٣ عقود من الشراكة السرية: تحليل العلاقة بين كازاخستان وإسرائيل يكشف أبعاد إستراتيجية تتجاوز اتفاقية إبراهام اكورد
إن قرار كازاخستان الانضمام رسمياً إلى اتفاقيات إبراهيم لم يكن وليد اللحظة، بل هو تتويج لشراكة ثنائية عميقة وغير معلنة بشكل كامل، امتدت لثلاثة عقود منذ استقلال الدولة الواقعة في آسيا الوسطى. في الوقت الذي كانت فيه أغلب الدول الإسلامية تقاطع إسرائيل، كانت كازاخستان وإسرائيل تشيدان جسوراً قوية للتعاون الاستراتيجي، خاصة في مجالات الطاقة والأمن والتكنولوجيا الفائقة.
هذا التاريخ المشترك يمنح انضمام كازاخستان أهمية تفوق مجرد الرمزية، ويكشف عن تحالف مصالح جيوسياسية بالغة الأهمية.
شراكة سرية في الطاقة والأمن تُتوج اتفاقيات إبراهيم
في المشهد الدبلوماسي العالمي، لم تكن العلاقات الثنائية بين كازاخستان وإسرائيل لُغزاً، لكنها كانت تُدار بعيداً عن الأضواء الكاشفة، تركزت على احتياجات استراتيجية متبادلة في قطاعات حيوية.
الشراكة القائمة على ثلاثة عقود من الشراكة السرية الآن هي على وشك الدخول في مرحلة علنية تحت مظلة اتفاقيات إبراهيم.
فمنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة في عام 1992، أصبحت كازاخستان مصدراً حيوياً للنفط لإسرائيل، وفي المقابل، حصلت الدولة الآسيوية على تكنولوجيا متقدمة في مجالات الأمن والمراقبة والزراعة.
هذا الأساس المتين في الطاقة والأمن هو الذي دفع الطرفين إلى تفعيل علاقتهما عبر الانضمام إلى الاتفاقيات، مما يخدم سياسة كازاخستان الخارجية القائمة على التوازن والبحث عن شركاء أقوياء في الغرب.
النقاط الرئيسية للخبر
تاريخ العلاقة:
العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين قائمة منذ أبريل 1992، أي قبل ثلاثة عقود من الاتفاقيات.
شريان الطاقة:
كازاخستان هي مصدر رئيسي للنفط لإسرائيل، حيث تستورد منها تل أبيب ما يُقدر بـ 10% إلى 25% من احتياجاتها النفطية عبر طرق بحر قزوين والبحر الأسود.
التعاون الأمني والعسكري:
تُعد كازاخستان زبوناً مهماً لصناعات الدفاع الإسرائيلية، حيث اشترت طائرات مسيرة (UAVs)، وصواريخ دقيقة، وأنظمة رادار، كما وقعت اتفاقيات دفاع سرية.
التكنولوجيا والابتكار:
إسرائيل تزود كازاخستان بالخبرة والتكنولوجيا في مجالات الزراعة، والمياه، والتقنية العالية (الهايتك).
الدافع الجيوسياسي:
تستخدم كازاخستان هذه الشراكة كجزء من سياستها “متعددة الاتجاهات” لموازنة النفوذ الروسي والصيني والإيراني في المنطقة عبر تعزيز التحالفات مع الولايات المتحدة وحلفائها.

التوسع الاقتصادي:
الانضمام إلى الاتفاقيات يهدف إلى دمج كازاخستان في شبكة استثمارية أوسع تشمل الولايات المتحدة والدول الخليجية الموقعة على الاتفاقيات.
الركيزة الأولى: التعاون النفطي والتجاري الثابت
تُعد التجارة الثنائية، رغم حجمها المتواضع نسبياً (التي بلغت حوالي 264.4 مليون دولار في 2021)، ذات أهمية استراتيجية. كان قطاع الطاقة هو نقطة الانطلاق لهذه الشراكة.
