في يوم 6 أكتوبر 1973، شنّت مصر وسوريا هجومًا مفاجئًا على إسرائيل، فيما يُعرف في مصر بحرب السادس من أكتوبر، وفي إسرائيل بـ”حرب يوم الغفران” (Yom Kippur War). الهدف المصري كان تحرير ما تبقّى من أراضي سيناء التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، واستعادة الكرامة الوطنية، وفرض التفاوض على شروط أفضل.
بدءًا من عبور القناة، وتمكُّن القوات المصرية من اختراق خط بارليف، كان هناك عنصر المفاجأة، والاستعداد العسكري والدبلوماسي، مما أعاد الثقة للشعب المصري، وشكّل نقطة تحول في الموقف العربي والدولي من الصراع مع إسرائيل.
صناعة السلام: من السادات إلى السيسي أنور السادات

بعد النصر العسكري الرمزي الذي أعاد بعض الأراضي، بدأ الرئيس أنور السادات في تبنّي سياسات تُفضي إلى السلام، ليس كاستسلام، بل كخيار استراتيجي. من أهم محطات ذلك:
• مبادرات فك العزلة مع إسرائيل، وفتح قنوات تفاوض مباشرة.
• زيارة القدس عام 1977، حيث خاطب السادات الكنيست الإسرائيلي، وهي خطوة جريئة ومفاجئة في العالم العربي.
• توقيع اتفاقيات فك الاشتباك (سيناء I وسيناء II) مع إسرائيل، تحت رعاية الولايات المتحدة، والتي مهدت الطريق لمعاهدة السلام.
• معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية عام 1979، التي كانت الأولى بين إسرائيل ودولة عربية بعد حروب طويلة، واستعادة كاملة من إسرائيل لمنطقة سيناء مع اتفاقيات أمنية.
من بعد السادات: مبارك ونظام ما بعده
• الرئيس حسني مبارك حافظ على معاهدة السلام، رغم الضغوط العربية والدولية، وسعى لاستقرار الحدود والتعاون الأمني، مع إشراك مصر في الجهود الدبلوماسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
• كذلك شهدت السنوات الأخيرة تطوُّرًا في التعاون الاقتصادي بين مصر وإسرائيل، خاصة في مجالات أمن الحدود، استيراد الغاز، وغيرها.
عهد عبد الفتاح السيسي

• الرئيس السيسي يكرّم ذكرى أكتوبر دائمًا، ويُبرزها كنقطة مفصلية في التاريخ المصري، ويُشيد بدور السادات في اتخاذ قرار السلام الجريء.
• شهدت العلاقات بين مصر وإسرائيل هدوءًا نسبيًّا، مع التعاون في القضايا الأمنية، خاصة حدود غزة، والنظام في سيناء، ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى بعض التعاون الاقتصادي.
د • رغم السلام الرسمي، تُعرف العلاقة بأنها سلام “بارد” — عدم دفء شعبي أو ثقافي واقتصادي عميق بين الشعبين في أغلب الأحيان.
الموقف اليوم: التوتر والقلق
رغم مرور أكثر من خمسين سنة على حرب أكتوبر، فإن المواقف تمر بدورات من التصعيد والتوتر، خاصة بسبب الأوضاع في قطاع غزة، التهديدات الأمنية، معبر رفح، القضايا الإنسانية، وتأثير النزاعات الإقليمية.
• مصر عَبَّرت أكثر من مرة عن معارضة قوية لأي عمل عسكري إسرائيلي من شأنه أن يُسبب في تدفُّق كبير للاجئين نحو أراضيها أو تهديد استقرارها في سيناء.
• التوترات الأمنية عند معبر رفح، والاتهامات المتبادلة بشأن تسريب الأسلحة أو الأنفاق، تزيد من مخاطر التصعيد.
• في الوقت نفسه، مصر تحاول المحافظة على دور الوسيط، وتوازن إقليمي ودولي، وتحقيق الاستقرار، وتقديم نفسها كدولة مسؤولة تسعى للسلام، إن أمكن.
هل يمكن بعد 52 سنة أن تنشب حرب بين مصر وإسرائيل؟
من الصعب القول إنها مستحيلة، لكن الاحتمالية منخفضة نسبيًّا لعدة أسباب:
1. المعاهدات والاتفاقيات الدولية: معاهدة السلام الموقعة عام 1979 تُلزم الطرفين بعدم شن حرب، وهناك ضغوط دولية تؤيد استقرار الحدود وتُدين الانتهاكات.
2. العلاقات الأمنية والتنسيق في بعض الملفات الحساسة: التعاون في مكافحة الإرهاب، ضبط الحدود، تحالفات أمنية تجعل الحرب ذات كلفة عالية للطرفين.
3. التوازنات الدولية والإقليمية: تدخل القوى الكبرى (الولايات المتحدة، القوى الأوروبية، القوى العربية) كضامن للاستقرار عادة، ومع وجود مصالح دولية في استقرار المنطقة، فمن المرجح أن أي محاولة تصعيد ستواجه تدخّلاً أو ضغوطًا دبلوماسية.
4. الرغبة في السلام لدى بعض القوى السياسية داخل مصر وخارجها: رغم وجود أصوات متشددة، فإن الحكومة المصرية حتى الآن تُظهر رغبةً في تجنّب التصعيد، مع تسكُّت الاستعداد الدفاعي، لكن التصعيد الدبلوماسي وليس العسكري غالبًا.

مع ذلك، هناك عوامل يُمكن أن ترفع من درجة الخطر:
• اقتراف إسرائيل لعمل يُعتبر انتهاكًا كبيرًا للمعاهدة أو للأراضي المصرية، خصوصًا في سيناء أو معبر رفح.
• أزمة إنسانية أو تدفق لاجئين كبير من غزة أو حرب تمس الحدود المصرية، مما يضع ضغوطًا كبيرة على الدولة.
• تحوّلات سياسية داخلية في أي من البلدين أو تصاعد التوتر بين الفصائل الفلسطينية مما يدفع لردود أفعال مصرية قوية.
• تغير في الدعم الدولي أو انسحاب أو ضعف الضمانات التي يكفلها المجتمع الدولي للسلام، أو تغيّر في السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل أو مصر.
الخلاصة
النصر في السادس من أكتوبر لم يكن فقط استعادة أرض، بل استعادة كرامة وأمل. السادات اختار بعد ذلك أن يُكمِل المسار عبر السلام دون التنازل عن الكرامة، وتم ذلك بشتّى الصعاب. مصر تحت السيسي تعيش في زمن نُفَس السلام رغم الأزمات، وتُدرك أن الحرب ليست طريق الحل طويلًا، وأن استقرارية السلام أعلى تكلفة من استمرارية القتال.
لكن السلام ليس مضمونًا إلى الأبد — فهو يتطلب صيانة دائمة، توازنًا دبلوماسيًا، التزامًا قانونيًّا من الجانبين، ومراقبة جماهيرية وتحركًا حكوميًّا معتدلًا. إذا فُقد ذلك، قد تتجدد العودة إلى التوتر وربما الصراع، إن لم يكن بين مصر وإسرائيل مباشرة، فبمعنى الأثر المحيط بالمنطقة.