-
نشر بتاريخ: 15 كانون2/يناير 2021
بقلم دكتورة عبير المعداوي - مصر
لطالما كانت قضيتي هي الانسان .. في رسالة الماجستير للفلسفة و هي التابعة للمدرسة التجريدية الواقعية .. و بعدما انتهيت منها و حصلت على تقدير جيد جدا .. شعرت بعدم الرضا ..ليس من التقدير بل من الرسالة و ما وصلت اليه من حكم ..لذا مقالتي البحثية اليوم لها دلاله هامة فيما انتهيت له بعد خمسة عشر عام منذ حصولي على هذا الماجستير..
لقد انتهيت ان العقل غير كاف للحكم على كافة حياة الانسان و القلب غير مؤهل .. و الروح تائه بين النفس و الجسد ، لقد تعبت من البحث عن مخرج لقضية الانسان .. و نظرت حولي وجدت ان العالم ٦ مليار و نصف و اذا اعتبرنا متوسط عمر الانسان يصل الى ٥٠ عام ، اذن سيعيش خلال القرن و هو مائة عام نحو ١٣ مليار نسمه ..و نحن لا نعرف متى نزل ادام الى الارض و لا متى ستكون القيامة، ما يعني ان عدد البشرية منذ نزول ادام الى نهاية الحياة عدد لا متناهي ...
- العقيدة و المعتقد و الموروث المتشابه ..
نقطة عامة تذكرني بنظريات فيثاغورس حينما يتشابه كائنين و بتقاطعات و يختلفان .. تماما هذا ما يحدث مع تعدد الديانات و المعتقدات عبر العصور .. بالرجوع لكل الديانات السماويه أم الوثنيه سنجد قاعدة ثابته اتفقوا عليها قصدا ام صدفة ألا و هي قص نفس القصص و الموروث العقائدي ذاته حول الخلق و الخليقه و فكرة وجود الرب ، لكن كلا بطريقته و بالاضافات و التوضيحات التي وضعها الرسل و الانبياء و المقدسين في كل ديانه ...البشر جميعا اتفقوا على قصة ادم و حواء و قابيل و هابيل الخ ..
ما يعني ان التشابه موجود فلماذا ولد الاختلاف في العقائد و الديانات و من المسئول ..الأهم هل للزمن من علاقة في تغيير الموروث العقائدي ؟هل الزمن سبب تغيير عقلية الانسان ؟ أم تطور الارض هو من فرض عليه الاختلاف ،أم رغبة الاختلاف نفسها جزء من سمات البشرية ؟
ماهية الانسان
- البشر عنصر واحد اسمه انسان ذكر و انثي ...و كما ذكرت اذا عاش بالقرن الواحد ١٣ مليار انسان تاملوا لكل هذا العدد المهيب من الناس و البشر مع اختلاف الانماط السلوكية بين العصور فأي عدد هذا سنصل اليه في دائرة الاعداد ..
و بالتأمل لسلوك الانسان مع الاختلافات في النوع و اللون و الثقافة الخ سنجد اتفاق عام ان الانسان اكثر شراهة للتملك و للملك و الاستحواذ و صفة الانانيين اي " الانا" ... و عجيب جسد الانسان كأنما هو في ذاته كون منفرد متكامل غير ناقص ..اذا كان جسده هكذا و الروح اعطته الحياة فما ينقصه هو ارادة الحياة و جاءت من خلال النفس .. اي انه فعليا كون كامل من ضمن ملايين المليارات من الاكوان .. و هذا يفسر سلوك الانسان المنفرد المتحكم و الاناني و يقول لماذا كل انسان في نفسه الكثير من الكبر و الكبرياء و الخيلاء على الاخرين من كل المخلوقات كأنما يظن نفسه اله ..و بالفعل هناك بشر عبر الزمان طالبوا الناس بعبادتهم .. فمن اين جاءت لهم هذه الفكرة الغريبة ان لم يكن لاحظ في نفسه انه كون حي مستقل كامل ... و يذهلني التناقض العجيب حينما يقف الانسان عاجزا امام ضعفه ... هو مجرد انسان يولد و يموت و لا يستطيع ان يحرك الشمس من موضعها و لا يقلب الارض لسماء و لا يغير السحاب لموج بل انه اقل من ذرة ...و لو فكر دقيقة لوجد ان الذرة الصغيرة العالقه في سديم الكون قد تأتي له في هيئة فيروس لا تراه العين و تحدث أمراً جلل في حياته .. و مع كل هذا ... الانسان الاكثر غرورا و تكبرا حتى بات الكبر لديه عادة يتنافس عليها و تتعاظم لديه يوم بعد يوم ..
