واشنطن- الولايات المتحدة الأمريكية
2025-10-17
تخفيف الرسوم على السيارات الأمريكية” يعيد الروح للقطاع الصناعي بعد ضغوط مكثفة
يمثل قرار البيت الأبيض بتعديل التزامات الرسوم الجمركية على قطاع السيارات إشارة واضحة إلى قوة الضغط الذي مارسته شركات الصناعة الأمريكية، وهو ما يمكن وصفه بـانتصاراً كبيراً لشركات الصناعة. فقد شهدت السياسة التجارية الأمريكية، في الأشهر الماضية، حالة من التقلب والتوتر نتيجة لفرض رسوم جمركية واسعة بنسبة 25% على السيارات وقطع الغيار المستوردة، وهي الرسوم التي هدفت، بحسب الإدارة الأمريكية، إلى حماية الأمن القومي وتشجيع التصنيع المحلي، لكنها هددت في الوقت ذاته بزيادة التكاليف على الشركات المحلية وتعطيل سلاسل الإمداد العالمية.
وقد استجابت الإدارة الأمريكية لهذه المخاوف، عبر توقيع أمر تنفيذي يهدف إلى التخفيف من الأثر المالي لتلك الرسوم على الشركات المصنعة للسيارات داخل الولايات المتحدة. وتأتي هذه التعديلات كحل وسط يحاول الموازنة بين حماية الصناعة المحلية وتخفيف الأعباء التشغيلية التي فرضتها الرسوم.
نقاط بارزة في تخفيف الرسوم الجمركية:
- تجنب الرسوم المتراكمة: تم إعفاء السيارات المستوردة من الرسوم الجمركية المنفصلة المفروضة على المواد الخام مثل الألمنيوم والصلب، وهو إجراء يهدف إلى منع “تراكم الرسوم” على المنتج الواحد، والذي كان يزيد من التكلفة الجمركية الإجمالية.
- تعويضات تحفيزية للإنتاج المحلي: تم تعديل الرسوم البالغة 25% المفروضة على قطع غيار السيارات، حيث ستُمنح الشركات التي تقوم بتجميع وبيع سيارات مكتملة في الولايات المتحدة تعويضاً (Import Adjustment Offset) يصل إلى 3.75% من قيمة سعر التجزئة المقترح (MSRP) للسيارة المصنعة محلياً في السنة الأولى، ثم يتقلص إلى 2.5% في السنة التالية، قبل أن يُلغى لاحقاً.
- تشجيع زيادة المكونات الأمريكية: الهدف من نظام التعويض المرحلي هو تحفيز الشركات على تعزيز نسبة المكونات المحلية (US Content) في مركباتها خلال فترة زمنية محددة لا تتجاوز العامين.
- استمرار الرسوم على الواردات الكاملة: بالرغم من التعديلات، إلا أن الرسوم الجمركية بنسبة 25% على السيارات المستوردة بالكامل لا تزال سارية، وهو ما يشير إلى استمرار الضغط على الواردات الأجنبية لدفع الشركات نحو التصنيع داخل أمريكا.
- تمديد محتمل للإعفاء: تشير تقارير حديثة (أكتوبر 2025) إلى أن وزارة التجارة قد تعلن عن تمديد قاعدة السماح لشركات صناعة السيارات بتخفيض ما تدفعه من رسوم جمركية على قطع الغيار المستوردة لمدة خمس سنوات بدلاً من المدة المحددة مسبقاً بعامين، وهو ما يوفر “متنفساً” أكبر للقطاع.
تأثيرات القرار على الصناعة والاقتصاد
عكست هذه الخطوة ارتياحاً ملحوظاً في قطاع صناعة السيارات. فقد واجهت الشركات الكبرى مثل “جنرال موتورز” و”فورد موتور” و”ستيلانتس” ارتفاعاً كبيراً في تكاليف الإنتاج بسبب الرسوم، ما هدد بارتفاع أسعار السيارات على المستهلكين وتعطيل شبكة الإنتاج في أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة، كندا، المكسيك). وقد عبر الرؤساء التنفيذيون لهذه الشركات عن ترحيبهم بالتعديلات، معتبرين أنها ستساعد في خلق بيئة تنافسية أكثر عدلاً وتخفف من تأثير الرسوم على الموردين والمستهلكين على حد سواء.
كما أن الإعفاء المؤقت أو نظام التعويض يمنح الشركات فترة سماح ثمينة لـ”تصميم” سلاسل إمدادها ونقل المزيد من عمليات التصنيع إلى داخل الأراضي الأمريكية، وهو الهدف الأساسي للسياسة التجارية التي تبنتها الإدارة.
التحديات المستمرة:
على الرغم من التخفيف، لا يزال القطاع يواجه تحديات جمة. فالرسوم البالغة 25% على السيارات المستوردة لا تزال قائمة، ما يعني أن أسعار هذه المركبات ستظل عرضة للارتفاع. كما أن عدم وضوح التفاصيل الدقيقة لكيفية حساب التعويض على قطع الغيار يضع الشركات في حالة من عدم اليقين بشأن التكاليف المستقبلية.
أبعاد سياسية واقتصادية
يأتي التخفيف في سياق سياسي واقتصادي حساس. فالقرار يعكس استجابة مباشرة لضغوط اللوبي الصناعي وضرورة حماية قطاع حيوي يوفر ملايين الوظائف. كما أنه يمثل محاولة لإظهار المرونة في تطبيق سياسة الرسوم الجمركية، التي أثارت اضطراباً في الأسواق ومخاوف من تباطؤ اقتصادي وتضخم محتمل. وتُعد هذه التعديلات رسالة سياسية لدعم العمال الأمريكيين في ولايات رئيسية، لا سيما في ولاية ميشيغان، معقل صناعة السيارات.
في المحصلة، يُنظر إلى تخفيف الرسوم الجمركية على صناعة السيارات الأمريكية على أنه مناورة تكتيكية ذكية تهدف إلى تحقيق التوازن بين الأهداف التجارية المعلنة -وهي زيادة التصنيع المحلي- وبين تجنب التداعيات السلبية الكارثية التي قد تسببها الرسوم الشاملة والمكلفة على الشركات والمستهلكين في آن واحد. التحدي الآن يكمن في مدى قدرة الشركات على استغلال فترة التخفيف المؤقت لزيادة المكونات المحلية بشكل فعال وتحقيق “الانتصار” الاقتصادي الكامل الذي تسعى إليه الإدارة الأمريكية.