الشرق الأوسط – 27 سبتمبر 2025
صراع الوكلاء يتجاوز “حرب الظل”: التصعيد بين إيران وإسرائيل يفاقم “معضلة الأمن الموسعة” في الشرق الأوسط
شهد الشرق الأوسط خلال الأشهر الماضية تحولاً نوعياً في ديناميكيات الصراع بين إيران وإسرائيل، حيث انتقلت المواجهة من “حرب الظل” التي استمرت لسنوات إلى مرحلة من التصعيد العسكري المباشر وغير المسبوق، لا سيما مع اندلاع حرب يونيو 2025 التي استهدفت فيها إسرائيل منشآت إيرانية حيوية، وردت عليها طهران بضربات صاروخية واسعة على العمق الإسرائيلي. هذا التحول لم يزد من خطورة الصراع على المستوى الثنائي فحسب، بل عمّق ما يُعرف بـ “معضلة الأمن الموسعة” في المنطقة، حيث يؤدي سعي كل طرف لتعزيز أمنه الخاص إلى زيادة شعور الطرف الآخر والدول الإقليمية المجاورة بالخطر، خاصة مع استمرار التوتر وتزايد أهمية الوكلاء في استراتيجية الردع.
تطور الصراع من الظل إلى المواجهة المباشرة
لعدة سنوات، اعتمدت إيران وإسرائيل استراتيجية “حرب الظل” أو “الاشتباك بين الحروب”، والتي تضمنت اغتيالات، وهجمات سيبرانية، وقصفاً إسرائيلياً لأهداف إيرانية ولجماعات موالية لها في سوريا ولبنان. غير أن هذا التوازن الهش انهار مع تصاعد التوترات التي أعقبت أحداث السابع من أكتوبر 2023.
في يونيو 2025، دخل الصراع مرحلة جديدة وخطيرة. أفادت تقارير استخباراتية إسرائيلية وأمريكية بأن إيران قد استأنفت أنشطة تخصيب اليورانيوم المتقدمة في منشآت متعددة، مما دفع إسرائيل، بدعم أمريكي واضح، إلى شن ضربات عسكرية وقائية واسعة النطاق استهدفت المنشآت النووية والعسكرية والأمنية الإيرانية. وجاء الرد الإيراني سريعاً ومكثفاً، بإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة نحو العمق الإسرائيلي، ما أدى إلى أضرار بالغة في البنى التحتية الإسرائيلية. ورغم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بوساطة أمريكية وقطرية في 24 يونيو 2025، فإن وقف الأعمال العدائية لا يعني انتهاء الصراع، بل يمثل نقطة استراحة هشة في مواجهة مرشحة للتجدد.
معضلة الأمن الموسعة: دور الوكلاء والردع المتبادل
في علم العلاقات الدولية، تنشأ معضلة الأمن عندما تؤدي إجراءات دولة ما لتعزيز أمنها (مثل زيادة التسليح) إلى جعل الدولة الأخرى تشعر بقدر أكبر من عدم الأمان، فتقوم هي الأخرى باتخاذ إجراءات مضادة، ما يخلق حلقة مفرغة من التوتر والتصعيد. في حالة إيران وإسرائيل، تتسع هذه المعضلة لتشمل جغرافية الشرق الأوسط بالكامل من خلال:
* الردع عبر الوكلاء (محور المقاومة): تعتمد إيران على شبكة من الوكلاء والجماعات المتحالفة (حزب الله في لبنان، وفصائل في العراق وسوريا، والحوثيون في اليمن) لتوسيع نطاق ردعها الجغرافي. ترى إيران أن هذه القوات تخدم كـ “خط دفاع أمامي” يردع أي هجوم إسرائيلي أو أمريكي عليها مباشرة، من خلال تهديد المصالح والأهداف الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة.
* الرد الإسرائيلي الموسع: ترى إسرائيل أن أمنها لا يقتصر على حدودها المباشرة، بل يتأثر بشكل حاسم بوجود ونشاط الوكلاء الإيرانيين. وعليه، فإن أي تقوية إيرانية لهذه الوكلاء يُنظر إليها كتهديد مباشر يجب تحييده. أدى هذا الإدراك إلى توسيع إسرائيل لنطاق عملياتها لتشمل ضربات متكررة في سوريا ولبنان وحتى العراق، مستهدفة قدرات هذه الوكلاء وسلاسل إمدادهم.
* إشراك دول الجوار: إن توسيع الصراع ليتمحور حول الوكلاء يجبر دول الجوار مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن على الانخراط في معضلة أمنية لا ترغب فيها، ما يزعزع استقرارها الداخلي ويهدد أمن المنطقة ككل. فكل عملية إسرائيلية تستهدف وكلاء إيران هي بالضرورة اعتداء على سيادة تلك الدول، وكل رد من تلك الوكلاء يعرض دولهم لخطر الرد الإسرائيلي المدمر.
تداعيات التصعيد على النظام الإقليمي
أدت حرب يونيو 2025 ووقف إطلاق النار الهش إلى تداعيات إقليمية عميقة:
* تغيير قواعد الاشتباك: أصبحت المواجهة العسكرية المباشرة بين الدولتين أمراً وارداً، وهو ما يضع المنطقة على شفا حرب إقليمية شاملة في أي لحظة.
* التهديد النووي: أشارت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) إلى أن إيران انتهكت قدراتها التخصيبية بشكل كبير في الأشهر التي سبقت الحرب، ما يفاقم القلق العالمي بشأن سباق تسلح نووي محتمل في المنطقة.
* عزل التطبيع: أدى التصعيد إلى تجميد أو تعقيد جهود التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، التي تجد نفسها في موقف حرج بين مصالحها الأمنية والضغوط الإقليمية والشعبية.
* سباق التسلح: يدفع هذا التوتر جميع الأطراف، بما في ذلك دول الخليج، إلى زيادة إنفاقها العسكري وتوسيع تحالفاتها الإقليمية والدولية (مثل التحالفات الأمنية مع الولايات المتحدة وإسرائيل)، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار وعدم اليقين في الشرق الأوسط.
في الختام، فإن استمرار الصراع الإيراني الإسرائيلي عبر الوكلاء وتصعيده إلى مواجهة مباشرة يُنشئ بيئة معقدة، حيث تؤدي خطوة أمنية يتخذها طرف إلى إطلاق سلسلة من ردود الفعل التي تزيد من ضعف جميع الأطراف، وتوسع معضلة الأمن لتشمل المنطقة برمتها.
نقاط رئيسية
- تحول من “حرب الظل” إلى مواجهة عسكرية مباشرة وواسعة النطاق (حرب يونيو 2025).
- تفاقم “معضلة الأمن الموسعة” في الشرق الأوسط، حيث يؤدي تعزيز طرف لأمنه إلى تقويض أمن الطرف الآخر وإشراك دول الجوار.
- تستخدم إيران شبكتها من الوكلاء (محور المقاومة) كأداة ردع وهجوم على إسرائيل.
- التداعيات الإقليمية: تهديد حقيقي بسباق تسلح نووي، وتجميد لجهود التطبيع، وزعزعة استقرار الدول المضيفة للوكلاء.
——————-
لندن، المملكة المتحدة (لصحيفة سي جي العربية )