بقلم العالم الراحل /

الدكتور محمد حامد إدريس

هل سيأتى اليوم الذى يصبح فيه بالإمكان تخفيف شدة الأعصار والعواصف المدارية العاتية أو تغيير مسارها بعيدا عن اليابسة ؟

قبل الأجابة على السؤال السابق دعنا نتفهم سويا السباب التى تدعو لتكون الأعصار وماهيتها , فالآعاصير تبدأ بالتشكل حينما تطلق المحيطات المدارية الحرارة وبخار الماء الى الجو منتجة كميات من الهواء الدافئ الرطب فوق سطحها (1) يتصاعد ليجد الجو البارد فيتكاثف بخار الماء ليشكل سحبا وأمطار (2) وينتج عن عمليات التكثيف حرارة ( المعروفة بالحرارة الكانة للتكثيف ) تجعل الهواء أكثر خفة وترفعه الى أعلا وتسبب فى تصاعد بخار الماء أكثر فأكثر الى أعلى داخل السحب الرعدية النامية بأستمرار فتكبر وتنمو كتل السحب (3) مثل العناقيد.

يخلق إطلاق الحرارة فوق السحب منطقة ضغط منخفض سطحية تتجة فيها كميات إضافية من الهواء الدافئ الرطب المتدفقة من المحيط الخارجى (4) تنتقل هذه الحركة المستمرة الى داخل العاصفة الرعدية الناشئة هائلة من البخار والهواء والماء نحو السماء (5) , مما يدفع ذلك ويحرض على تجميع الهواء المحيط نحو المركز المتنامى للعاصفة التى تبدأ ف الدوران بتأثير دروران الأرض (6) وتستمر سير تلك العمليات بسرعة تزيد مع قوة العاصفة وتنظيمها عندما تشتد العاصفة تتشكل بقعة هادئة منخفظة الضغط تسمى العين المألوفة (7) Familiar eye يحيط بها حلقات من السحب والرياح السريعة تسمى جدار العين (8) وبذلك تتحول العاصفة الى أعصار .

يتعذر على الهواء الصاعد الذى جرى تسخينه والذى فقد معظم رطوبته أن يتابع الصعود لان الغطاء الطبقى يعمل كغطاء فوق العصار وهذا يؤدى الى سقوط هذا الهواء الجاف داخل العين (9) وبين أحزمة السحب (10) فى حين الهواء المتبقى يتحرك فى حركة لولبية مبتعدا عن مركز العاصفة ويهبط نحو الأسفل (11). فى هذه الثناء تقود تيارات هوائية مجاورة واسعة النطاق الأعصار على مدار امتداد مسارة الى حيث تريد الى أن يصل الى اليابسة حيث يفقد مردة من الماء الدافئ فتضعف قوته سريعا بعد أن يحدث الدمار الشامل على الأرض .

أحلام السيطرة على الأعصار

تركز حلم الباحثين على ترويض هذا العملاق المارد صعب المراس الأتى من فوق المحيط ويعتقد العلماء انة بإمكانيتهم فى المستقبل القريب تخيف أخطار الأعاصير أو تحريكها فى مسارات أقل خطورة وذلك بتعديل الشروط الفيزيائية التى تؤدى الى نشوءها مثل تعديل درجة حرارة الهواء ورطوبته النسبية فى مركز العاصفة أو فى المناطق المحيطة به . لذلك يجب لتحقيق ذلك الهدف من التنبؤ القريب الى الصحة والتفصيلى عن الأعاصير, وشملت المحاولات الأتى :-

فكرت هيئة علمية استشارية فى علوم الأرصاد والجو فى أوائل الستينات عينتها الحكومة الأمريكية تحت مشروع يدعى Project Storm fury فقامت بسلسلة من التجارب أستهدفت تهدئة الأعصار وإبطاء تطورة عبر رفع معلات الأمطار فى حزام المطر الأول خارج جدار العين التى تشكل الأعصار من خلال تلقيح السحب عبر نفاثة تنفث جسيمات يوديد الفضة فتقوم الأخيرة بدور النوى الازمة لتشكيل الثلج من بخار الماء التى تبرد تبريدا فائقا بعد أرتفاعةالى اعلى فتستهلك المدد الهوائى الدافئ الرطب القرب من سطح المحيط فتسهم بذلك فى توسيع العين فتنخفض شدته