وبصفتها سابع أكبر دولة في العالم من حيث الحجم وواحدة من أكبر منتجي النفط والغاز، تمثل كازاخستان مصدراً موثوقاً للنفط بالنسبة لإسرائيل. وقدّر خبراء أن ما بين 10% إلى 25% من واردات النفط الإسرائيلية وصلت في فترات معينة من كازاخستان، مما يؤمن لها تنوعاً في مصادر الطاقة بعيداً عن الشرق الأوسط المضطرب.
كما يمتد التعاون الاقتصادي إلى قطاعات أخرى حيوية حيث تتفوق إسرائيل، بما في ذلك التكنولوجيا الزراعية (التي تكتسب أهمية قصوى في السهوب الكازاخستانية الشاسعة)، والطب، والتكنولوجيا المتقدمة.
وقد ساهمت الشركات الإسرائيلية في تطوير مشاريع البنية التحتية والابتكار في كازاخستان على مدى العقدين الماضيين.
الركيزة الثانية: الأمن والدفاع السري
تُعتبر العلاقات الأمنية والعسكرية بين البلدين من أكثر جوانب الشراكة سرية وأهمية. كازاخستان هي مستورد صغير ولكنه استراتيجي للمعدات العسكرية الإسرائيلية.
وشملت المشتريات الرئيسية للجيش والشرطة الكازاخستانية طائرات مسيرة متقدمة، وصواريخ دقيقة التوجيه، وأنظمة رادار متطورة من شركات دفاع إسرائيلية كبرى. وفي عام 2021، بدأت كازاخستان بإنتاج طائرات مسيرة محلياً بترخيص من شركة إلبيت سيستمز الإسرائيلية (Elbit Systems)، مما يعكس مستوى عالٍ من نقل التكنولوجيا والثقة المتبادلة.
كما وقع البلدان اتفاق دفاعي في عام 2014 لم يُكشف عن محتواه بالتفصيل، لكن يُعتقد أنه يركز على بيع الأسلحة والتعاون في مجال الأمن السيبراني.
هذا التعاون الأمني العميق يمكّن كازاخستان من تحديث قواتها المسلحة والاعتماد على تكنولوجيا غربية المنشأ، مما يقلل من اعتمادها على المعدات الروسية ويخدم مصالحها في التوازن الجيوسياسي.
الدوافع الجيوسياسية لدخول الاتفاقيات
إن الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم يخدم سياسة كازاخستان الخارجية الحالية القائمة على “التعددية الاتجاهات” (Multi-vector Foreign Policy).
تواجه كازاخستان تحديات معقدة تتطلب منها الموازنة بين جيرانها الأقوياء، روسيا والصين، وتحديات الأمن الإقليمي المرتبطة بإيران.

من خلال تعميق العلاقات مع إسرائيل، التي هي حليف استراتيجي قوي للولايات المتحدة، تحصل كازاخستان على ما يلي:
تعزيز العلاقات مع واشنطن:
توفير قناة لتعزيز التحالفات مع الغرب والولايات المتحدة التي ترعى الاتفاقيات.
موازنة النفوذ الإقليمي:
الحصول على دعم استراتيجي وتكنولوجي إسرائيلي لمواجهة التحديات الإقليمية والأمنية.
فتح آفاق الاستثمار:
الاندماج في شبكة استثمارية أوسع تشمل دول الخليج العربي الموقعة على الاتفاقيات، مما يدعم رؤيتها لتصبح مركزاً اقتصادياً إقليمياً.
باختصار، يمثل دخول كازاخستان إلى الاتفاقيات نقلة نوعية في الشراكة القائمة، تحولها من علاقة ثنائية “سرية” إلى تحالف استراتيجي معلن ضمن إطار إقليمي ودولي واسع، مما يعزز مكانة إسرائيل في آسيا ويخدم مصالح كازاخستان في التوازن الجيوسياسي.



