الرباط –المملكة العربية المغربية – سي جاي العربيّة
6 أكتوبر 2025
تعيش المملكة المغربية منذ أواخر سبتمبر موجة احتجاجات غير مسبوقة يقودها جيل الشباب، في حركة باتت تُعرف باسم «Gen Z 212»، في إشارة إلى رمز الاتصال الدولي للمغرب، وقد امتدت المظاهرات إلى مدن كبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، فاس، مراكش، وأغادير، مطالبة بإصلاحات جذرية في مجالات الصحة والتعليم وفرص العمل ومحاربة الفساد.
انطلقت الشرارة الأولى للحراك بعد حادثة مأساوية في مستشفى بمدينة أغادير، حيث توفي ثماني سيدات أثناء الولادة، ما أثار موجة غضب واسعة ضد ضعف الخدمات الصحية العامة، وسرعان ما تحولت الحادثة إلى رمز لاحتقان اجتماعي متراكم منذ سنوات.
أسباب الغضب الشعبي
المتظاهرون، ومعظمهم من فئة الشباب، رفعوا شعارات تدعو إلى العدالة الاجتماعية وتوزيع عادل للثروة بين المناطق، إلى جانب المطالبة بتحسين التعليم ومكافحة البطالة التي تجاوزت نسبتها 30% في بعض الفئات العمرية.
كما انتقدوا أولويات الإنفاق الحكومي، معتبرين أن التركيز على مشروعات البنية الرياضية الكبرى استعدادًا لاستضافة كأس العالم 2030، يأتي على حساب القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم.
بحسب تقارير رويترز ولوموند والأسوشيتد برس، فإن هذه الحركة الشبابية تختلف عن الحركات السابقة في المغرب، إذ تفتقر إلى قيادة تنظيمية واضحة ولا ترتبط بالأحزاب أو النقابات، بل تعتمد على التنسيق عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل TikTok وInstagram وDiscord، مما جعلها أكثر حيوية وأصعب على السلطات في السيطرة عليها أو احتوائها.
موقف الحكومة والملك
أعلنت الحكومة المغربية في بيانات متتالية أنها “تتفهم المطالب الاجتماعية المشروعة” وأكدت استعدادها للحوار، لكنها في الوقت ذاته حذّرت من المساس بالأمن العام. وقد أوقفت السلطات المئات من المتظاهرين في الأيام الأولى، ثم أفرجت عن عدد كبير منهم بعد وساطات حقوقية.
أما الملك محمد السادس، فلم يُصدر حتى الآن خطابًا رسميًا مخصصًا للحراك، غير أن محللين يشيرون إلى أن القصر الملكي يراقب الموقف بدقة، وربما يجهّز خطابًا إصلاحيًا يعلن فيه حزمة من الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية لاحتواء الأزمة.

يُذكر أن الملك كان قد أقرّ سابقًا بوجود «اقتصاد بسرعتين» في البلاد، في إشارة إلى الفوارق التنموية بين المدن والمناطق الريفية، وهي عبارة يعيد كثيرون تداولها اليوم كخلفية رمزية للغضب الشعبي.
ردود فعل الشارع
في الشارع، يحظى الحراك بدعم واسع من فئة الشباب والطبقة الوسطى، بينما يعبّر بعض كبار السن والتيارات المحافظة عن قلق من احتمال الفوضى أو اختراقات خارجية.
رغم ذلك، يحرص المحتجون على عدم مهاجمة المؤسسة الملكية مباشرة، ويركزون انتقاداتهم على أداء الحكومة والوزارات المعنية بالخدمات العامة.
ردود الفعل الدولية
دعت منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية إلى التزام قوات الأمن بضبط النفس وفتح تحقيقات مستقلة في استخدام القوة أثناء المظاهرات.
أما الدول الكبرى، فاختارت الحذر: فرنسا وإسبانيا لم تصدرا مواقف رسمية مكتوبة، مكتفيتين بالدعوة إلى “التهدئة والحوار”، بينما الولايات المتحدةأكدت استمرار دعمها للاستقرار في المغرب، معتبرة أن الإصلاحات الاجتماعية ضرورية للحفاظ على بيئة آمنة للاستثمار.

من جانبها، لم تُصدر إسرائيل حتى الآن أي موقف رسمي بشأن التطورات، رغم العلاقات الدبلوماسية القائمة منذ 2020.
المستقبل بين التصعيد والإصلاح
يرى مراقبون أن المغرب يقف اليوم أمام منعطف حاسم: فإما أن تنجح الحكومة في استيعاب مطالب الجيل الجديد بإصلاحات حقيقية، أو أن يؤدي غياب الحوار إلى مزيد من الاحتقان وربما اتساع رقعة الاحتجاجات.
وتشير تحليلات اقتصادية إلى أن التحدي الأكبر أمام الدولة هو تحقيق العدالة الاجتماعية دون المساس بالتوازنات المالية، خاصة في ظل التزاماتها الضخمة بمشروعات البنية التحتية والاستعدادات الرياضية الكبرى.
ورغم التوتر، يؤكد كثير من المراقبين أن الحراك المغربي الجديد يتميّز بسلميته ووعيه، وأنه يحمل ملامح “ثورة اجتماعية هادئة” قد تُجبر الدولة على مراجعة سياساتها دون أن تهدد استقرار النظام.
وفي ختام الأسبوع الأول من أكتوبر، لا يزال الشارع المغربي يغلي بالغضب والأمل معًا، فيما تتجه الأنظار إلى ما إذا كان القصر الملكي سيعلن قريبًا خطة إصلاح شاملة تُعيد التوازن بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية في المملكة.