إن حساسية الغلاف الجوى للمؤثرات الضيئلة تجعل التنبؤ الجو بالأرصاد الجوية الطويل الأمد لا يكون لأكثر من خمس أيام وعلية ف التنبؤ بالأعاصير يكون أصعب ولا يمكن التنبئ بالأعاصي إلا من خلال نظم المحاكاة الحاسوبية (التى تعتمد على نماذج رياضية رقمية تحاكى ما يحدث فى الطبيعة من خلال سلسلة من العمليات المعقدة التى تصف تأثير عناصر الجو وكيفية تفاعلها مع بعض ثم تقديرها فى خطوات زمنية قصيرة ومتتالية تستند اليها فى حساب التنبؤ الجوى الرقمى الذى يمكن أن يحدث داخل الغلاف الجوى مثل خلق الكتلة والطاقة والعزوم والرطوبة) والأستشعار من البعد الذى قام بها معهد ناسا للمفاهيم المتقدمة

قامت شركة ابحاث الغلاف الجوى والبيئة بأستخدام نماذج رياضية تفصيلية حاسوبية لمحاكاة ألأعاصير السابقة ومن ثم تم أختبار تأثير الدخلات الصناعية على سير الأعاصير عبر رصد التغيرات التى تحدث فى العواصف التى جرت نمذجتها Computer simulation model بحساب المتغيرات الفيزيائية القابلة للقياس مثل درجة الحرارة والرطوبة النسبية وسرعة الرياح واتجاهاتها وتحدد تلك المتغيرات على شبكة ثلاثية الأبعاد خاصة بالغلاف الجوى فترسم خريطة بكل المواصفات لكل أرتفاع وتحدث تلك البيانات كل عدة ثوان الى بضع دقائق فيمكن بذلك معرفة تأثيرات الرياح الحاملة للصفات المتنوعة ومسار التبخر وهطول الأمطار والأحتكاك السطحى والتسخين الشمسى . ولكن لسوء الحظ تبقى التنبئات الجوية غير كاملة وغير دقيقة لان الأرصاد المباشرة عن الأعصار تكون قليلة ويصعب القيام بها لقلة البيانات المجموعة من مكان قريب من العاصفة , كما أن النماذج الرياضية تبنى الشبكة على نقاط قليلة نسبيا يصعب معها تحديد السمات الأصغر من فرجة الشبكة ( المسافة بين نقطتين متجاورتين على الشبكة لكبرسطح الكرة الارضية المرسومة على الشبكة الكنتورية الشكل )

قام المركز الأوروبى للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى بتعديل نظام عالى الفاعلية للتنبؤ بحالة الجو يسمى النظام الرباعى الأبعاد للبيانات التغيرية four dimensional variational data assimilation (4DVAR) والبعد الرابع هو الزمن والذى يقوم بجمع بيانات الأرصاد عن طريق الأقمار الصناعية والسفن والعوامات والمجسات المحمولة جوا قبل البدء بعملية التنبؤ فيقوم بالتنبؤ بعملية تسمى التخمين الأولى المبنى على الخبرة والمعلومات ويكون صالحا لمدة ستة ساعات ثم يجمع بيانات لاحقة تجمع مع بيانات التخمين الأول لتقديم تنبؤ لمدة ستة ساعات أخرى وهو ما يؤدى الى تقريب أمثل للطقس ويقوم النظام 4DVAR بإيجاد الحالة الجوية التى ترضى معادلات النموذج الرياضى والقريبة من التخمين الأول ومن الأصاد الحقيقية المسجلة فى أن واحد معا وتقوم أجهزة الحاسب بضبط حالى النوذج الأصلى تبعا للفروق بين الأرصاد الحقيقية والمحاكاة الحاسوبية الذى يقوم بها Simulation model , ثم يقدر كيف ان التغيرات البسيطة فى كل عنصر من عناصر المناخ ان تؤثر فى درجة طباق المحاكاة الحاسوبية مع الارصاد الحقيقية التى تم تسجيلها باستخدام what…. If ? وباستخدام ما يسمى بالنموذج المعدل المصاحب adjoint modle ثم يقوم برنامج أختيار الأمثل optimization program بتحديد افضل التعديلات الواجب ادخالها على النموذج الأصلى من اجل الوصول الى المحاكاة المثلى والتى تطابق بنحو أفضل تطور الأعصار الحقيقى خلال مدة الست ساعات , وبذلك بعد ضبط البرنامج يمكن استخدامه فى تغيير سمة أو أكثر لتغيير مسارة أو الحد من أخطارة كما سوف نرى فيما بعد