وتوقفت هنا في سلسلة التفكير ؛ حسنا اذن الانسان يجد نفسه اله و يتملكه الكبرياء و العظمه اذن لماذا الضعف اذا كان كون مستقل في ذاته ؟!
حتى ابسط المشاعر لا يستطيع ان يتحكم فيها ، رغم ادعاءه الكثير من السعادة لكنه "الانسان" نصفه الظاهر للناس مشرق و نصفه الخفي حزين .. لماذا يا ملك الارض ؟ للاسف لن تجد إجابة سوى تفسير لمفهوم الضعف الانساني في التكوين ...و هنا نصل لنقطة فاصلة " الانسان هو كون متكامل لكنه ضعيف ، فما الذي اضعفه ، حتى الرسل الأكثر نقاء و صلاح و رضا و اعتراف بالرب الواحد القدير هم ايضا ولدوا و ماتوا ، حزنوا و تألموا ..
- الميلاديين الاول و الثاني " لبناء انسان قوي ليس به ضعف "
الحقيقة وصلت في مرحلة من الفكر الان لاقول ان الانسان لم يعي انه مخلوق خلقه الله بالاسباب و مهد له الارض " فيها حياته و فيها مماته و منها يبعثون و لها يعودون .. "
لهذا جعله يخرج من رحم الجسد الانساني " امه " و السبب في هذا حتى يكتمل بناء جسمه الاولي البدائي و حتى يقوى ثم انتقل لرحم الكون الادني " الارض " .. حتى يكتمل بناء جسمه نفسه روحه و يتعلم و يتربي و يتجهز و يستعد للحياة الحقيقية و للميلاد الجديد الثاني و الحقيقي ، الميلاد الذي لن يأتي بعده موت ميلاد ننطلق نحو الكون الاعلى ...
- و اذا تم اعداد جسدنا لنصبح بشر في بطون امهاتنا .. ففي بطن الكون الادنى الارض يتم اعداد استقبالنا لما هو اهم و اكبر ..
في الواقع المصري القديم جدي اوحى لي بالكثير .. لقد كان يعرف ان هناك حياة حقيقية بعد الموت و كان يستعد لها .. كان يقوم بمحكمه نهائيه يزن فيها قلب الانسان و طهارته مع وزن ريشه فاذا ثقل قلب الانسان و لم يكن نقي لن ينتقل للعالم الاعلى و ينتهي الى هنا .. و الصالحين ينتقلون ...
ثم وجدنا في الديانات الاخرى من كذبوا الانتقال و حرقوا الجسد و كي يحل معضله الروح الى اين تذهب بعد الموت ، ادعى انتقالها بين الكائنات و هكذا اختلفت العقائد مع بعضها في التعامل مع ضعف الانسان ، ثم وجدنا في الديانات السماويه الموت و البعث و الحساب ...
اننا بعد كل هذا الصراع سنكتشف اننا نعيش اعمارنا و حياتنا بالتعب و الشقاء لاجل كسب الخبرة من التجربه و التعلم ..و ما بين الخطاء و الصواب تتربى روحك و يولد الانسان الجديد بلا اي صفات ضعف و هذا يحدث باختلاف سلوك الانسان و ادراكه التام و عند موعده المحدد ...
- العلم مقابل الجهل و علاقتهما بالانتقال الثاني
- في فقرة هامة كتبت في رسالتي .. لماذا نعيش قصة كفاح مع انفسنا و الحياة .. ما المغزى الحقيقي من الميلاد و الموت ..
اذا فهمنا قصة الميلاد و رضينا بها.. لماذا لم نفهم الموت و نرضى به.. في الواقع هذا لاننا علمنا ماذا يحدث للانسان بعد الميلاد من حياة .. كما نعلم ما يحدث له منذ الحمل به في رحم الام .. لكننا لا نعلم ما هو الموت و ماذا بعده و الى اين نذهب و ما يحدث لنا في المستقر الجديد ؛ اذن المعرفه و العلم بمجريات الاحداث المتوقعة و الثابته غير الفرضية هي سبب السعادة و الراحة و الاطمئنان و على العكس لاننا لا نعلم الحقيقة الكاملة و يسود الجهل و الغموض فسبب التعاسة و الحزن ، و يتملك الانسان الخوف ، ما يدفعه للسعي و البحث دائما عن معرفة الغيبات لتكون له فتنة في حياته و يصبح لعبة الشيطان.
