-
نشر بتاريخ: 17 شباط/فبراير 2021
الفاتيكان
نداء أساقفة إيرلندا من أجل تعزيز العلاجات التخفيفية، إذ يعلّقون على مشروع قانون "الموت بكرامة"؛ ويكتبون في مذكرة لهم: "لا وجود لحياة بلا قيمة، أو لحياة لم تعد تستحق أن تُعاش".
"إن الانتحار بمساعدة الغير يعكس فشل الشفقة في المجتمع": هذا ما كتبه مجلس أساقفة إيرلندا في مذكّرة طويلة ومفصلة تشير إلى مشروع قانون "الموت بكرامة". وينص مشروع القانون على "المساعدة لتحقيق نهاية كريمة وسلمية للحياة" للبالغين المصابين بأمراض مميتة والذين يُعتبرون "مؤهلين لتقديم طلب" من خلال تصريح، يجب أن يتم التصديق عليه من قبل طبيبين، بعد التحقُّقات اللازمة. تحمل المذكرة توقيع المجلس من أجل الحياة، وهو هيئة استشارية أنشأها الأساقفة الأيرلنديون، والمجموعة الاستشارية للأخلاقيات الحيوية، وهي هيئة أكاديمية تقدم المشورة للأساقفة في هذا الشأن. ونقرأ في المذكرة تقع على عاتقنا المسؤولية الأخلاقية للعناية بقريبنا، وفقًا للصورة الإنجيلية للسامري الصالح، ويحث الأساقفة في هذا السياق على تعزيز "علاجات تخفيفية جيّدة"، تحترم الحياة، وتعترف في الوقت عينه بالموت البشري، وتقدم للمرضى النهائيين فرصة أفضل للوصول إلى نهاية حياتهم بطريقة كريمة وسلمية.
يستنكر الأساقفة أيضًا "الافتراض الذي يقوم عليه الانتحار بمساعدة الغير"، أي حقيقة "وجود حياة بلا قيمة، وحياة لم تعد تستحق أن تُعاش". إنّه افتراء يقوض حتماً أساس الاحترام والحماية القانونية لكلِّ حياة بشريّة، بغض النظر عن العمر أو الإعاقة أو الكفاءة أو المرض". كذلك، يمثل مشروع القانون هذا قيدًا على ضمير العاملين الصحيين الذين يعارضونه، لأنهم يعرفون أنه عمل غير أخلاقي خطير ويتعارض تمامًا مع دعوتهم للعناية بالآخرين وعلاجهم. وهذا العبء الواقع على ضميرهم هو بلا جدوى وغير متناسب وظالم. ومرة أخرى تسلط المذكرة الضوء على أن تحديد المهنيين الصحيين على أنهم الذين سيساعدون، وفي ظل ظروف معينة، سينفِّذون فعليًا الانتحار بمساعدة الغير وفقًا لتعليمات موكِّليهم، يضر بشكل خطير بأخلاقيات ومصداقية المهن الطبية، ويغير بشكل جذري معنى الرعاية الصحية.