تهدئة الأعصار

بعد دراسة تجار المحاكاة السابقة على أعصارين حدثا 1992 أحدهما هو أعصار أينيكى الذى ضرب فى شهر سبتمبر جزيرة كواى أحدى جزر هاواى وحصد الكثير من الأرواح وأحدث الكثير من الخسائر المادية , والأخر أعصار أندرو الذى ضرب ميامى بفلوريدا فى شهر أغسطس من العام ذاتة وخلف دمارا شاملا وعن طريق المحاكاة تم تحديد هدف هو تغير مسار أعصار أينكى بحيث ينحرف بعد ست ساعات مسافة 60 ميلا عن المكان المتوقع ضربة , وعن طريق نظام 4DVAR وبأستخدام وسائل صناعية ( درجة حرارته ورطوبته تعديلا طفيفا فى نقاط متنوعة ) أمكن لنظام المحاكاة تحقيق الهدف بأبعاد مسار الأعصار 60 ميلا بعيدا الى الغرب من جزيرة كواى واستمر باتجاة الشمال بعيدا عن الجزيرة

تصف الخرائط التالية البحار المحيطة بولاية فلوريدا وجزر البهاما ونماذج محاكاة إعصار أندرو فى حالته الغير معدلة (الصورة العليا ) وحالته المعدلة (الصورة السفلى) التى تم تغييرها صناعيا (بتغيير درجة حرارتة درجتين سيليزية فى بعض الأماكن وبدرجات تصل الى 0.5 درجة سيليزية فى أماكن تبعد مسافة بين 500الى 6000ميل) لتتقلص سرعة رياح العاصفة ومن ثم أمكن تهدئته من الدرجة الثلثة الى الدرجة الأولى وبذلك أمكن الوصول الى الحد من دماره

كيف يمكن تهدئة الأعصار أو تغيير مسارة

إذا كان صحيحا كما تشير نتائج المحاكاة أن تغييرا طفيفا فى درجة الحرارة للأعصار أو الأماكن القريبة منها يمكن تؤدى الى تهدئته أو تغيير مسارة يبقى السؤال كيف يمكن تحقيق ذلك .

تشير التجارب أن يمكت تحقيق ذلك بعدة مسائل منها أستخدام مجموعة من محطات القوى التى تستخدم الطاقة الشمسية المنتشرة كأقمار صناعية تدور حول الأرض فيمكنها استخدام مرايا عملاقة تستطيع تجميع ضوء الشمس وتركيزه فى خلايا شمسية ومن ثم ترسل هذه الطاقة التى تم تجميعها الى مستقبلات الموجات الميكروية الموجودة على سطح الأرض فتبث الموجات الميكروية بترددات تعبر الغلا ف الجوى دون أن تسخنه لكى لا تضيع طاقتها ومن أجل تسخين مستويات مختلفة من الغلاف الجوى يمتصها بخار الماء فى العاصفة أو فى الوسط المحيط بها ( فى اليمين) تتسبب هذه المجات الميكروية بأهتزاز جزيئات الماء وتسخين الهواء المحيط وهنا يؤدى الى أضعاف الأعصار أو أنتقاله الى الأتجاة المرغوب , كما يمكن نشر طبقة رقيقة من النفط القابل للهدم والتحلل البيولوجى على سطح المحيط طوال مسار الأعصار للحد من التبخر الذى يعتبر مصدر أساسى لطاقة العاصفة ( فى المركز ) . كما يمكن التخل بتلقيح السحب بغستخدام مادة يوديد الفضة أو مواد أخرى مسببه هطول المطر فيسلب جدار العين العنيف للإعصار الماء الذى يحتاجه لينمو ويشتد ( فى اليسار)

ماذا لو نجحت السيطرة على الأعاصير ؟

سوف تبقى مشكلة أن تحقق الهدف من الحد من مخاطر الأعاصير المدمرة , الآ وهى ماذا لو قادت تعديلات مسار الأعصار الى تدمير دولة أخرى وماذا لو اغرى ذلك التقدم العلمى من استخدامة كسلاح لتدمير الغير ؟ وهو شأن كل تقدم علمى فأن له وجهان : ما هو مفيد للبشرية وما هو ضار وقاتل لها ليبقى الخير والشر يتصارعان حتى قيام الساعة

الأكثر مشاهدة

Who's Online

248 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

الصحة

الدائرة الأخيرة

فيديو كاسل جورنال

الدائرة الأخيرة  

الدائرة الأخيرة مع الدكتور عاصم الليثى

 الدائرة الأخيرة مع اللواء نبيل أبو النجا

 كلمة د/عبير المعداوى فى عيد الشرطة

عنوان الجريدة

  • 104-ش6-المجاورة الأولى-الحى الخامس-6أكتوبر
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 01004734646

إصدارات مجموعة كاسل