ريدموند، الولايات المتحدة – 27 سبتمبر 2025
عملاق التكنولوجيا يواجه تحدي الأخلاق: مايكروسوفت تقيد وصول إسرائيل لوحدات حاسمة من الـ Cloud والـ AI للمراقبة
في تطور غير مسبوق يسلط الضوء على تزايد الضغوط الأخلاقية على عمالقة التكنولوجيا فيما يتعلق بالصراعات الجيوسياسية، أعلنت شركة مايكروسوفت، عملاق التكنولوجيا الأمريكي، أنها قطعت وعطّلت مجموعة من الخدمات التي تقدمها لوحدة استخباراتية في الجيش الإسرائيلي. جاء هذا القرار الصارم بعد أن كشفت مراجعة داخلية عن وجود أدلة تدعم تقارير تفيد باستخدام منتجاتها من الحوسبة السحابية (Azure) والذكاء الاصطناعي للمساعدة في تنفيذ عمليات مراقبة جماعية واسعة النطاق للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. هذا التحرك من مايكروسوفت، الذي يؤكد التزام الشركة بعدم دعم المراقبة الجماعية للمدنيين، يفتح فصلاً جديداً في النقاش حول مسؤولية شركات التكنولوجيا في مناطق النزاع، ويجبر إسرائيل على البحث عن بدائل لبعض قدراتها الاستخباراتية الحساسة.
تفاصيل القرار ونطاق القيود
اتخذت مايكروسوفت قرارها في 25 سبتمبر 2025، حيث أبلغت وزارة الدفاع الإسرائيلية بقرارها وقف وتعطيل اشتراكات محددة لـ “وحدة النخبة” في الجيش الإسرائيلي. وتأتي هذه الخطوة بعد أشهر من المراجعة والتدقيق الداخلي، الذي أطلقته الشركة في أعقاب تقارير إعلامية مفصلة، أبرزها تحقيق لصحيفة “الغارديان” ووكالة “أسوشيتد برس”.
ما البنود التي سيتم حظرها ؟
* وحدة الاستخبارات المعنية: تستهدف القيود وحدة 8200، وهي وحدة استخبارات الإشارات والمراقبة العسكرية الإسرائيلية.
* الخدمات المتأثرة: يشمل التعطيل “مجموعة محددة من الخدمات” بما في ذلك اشتراكات التخزين السحابي (ضمن منصة Azure) وبعض خدمات وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي كانت الوحدة تستخدمها لتخزين ومعالجة وتحليل كميات هائلة من بيانات الاتصالات والملفات التي تم اعتراضها من المدنيين الفلسطينيين.
* سبب الانتهاك: أكدت مايكروسوفت أن المراجعة كشفت عن أدلة تدعم استخداماً ينتهك شروط الخدمة الخاصة بالشركة، والتي تحظر صراحة استخدام تقنياتها في أعمال المراقبة الجماعية التي تنتهك حقوق الأفراد المدنيين.
كانت التقارير قد أشارت إلى أن الوحدة 8200 استخدمت منصة Azure لتخزين ملايين المكالمات والرسائل النصية والملفات اليومية التي يتم جمعها من الفلسطينيين. وقد سهّل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت في هذا المشروع عملية نسخ وترجمة وتصنيف هذه المعلومات الاستخباراتية.
السياق الأوسع والضغوط الداخلية والخارجية
لم يأتِ قرار مايكروسوفت من فراغ، بل هو نتيجة لتضافر عدة ضغوط مستمرة على الشركة لـ تقييد استخدام تقنياتها في سياق النزاع:
* احتجاجات الموظفين والنشطاء: واجهت مايكروسوفت حملة ضغط متصاعدة من موظفيها ونشطاء حقوق الإنسان. وقد نظمت مجموعة “لا لـ Azure من أجل الفصل العنصري” اعتصامات واحتجاجات في مقار الشركة، مطالبة بقطع جميع العلاقات مع الجيش الإسرائيلي. وقد أسفرت هذه الاحتجاجات عن فصل عدد من الموظفين بسبب “انتهاكات جسيمة لسياسات الشركة”.
* المخاوف الأخلاقية لـ AI: يبرز هذا الحدث الدور المتزايد لـ الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية. وتشدد شركات التكنولوجيا العالمية، ومن ضمنها مايكروسوفت، على التزامها بمبادئ أخلاقية تقيّد استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات الاستهداف أو المراقبة التي تؤدي إلى إيذاء المدنيين. هذا القرار هو محاولة لترجمة هذه المبادئ إلى إجراءات فعلية.
* عقود الشراكة المستمرة: على الرغم من هذا القرار، أكدت مايكروسوفت أن الخطوة “لا تؤثر على العمل المهم الذي تواصل مايكروسوفت القيام به لحماية الأمن السيبراني لإسرائيل ودول أخرى في الشرق الأوسط”. ويشير هذا إلى أن الجزء الأكبر من عقود الشركة مع وزارة الدفاع الإسرائيلية، التي تشمل توفير خدمات لفرق الإنقاذ وعمليات الدفاع السيبراني، ما يزال سارياً. هذا التأكيد يشير إلى محاولة الشركة للموازنة بين الالتزام الأخلاقي بالحظر، والحفاظ على الشراكات الأمنية والدفاعية الأوسع.
رد الفعل الإسرائيلي والتبعات المستقبلية
أُبلغت وزارة الدفاع الإسرائيلية بالقرار، وأكد مسؤولون أمنيون إسرائيليون التفاصيل للصحافة. ومع ذلك، قلل مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، من تأثير القرار، مشدداً على أنه “لن يلحق أي ضرر بالقدرات العملياتية” لـ الجيش الإسرائيلي، مشيراً إلى أن الجيش سيعثر على حلول بديلة للخدمات المقطوعة.
في المقابل، يرى نشطاء أن هذا القرار، رغم محدوديته، يمثل خطوة مهمة نحو محاسبة شركات التكنولوجيا الكبرى. وتطالب منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية مايكروسوفت بمراجعة جميع عقودها، ووقف أي مبيعات أو تحويلات لتقنيات المراقبة والذكاء الاصطناعي التي قد تساهم في الانتهاكات الحقوقية.
إن قيود مايكروسوفت الأخيرة تمثل نقطة تحول، مؤكدة أن التكنولوجيا الحديثة تخضع لتدقيق أخلاقي متزايد، وأن قدرة الحكومات والجيوش على استخدام الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي لم تعد مضمونة بشكل مطلق، لا سيما عندما يتعلق الأمر بـ المراقبة الجماعية للمدنيين.
نقاط رئيسية
* الشركة مايكروسوفت.
* وحدة 8200 الاستخباراتية في الجيش الإسرائيلي.
* وجود أدلة على استخدام خدمات Azure السحابية والذكاء الاصطناعي لتمكين المراقبة الجماعية للفلسطينيين، في انتهاك لشروط الخدمة.
* وقف وتعطيل اشتراكات محددة للتخزين السحابي وخدمات الذكاء الاصطناعي.
* القرار جاء بعد أشهر من الاحتجاجات الداخلية والخارجية والتحقيقات الإعلامية، ويؤكد سعي مايكروسوفت لتطبيق مبادئها الأخلاقية على استخدام التكنولوجيا في مناطق النزاع.
——————-
لندن، المملكة المتحدة (لصحيفة سي جي العربية )