وربطوه في خيل غير مروض، قامت بسحله، وعذبوه بشفرات حادة قطعت لحمه، كما صبوا الرصاص الساخن في فمه، ووضعوه على عجلة كبيرة فيها مناجل وسيوف حادة، عُرفت هذه الآلة بـ"الساحقة"، وأداروها لتنسحق عظامه، وأخيرا أمرو بقطع رأسه في 23 مايو عام 263 م.

لتصل إلى الكنيسة، يجب أن تمر على فناء واسع ممتلئ بالأشجار، وبعض من الآثار الزخرفية التي تعكس اللمسة العربية، وبمجرد أن تصل إلى الكنيسة ستجد ثلاث أبواب، الباب الرئيسي يتوسط الجدار الغربي، وهو مخصص للأعياد وأيام القداسات، أما الباب الثاني فيتوسط الجدار الشمالي للكنيسة وهو مغلق دائما، فلا تجد أمامك سوى الباب الثالث الذي يستعمل وقت الزيارات، وهو أصغرهم يصل إلى المعمودية، وإلى ساحة جنوبية واسعة بها نفورة رخامية.

تتألف الكنيسة من صحن وجناحين ودهليز، والصحن أشبه بقاعة واسعة مربعة الشكل، على أركانه أربعة أعمدة كبيرة، يرتكز عليها أربع عقود تشكل نصف دائرة، كان يوجد وسط الصحن مغطس كبير، لم يعد له أي أثر بعد ردمه وتركيب بلاط جديد لأرضية الكنيسة، وفي شرق الصحن ثلاثة هياكل مربعة، يعلوا كل هيكل منها قبة عالية حول كل واحدة منها أربع نوافذ، أما الهيكل الأوسط فيوجد فوق مذبحه قبة خشبية توضع على أربعة أعمدة من الرخام المصقول، وداخل القبة رسما لنبي الله عيسى وهو متربعا على العرش وتقف حوله الملائكة.

تحمل الهياكل الثلاثة 14 صورة للملائكة والرسل والقديسين، من بينهم صورة للقديس "مار إيلياس" الحي معلقة على الهيكل الجنوبي، وأخرى للقديس "اسطفانوس" معلقة على الهيكل الشمالي، أما الهيكل الأوسط وهو أكبرهم حجما، فتوجد به صورة قديمة للسيد المسيح، بالإضافة إلى إنه خصص لإسم القديس "مارجرجس"، أمام كل مذبح من مذابح الهياكل الثلاثة توجد سلالم على شكل نصف دائري، تقود إلى غرفة تحت الأرض بها مياه مقدسة، في مواجهتهم مجموعة من الأيقونات القديمة التي تمثل السيدة مريم تحمل السيد المسيح، بالإضافة إلى بعض الصور المنقوشة على الخشب، والتي تمثل عمليات الدفن والقيامة، وبعض الرموز المسيحية التي تعرضت للتلف بفعل الزمن والرطوبة.

بمجرد أن تعبر بوابة الكنيسة تواجهك غرفة "التعذيب"، التي سُميت بهذا الإسم لأنها تضم بعض أشكال تصور الهياكل التي استخدمت في تعذيب القديس مارجرجس في فلسطين، منها الصليب والمسامير الثلاثة وأكليل الشوك والسلاسل الحديدية، وبعض من الصور التي تظهر مراحل التعذيب البشع التي تعرض لها، داخل تلك الغرفة توجد غرفة أصغر تشبه الكهف، يقال أنه يشبه السجن الذي كان القديس يعيش داخله، بهذه الغرفة فتحات صغيرة توضع فيها أوراق أماني الزائرين المصريين والأجانب من الأرثوذكس.

تعرض الكنيسة للحريق منذ ما يقرب من مئة عام، كان السبب المباشر في دخول عناصر حديثة عليها، حتى أن "ألفريد جاشوا باتلر" مؤرخ الآثار القبطية والإسلامية الإنجليزي قال عنها في كتابه "الكنائس القبطية القديمة في مصر"، إنه لم يتبقى منها الكثير الذي يمكن الحديث عنه، فالتحديثات التي أضيفت عليها لإعادة بناء ما تُلف، ما هو إلا تقليد من الدرجة الثالثة للنماذج اليونانية القديمة، فلم يتبقى من إطلالها الأصلية سوى قاعة "الفرسان" في حوش الكنيسة، والتي يبلغ طولها 15 متر، وعرضها نحو 12 متر، والجزء الأوسط أقل ارتفاعا من طرفيها، تضم بعض البقايا التي تعود إلى القرن الـ14 الميلادي، وتعد تلك القاعة أول قاعة يقام بها احتفالات مراسم الزواج في مصر.

عندما تخرج من كنيسة مارجرجس ستجد في المنطقة بالقرب منه، ديرا للراهبات يحمل إسم نفس القديس، وأقدم مسجد في قارة أفريقيا وهو مسجد "عمرو بن العاص"، أيضا يوجد المعبد اليهودي الذي كان قديما كنيسة قبطية مكرسة بإسم رئيس الملائكة "ميخائيل" وباعها إلى اليهود البطريرك السادس والخمسون والذي يحمل نفس الإسم في نهاية القرن الـ9، إلى جانب 6 كنائس أثرية أخرى، منها الكنيسة المعلقة، وكنيسة أبو سرجة، وكنيسة القديسة "بربارة"، وكنيسة "قصر الريحانة"، والمتحف القبطي، ولذلك أطلق على المنطقة بالكامل "مجمع الأديان".

تحرير .. سهر سمير فريد

الأكثر مشاهدة

Who's Online

172 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

الصحة

الدائرة الأخيرة

فيديو كاسل جورنال

الدائرة الأخيرة  

الدائرة الأخيرة مع الدكتور عاصم الليثى

 الدائرة الأخيرة مع اللواء نبيل أبو النجا

 كلمة د/عبير المعداوى فى عيد الشرطة

عنوان الجريدة

  • 104-ش6-المجاورة الأولى-الحى الخامس-6أكتوبر
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 01004734646

إصدارات مجموعة كاسل