الانسان يعيش على ارجوحة العقل و القلب ما بين التمنى و الرجاء من جانب ، و ما بين الحلم و الامل من جانب اخر ..يعيش تحت مقصلة الاختيار و التفاصيل الكثيرة و الدوائر المتشابكة و المتشابهه و المتنافرة ..وسط كل هذه الصراعات مع نفسه نسى الهدف الحقيقي ألا و هو التخلص من الضعف ليستقل بكونه و هذا لن ياتي الا بالتعلم و التجربة لكسب المعرفه و الخبرة .. نسى ان الخوف يعجزه عن استقبال الحقائق و بناء انسان قوي . نسى انه كي يتعلم و يتأهل للميلاد الجديد عليه ان يكون شجاع جسور .. نسى انه من البداية و قبل خلقه ان الله جعله خليفته ، فكيف لمخلوق ميت ضعيف يصبح خليفة الله الحي ..!
- الروح اساس الحياة
من المؤسف ان الانسان اعطى للعقل حق أكبر مما يستحق و رضى ان يحكم حياته به سواء حياته الاولى ام الثانيه و يفصل في أمر موته ، و هو ليس موت بل انتقال لمرحلة جديدة ، و رغم علم الانسان ان قوة حكم العقل على الامور ستظل ناقصه لان العقل يمكن له الحكم فيما يراه و يعرفه و يدركه و يضعه تحت المقاييس العقليه المفهوميه بالاسباب إنما كيف يحكم فيما لا يراه و لا يعرفه و لا يستطيع ان يخضعه لحكم مقايسة ... كيف به يحكم حكما صحيحا على مجهول و غيبي. و ننتقل لحكم القلب ، هو الاخر حكمه يخالفه الصواب لان العاطفه تحركه ...
و الى هنا علينا التفكير في حكم الروح ، انما تعترضنا مشكلة لقد نسى الانسان وسط الصراع طريق النجاة الوحيد .. اذا عشت لتتعلم و تكسب الخبرة و تتاهل للحياة الابدية الخالدة ..كيف بك لم تدرك ان الروح فقط هي من بيدها الحل لك .. الروح التي رزقك بها الله هي الباقيه لك، هي التي أتت بميلادك الاول ثم انتقلت معك لميلادك الثاني و هي من تعيش بعد فناء الجسد . و مع هذا يتجاهل الانسان حكم الروح .
لهذا يعيش معلقا .. و حياته حزينه و السعادة في غيبات الروح المنسيه ..حينما ينقي نفسه من العقل و القلب .. يرجح كفة الروح ، تجده اكثر سعادة و رضا و نقاء مهما كان اختلاف دينه عقيدته فلسفته ...الروح تصحبه لرؤية الحقائق..
- خاتمة
و انتهي من مقالي البحثي هذا و اقدمه للجمهور .. لقد افنيت عمري في البحث و التدقيق .. و وصلت لما ذكرته في السطور القليله البسيطه جدا و هي ليست دعوة او فرض عقيدة و دين .. بل نظرة للتامل لاهمية الروح التي نساها الانسان تحت ادعاء الاهتمام بالنفس و الجسد ..
و اختتم لا تعقدوا الحكم على الناس فكلنا أثواب ممزقه من البكاء و الأنين ...كلنا حفنة تراب تبحث طوال حياتها عن مستقرها للميلاد الجديد ...كلنا نفحة روح الخالق العظيم .. طابت من سكنت جواره و خابت من غفت عن ذكره...
مقالة بحثيه
بقلم دكتوره عبير المعداوي
الأكثر مشاهدة
Who's Online
294 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
الصحة
الدائرة الأخيرة
فيديو كاسل جورنال
الدائرة الأخيرة
الدائرة الأخيرة مع الدكتور عاصم الليثى
الدائرة الأخيرة مع اللواء نبيل أبو النجا
كلمة د/عبير المعداوى فى عيد الشرطة