رئيس المخابرات المصرية يبحث في القاهرة مع المبعوث الأمريكي سُبل تأمين هدنة السودان
مصر تقود الدبلوماسية المكثفة..
شهدت الأجندة الدبلوماسية الإقليمية هذا الأسبوع حركة مكثفة بقيادة مصرية تهدف إلى إنهاء الصراع الدامي في السودان، حيث تركزت الجهود على بلورة اتفاق هدنة إنسانية شاملة.
وفي ضوء الدور المحوري للقاهرة، تأتي هذه التحركات كجزء من مسعى رباعي (يضم الولايات المتحدة ومصر والإمارات والسعودية) لتسريع العملية السياسية.
وقد تضمنت هذه التحركات التنسيق المباشر والاجتماعات رفيعة المستوى في القاهرة بين كبار المسؤولين الأمنيين المصريين، وفي مقدمتهم رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، والمبعوث الأمريكي الخاص للشؤون الإفريقية والعربية، ماسات بولوس.
هذا التنسيق هو العمود الفقري للمقترح الأمريكي الحالي، الذي يتم التفاوض بشأنه مباشرة مع الأطراف المتنازعة في السودان هذا الأسبوع.
التحركات الدبلوماسية المكثفة في أزمة السودان
تنسيق أمني رفيع:
أجندة رئيس المخابرات المصرية تركزت على تذليل العقبات الفنية والأمنية أمام مقترح الهدنة الأمريكية، بتنسيق مباشر مع المبعوث الأمريكي ماسات بولوس وكبار المسؤولين في وزارة الخارجية المصرية.
هيكلية المقترح الأمريكي:
يتمحور المقترح حول هدنة إنسانية أولية مدتها ثلاثة أشهر، يعقبها مباشرة إطار عمل سياسي شامل لمدة تسعة أشهر بقيادة الأطراف السودانية.
اجتماع حاسم للجيش:
انعقد مجلس الأمن والدفاع السوداني، برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، هذا الأسبوع في بورتسودان لمناقشة المقترح الأمريكي بشكل تفصيلي، مما يشير إلى جدية التعامل معه.
موقف الدعم السريع:
أعلنت قوات الدعم السريع، التي تخوض قتالاً عنيفاً ضد الجيش، عن موافقتها المبدئية على الإطار العام للهدنة الإنسانية المقترحة من الرباعية.
الخطوط الحمراء للبرهان:
أبلغ البرهان المبعوثين الدوليين بوضوح أن قوات الدعم السريع “لا يمكن أن يكون لها دور سياسي” في مستقبل السودان، مما يمثل عقبة جوهرية أمام المرحلة السياسية.
الهدف الإنساني:
تهدف الجهود المشتركة إلى فك الحصار عن المساعدات الإنسانية وضمان وصولها الفوري إلى ملايين النازحين، خاصة في دارفور والمناطق المكتظة بالصراع.
الدور المصري المحوري والتنسيق الأمني
تُعد مصر، بحكم جوارها وعمق علاقاتها التاريخية والأمنية مع السودان، الشريك الأكثر تأثيراً في مسار وقف إطلاق النار.
ولم يقتصر الدور المصري هذا الأسبوع على الدعم السياسي، بل امتد إلى التنسيق الأمني والاستخباراتي المباشر، وهو ما أكدته اللقاءات الأخيرة التي جمعت الوفد الأمريكي برئاسة بولوس مع المسؤولين المصريين في القاهرة.
وتشير المصادر الدبلوماسية المطلعة إلى أن رئيس المخابرات المصرية يدير بفعالية مسارين متوازيين:
• الأول :
هو مسار التفاهم المشترك مع الجانب الأمريكي والرباعية حول آليات المراقبة والتنفيذ الفني للهدنة. والثاني، هو مسار الاتصال المباشر والمكثف مع قيادتي القوات المسلحة السودانية (SAF) وقوات الدعم السريع (RSF) للضغط من أجل تقديم التنازلات الضرورية لضمان وقف إطلاق النار.
