غزة- فلسطين
في تطور مروع، دق الأطباء في جنوب غزة ناقوس الخطر بشأن أزمة صحية عامة كارثية. فالمستشفيات في المنطقة، التي تعاني بالفعل من ضغوط شديدة، تكافح للتعامل مع تدفق لا هوادة فيه من النازحين الفلسطينيين الجدد الفارين من العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة في مدينة غزة. ومع وصول الآلاف من الأشخاص إلى الجنوب بعد رحلة محفوفة بالمخاطر، فإنهم يصلون في حالة من الضيق الجسدي والنفسي الشديد، مما يربك نظاماً طبياً وصل منذ فترة طويلة إلى نقطة الانهيار. وتدفع هذه الموجة الجديدة من النزوح المرافق الصحية المتبقية إلى ما هو أبعد من طاقتها، مما يثير مخاوف من انهيار كامل للخدمات الطبية واحتمال انتشار الأمراض على نطاق واسع.
نظام على شفا الانهيار
وفقاً لتقارير من الطواقم الطبية على الأرض، تعمل مستشفيات مثل مجمع ناصر الطبي بالقرب من خان يونس والمستشفى الأوروبي في غزة بعدة أضعاف طاقتها الرسمية. وذكر الدكتور محمد صقر، مدير التمريض في مجمع ناصر الطبي، أن قسم الأطفال في المنشأة لديه طاقة استيعابية تبلغ 56 سريراً، لكنه يستقبل حالياً أكثر من 100 مريض، مما يجبر الأطفال على الاستلقاء على الأرض وفي الممرات. ويصف الأطباء المتطوعون الوضع بأنه “حادث يومي للضحايا الجماعية”، حيث يتم إرسال العديد من المرضى، بما في ذلك المصابون بشظايا وجروح خطيرة، إلى منازلهم في انتظار الجراحة.
ويتفاقم تدفق المرضى بسبب النقص الحاد في الموارد الحيوية. فالمستشفيات تعمل على مخزونات طبية طارئة، حيث استُهلكت آخر شحنة دم إلى غزة خلال 20 يوماً، بينما تُقدر الحاجة اليومية بنحو 350 وحدة. كما أن نقص الوقود للمولدات أجبر بعض المستشفيات على ترشيد الكهرباء، مع قطع التيار في أقسام وممرات معينة. هذا الوضع المأساوي ليس مجرد نتيجة للصراع المستمر، بل هو أيضاً قضية قديمة تفاقمت بسبب الحصار والتحديات اللوجستية. وتعاني سيارات الإسعاف ووسائل النقل الخاصة من محدودية إمدادات الوقود، مما يجعل من المستحيل تقريباً على العائلات الوصول إلى المستشفيات القليلة المتبقية التي لا تزال تعمل.
أبرز النقاط الرئيسية للأزمة الإنسانية
* تدفق هائل للمرضى: تُدفع المستشفيات في جنوب غزة، التي تعمل بالفعل بما يتجاوز طاقتها بكثير، إلى حافة الهاوية بسبب موجة جديدة من النازحين الفلسطينيين، حيث تتجاوز نسبة المرضى إلى الأسرّة مستويات الأمان بكثير.
* نقص حرج في الإمدادات الطبية: يعاني نظام الرعاية الصحية من نقص حاد في المخزونات الطبية ووحدات الدم والوقود، مما يجبر المستشفيات على ترشيد الكهرباء وتأخير العمليات الجراحية الحيوية.
* الظروف المزرية للنازحين: يصل الفلسطينيون الفارين من مدينة غزة إلى الجنوب وهم يعانون من سوء التغذية والإصابات والأمراض، مما يضع ضغطاً أكبر على المستشفيات.
* انهيار النظام الصحي: حذر صندوق الأمم المتحدة للسكان من أن النظام الصحي “ينهار” وقد يفقد نصف طاقته المتبقية إذا استمرت الأعمال العدائية.
* خطر غير مسبوق للمرض: يؤدي الاكتظاظ وسوء الصرف الصحي ونقص المياه النظيفة في مواقع النزوح إلى زيادة في الأمراض المعدية، بما في ذلك التهاب الكبد الوبائي (أ) والأمراض الجلدية.
رؤى حصرية وشهادات مباشرة
في تقرير حصري يستند إلى شهادات مباشرة من مصادر طبية، كشف جراح في مجمع ناصر الطبي عن العبء العاطفي على الموظفين المنهكين. وقال الجراح، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية: “نحن نتعامل مع وضع مستحيل. أيدينا مقيدة. لدينا المعرفة، ولكن ليس لدينا الأدوات. علينا أن نخبر الآباء أن أطفالهم سيتعين عليهم الانتظار لإجراء عملية جراحية قد لا ينجون منها”. وأكد الجراح أيضاً أن العديد من الأطباء أنفسهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد والإرهاق، حيث أبلغ البعض عن حالات إغماء أثناء العمليات الجراحية. وأشار تقرير حديث صادر عن منظمة مراقبة العاملين في مجال الرعاية الصحية الفلسطينية إلى “مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي، وانخفاض المناعة، وتكرار الإصابات، والإرهاق الشديد، وحالات الإغماء المتكررة أثناء العمليات الجراحية ومهام الإنقاذ” بين العاملين في مجال الرعاية الصحية.
قدرت الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 1.9 مليون شخص – أو حوالي 90% من سكان غزة – قد نزحوا منذ بداية الحرب. وناقض متحدث باسم الدفاع المدني في غزة المزاعم الإسرائيلية بنزوح أكثر من ربع مليون شخص، مشيراً إلى أن العدد الفعلي أقرب إلى 68 ألفاً، حيث أن العديد من السكان غير قادرين على المغادرة أو ليس لديهم مكان يذهبون إليه. وأفادت الأونروا أن 86% من غزة إما منطقة عسكرية أو تخضع لتهديدات بالنزوح، مما يترك العديد من الأشخاص دون مكان آمن يذهبون إليه. وتوصف الظروف في مواقع النزوح بأنها مزرية، مع اكتظاظ شديد، وفيضان مياه الصرف الصحي، ونقص في مياه الشرب النظيفة، وكلها عوامل محفزة لكارثة صحية عامة هائلة. ويتم دعوة المجتمع الدولي للتحرك على الفور لضمان المرور الآمن للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الإمدادات الطبية والوقود، لمنع ما يوصف بأنه انهيار كامل لنظام الرعاية الصحية.