من ثم تذكر الكنيسة الكاثوليكية الأيرلندية أنه "مهما كان التشخيص ومهما كانت قدرات الشخص محدودة، فإن قيمته ككائن بشريٍّ تتجذّر فيما هو عليه، وليس في متوسط العمر المتوقع أو قدرته على بلوغ معايير معينة من الأداء البدني أو العقلي. وتتابع المذكّرة إنَّ الكرامة البشريّة تشير إلى القيمة الفردية لكلِّ شخص وهي متأصلة في كل شخص بحكم طبيعته. ولذلك فهي ليست شيئًا يُمنح له من قبل أيّة مؤسسة أو قانون أو عملية أو معيار للرفاهية البدنية أو العقلية. كذلك يحذر مجلس أساقفة إيرلندا من حقيقة أن مثل هذا الاقتراح التشريعي، في حالة الموافقة عليه، "من شأنه أن يضعف بشكل كبير الضمانات ضد القتل غير التوافقي للفئات الضعيفة من الاشخاص، الذين سيكونون بالتالي عرضة للخطر بشكل متزايد. وبشكل خاص أعرب الأساقفة عن قلقهم إزاء حقيقة أن مشروع القانون لا يتطلب من مقدمي الرعاية توفير علاجات تخفيفية مناسبة للمريض النهائي. وهذا الأمر يعني أنه "يمكن لأي شخص أن يقرر إنهاء حياته دون أن يختبر ما يمكن أن تقدمه العلاجات التخفيفية، وبالتالي، يمكنه اتخاذ هذا القرار دون أن يكون على دراية كاملة بالخيارات الأخرى المتاحة له. إغفال خطير آخر هو أن مشروع القانون لا يعترف بحقيقة أن العديد من المرضى الذين يطلبون المساعدة على الانتحار يعانون من الاكتئاب. ولكن إذا تم الاعتناء بهم جيدًا، فإن هؤلاء المرضى سيتحسنون ويشعرون أن رغبتهم في الموت تتضاءل. لذلك، بدلاً من تسهيل المساعدة على الانتحار - تؤكد المذكِّرة - يجب علينا أن نحسِّن الرعاية النفسية والطبية للمرضى النهائيين، ونقدّم لهم إمكانيات جديدة للحياة.
أما بالنسبة لمبدأ الشفقة، الذي غالبًا ما يُقدم كمبرر للانتحار بمساعدة الغير، فيذكّر الأساقفة أن الشفقة تعني حقًا التألّم مع الآخر. لهذا السبب، يمثل مشروع القانون فشلاً وهزيمة في تحدي العناية بالمرضى النهائيين. وتتابع المذكرة كذلك، فإن الذين يساعدون على الانتحار، مهما كانت دوافعهم يتعاونون في تدمير شخص آخر. أما بالإجابة على الذين يعيدون التأكيد على ضرورة ضمان استقلالية المريض، فيؤكد الأساقفة أن هذه الاستقلاليّة تعترف بحق الشخص في أن تتمّ معالجته ورعايته وفقًا لقيمه الشخصية وآماله ورغباته، ولكنه ليس مبدئا مطلقًا، لأنّه يمكن لقراراتنا كأعضاء في المجتمع أن يكون لها آثارًا خطيرة على الآخرين. وبالتالي، فإن الاستقلالية هي خير نعم، ولكن على ممارستها أن تكون متسقة مع حقوق الآخرين ومع جميع متطلبات السلوك الإنساني واللائق، لأنه لا أحد منا يعيش وحده كجزيرة.
ويلاحظ مجلس أساقفة إيرلندا أيضًا أن تشريع الانتحار بمساعدة الغير سيجعله بمعنى ما "جيدًا" أو "مرغوبًا فيه"، مما سيؤدي إلى تقليص الرعاية في نهاية الحياة إلى مجرّد خدمة وليس كحق، الأمر الذي سيضع المرضى النهائيين وغيرهم من المرضى المستضعفين تحت ضغط "عاطفي واجتماعي"، يجعلهم يشعرون بأنهم مجبرون على تجنيب الآخرين عبء العناية بهم. كذلك تعيد المذكرة التأكيد في هذا السياق على أن أحكام مشروع القانون تتعارض جذريًا مع الخير العام، والقيمة المتساوية لجميع الأرواح البشرية ولروح الطب.
أخيرًا، بالنظر إلى وباء فيروس الكورونا وجميع الجهود التي تبذلها الحكومة والعاملين الصحيين والسكان لمكافحته وحماية الأشخاص الأكثر ضعفًا، يقول الأساقفة إنهم مقتنعون، بواقع أنّه وباسم خدمة أفضل للبشريّة والخير العام، يجب ألا يوافق البرلمان الأيرلندي على مشروع قانون "الموت بكرامة"، بل يجب أن يستثمر الموارد لصالح العلاجات التخفيفية.
الأكثر مشاهدة
Who's Online
129 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
الصحة
الدائرة الأخيرة
فيديو كاسل جورنال
الدائرة الأخيرة
الدائرة الأخيرة مع الدكتور عاصم الليثى
الدائرة الأخيرة مع اللواء نبيل أبو النجا
كلمة د/عبير المعداوى فى عيد الشرطة