لقد ركزت الاجتماعات في القاهرة على تحديد الخرائط الزمنية والتفاصيل اللوجستية، بما في ذلك كيفية انسحاب قوات الدعم السريع من المناطق المدنية، وتأمين الممرات الإنسانية، وتشكيل لجنة تنسيق مشتركة للإشراف على الهدنة.
ويتيح هذا التنسيق لرئيس المخابرات المصرية، الذي يمتلك قنوات اتصال تاريخية مع الأطراف المتصارعة، إمكانية التدخل لتذليل أي عقبة فنية أو أمنية قد تعترض طريق المفاوضات.
ويهدف المقترح الذي تدعمه مصر والولايات المتحدة إلى بدء هدنة لمدة ثلاثة أشهر، تليها عملية سياسية شاملة تمتد لتسعة أشهر.
ردود أفعال أطراف النزاع: الهدنة أولاً
في بورتسودان، المركز المؤقت للقيادة السودانية، انعقد اجتماع لمجلس الأمن والدفاع هذا الأسبوع لمراجعة المقترح الأمريكي-المصري المشترك.
ويأتي هذا الاجتماع في وقت يشهد فيه الجيش السوداني ضغوطاً متزايدة، خاصة بعد التطورات الميدانية الأخيرة في دارفور.
من جانبه، أكد الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش، تمسكه بموقفه الرافض لأي دور سياسي مستقبلي لقوات الدعم السريع، مشدداً على أن المفاوضات يجب أن تقتصر على الجوانب العسكرية والأمنية للهدنة.
ومع ذلك، تشير مصادر مطلعة إلى أن البرهان أبدى مرونة مبدئية تجاه الهدنة الإنسانية كخطوة أولى، شرط أن تتضمن آليات واضحة لانسحاب الدعم السريع من المدن والمرافق المدنية.
وفي تطور موازٍ، أعلنت قوات الدعم السريع عن موافقتها المبدئية على المقترح، مؤكدة أنها تتطلع إلى البدء الفوري بمناقشة ترتيبات وقف الأعمال العدائية، والمبادئ الأساسية للمسار السياسي الشامل.
ويُنظر إلى هذا التناغم النظري في القبول المبدئي للهدنة الإنسانية، رغم التباينات حول المرحلة السياسية، على أنه نتاج للضغط الدبلوماسي المكثف الذي مارسته مجموعة الرباعية، بقيادة جهود القاهرة والرياض.
الفاشر تُلْقي بظلالها: فظائع المقابر الجماعية وضرورة المحاسبة
لقد أضفت مذبحة الفاشر التي وقعت في أعقاب سقوط عاصمة شمال دارفور في يد قوات الدعم السريع في أواخر أكتوبر، طبقة قاتمة من الإلحاح والتعقيد على المباحثات التي عقدت في القاهرة هذا الأسبوع.
حيث مثّلت التقارير الموثقة لـ “المقابر الجماعية” والقتل على أساس عرقي، وهروب ما يقرب من 80,000 مدني، خلفية دامية للجهود الدبلوماسية.
تأثير المذبحة على المباحثات
أكدت المصادر الدبلوماسية أن الكارثة الإنسانية والانتهاكات الجسيمة في الفاشر كانت حاضرة بقوة على طاولة المحادثات بين رئيس المخابرات المصرية والمبعوث الأمريكي بولوس.
وقد وفرت هذه الفظائع حجّة قوية للمطالبة بآليات رقابة دولية أكثر صرامة ضمن أي اتفاق هدنة مستقبلي:
تعزيز البعد الإنساني:
تم إدماج قضية الفاشر في المقترح باعتبارها دليلاً على أن الهدنة لا يمكن أن تكون مجرد وقف لإطلاق النار، بل يجب أن تسبقها أو تتزامن معها إجراءات أمنية ملزمة لضمان سلامة المدنيين، لا سيما في مراكز النزوح والمستشفيات.
شرط الانسحاب:
أصرت القاهرة وواشنطن على أن إحدى نقاط الخلاف الرئيسية في المباحثات هي ضمان انسحاب قوات الدعم السريع بالكامل من المواقع المدنية الرئيسية في جميع أنحاء السودان، وليس فقط في الفاشر، كشرط للتقدم نحو الهدنة.إن مذبحة الفاشر جعلت هذا الشرط غير قابل للتفاوض من الناحية الإنسانية.
فتح ممرات الإغاثة:
تم استخدام فظائع الفاشر للدفع نحو إنشاء “ممرات إنسانية محمية” تحت إشراف دولي/إقليمي، لتمكين قوافل الإغاثة من الوصول إلى النازحين في طوله والمناطق الحدودية.
رد الفعل المصري: سيادة ومحاسبة
لقد تمحور الموقف المصري، الذي نقله رئيس المخابرات في إطار التنسيق مع الشركاء، حول ثلاثة محاور رئيسية رداً على فظائع الفاشر:
1. الرفض التام للانتهاكات:
أصدرت القاهرة، بالتنسيق مع شركائها الإقليميين، بيانات غير مباشرة شددت على ضرورة المحاسبة الفورية للمسؤولين عن العنف ضد المدنيين.
ورغم أن مصر تتجنب تسمية طرف معين في العادة لتبقى وسيطاً مقبولاً للجميع، إلا أن الإشارة إلى ضرورة “حماية المدنيين وفقاً للقانون الدولي الإنساني” تمثل رسالة قوية وموجهة.
2. تأكيد وحدة السودان:
شدد المسؤولون المصريون، وعلى رأسهم وزير الخارجية، على أن الانتهاكات العرقية في دارفور تهدد وحدة السودان ونسيجه الاجتماعي.
وكانت رسالة المخابرات المصرية المباشرة إلى الأطراف المتصارعة هي أن استمرار العنف العرقي سيعزز المطالبات بالتدخل الخارجي أو تقسيم البلاد، وهو خط أحمر بالنسبة للقاهرة.
3. الدعوة لآلية تحقيق:
دعمت مصر جهود الأمم المتحدة والجهات الدولية المطالبة بآلية تحقيق محايدة في الانتهاكات التي حدثت في الفاشر، مع التأكيد على ضرورة أن تتم هذه التحقيقات بالتنسيق مع السلطات السودانية المعترف بها دولياً.
بهذا، تحولت المباحثات الدبلوماسية في القاهرة هذا الأسبوع من مجرد مناقشات لوقف إطلاق النار إلى محاولة عاجلة لإيجاد حلول ملزمة لـ التداعيات المروعة لمذبحة الفاشر، ودمجها كحافز للضغط على الأطراف لتقديم تنازلات أمنية فورية، قبل أن ينزلق الصراع إلى حافة كارثة إنسانية لا يمكن السيطرة عليها.
التحديات العالقة والمخاطر الميدانية
على الرغم من الدفعة الدبلوماسية القوية هذا الأسبوع، لا تزال التحديات الميدانية والسياسية هائلة.
فالصراع مستمر في جبهات حاسمة، أبرزها الفاشر، ويشكل هذا العنف تهديداً مباشراً لجدوى أي اتفاق سلام.
ويكمن التحدي الأكبر في كيفية بناء الثقة وتأمين آليات مراقبة فعالة على الأرض. وقد أشار المبعوث الأمريكي بولوس إلى أن التوصل إلى اتفاق هدنة يتطلب وقتاً بسبب “التفاصيل الفنية والأمنية واللوجستية المعقدة”، بما في ذلك آليات المتابعة والتنفيذ.
ويُعوّل هنا على الخبرة الأمنية التي يمتلكها جهاز المخابرات المصرية للمساعدة في تصميم هذه الآليات لضمان عدم انهيار الهدنة كما حدث في محاولات سابقة.
إن التنسيق غير المسبوق بين القاهرة وواشنطن هذا الأسبوع يؤكد أن الحل في السودان لا يمكن أن يكون عسكرياً، بل يجب أن يمر حتماً عبر طاولة المفاوضات.
وتنظر الأوساط الدبلوماسية الإقليمية إلى الدور المصري على أنه “الرافعة” الأهم لترجمة المقترحات الأمريكية إلى التزامات عملية على الأرض، بهدف إنقاذ ملايين السودانيين من المجاعة والنزوح المستمر.



