انقرة – تركيا
في استعراض قوي للمعارضة الشعبية، خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين في أنقرة اليوم إلى الشوارع للاحتجاج على حملة قمع قانونية شديدة ضد المعارضة التركية. تأتي هذه المظاهرة الكبيرة بعد اعتقال شخصيات معارضة، وهي خطوة أُدينت على نطاق واسع باعتبارها محاولة لإسكات المعارضة وتوطيد السلطة قبل انتخابات عام 2028. وتُعد المظاهرة، التي نظمها ائتلاف من أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، واحدة من أكبر مظاهر التحدي السياسي في العاصمة في السنوات الأخيرة. وتبعث رسالة واضحة إلى الحكومة بأن مناوراتها القانونية العدوانية لن تمر دون تحدٍ، مما يشعل مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
مسيرة من أجل الديمقراطية والحرية
بدأت المظاهرة بتجمع حاشد في ميدان كيزيلاي المركزي قبل أن تتجه نحو البرلمان. وهتف المتظاهرون، وهم مزيج من الشباب وكبار السن، بشعارات مثل “الحرية لأصواتنا” و”العدالة للجميع”، وحملوا لافتات تطالب بالإفراج الفوري عن قادة المعارضة المعتقلين. وكان محور غضبهم هو الاعتقال الأخير للعديد من الأعضاء البارزين في حزب الشعب الجمهوري (CHP) المعارض الرئيسي وحزب المساواة والديمقراطية الشعبي (DEM) المؤيد للأكراد. واستندت الاعتقالات إلى ما تدعي المعارضة أنه تهم ذات دوافع سياسية بـ”التحريض على الفوضى العامة” و”نشر دعاية إرهابية”.
وكان من بين المعتقلين العديد من أعضاء البرلمان الرئيسيين، بمن فيهم المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري ومسؤول رفيع المستوى من حزب المساواة والديمقراطية الشعبي. وجاءت الاعتقالات بعد أيام فقط من إعلان الحزبين أنهما سيشكلان جبهة موحدة لتحدي حزب العدالة والتنمية (AKP) الحاكم وحلفائه من القوميين المتطرفين في الانتخابات المقبلة. ويجادل النقاد بأن الحكومة، التي تواجه تراجعاً في شعبيتها وسط أزمة اقتصادية متفاقمة، تلجأ إلى الترهيب القضائي لخنق منافسيها السياسيين ومنع تشكيل تحالف معارض قوي. وفي المقابل، تؤكد الحكومة أن الاعتقالات هي جزء من عملية قانونية مشروعة وأنه لا أحد فوق القانون.
أبرز النقاط الرئيسية للمظاهرة
* حضور جماهيري ضخم في أنقرة: تجمع عشرات الآلاف من الأشخاص في العاصمة التركية، في واحدة من أكبر المظاهرات المناهضة للحكومة في السنوات الأخيرة.
* الاعتقالات تثير الغضب: كانت المظاهرة رداً مباشراً على الاعتقالات الأخيرة لشخصيات معارضة بارزة من حزبي الشعب الجمهوري والمساواة والديمقراطية الشعبي بتهم ذات دوافع سياسية.
* المطالبة بسيادة القانون: دعا المتظاهرون إلى الإفراج الفوري عن القادة المعتقلين وطالبوا بوضع حد لاستخدام الحكومة للقضاء لقمع المعارضين السياسيين.
* جبهة معارضة موحدة: تسلط الاحتجاجات الضوء على الوحدة المتنامية بين أحزاب المعارضة، الذين يرون في الحملة القانونية محاولة لمنعهم من تشكيل تحالف فعال.
* إدانة دولية: أصدر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بيانات تعبر عن القلق بشأن الاعتقالات وتدعو تركيا إلى دعم المبادئ الديمقراطية وسيادة القانون.
رؤى حصرية وردود فعل
في تقرير حصري يستند إلى شهادات مباشرة من أرض الواقع، كان الجو في المظاهرة مزيجاً من الغضب والتصميم. ووصفت طالبة محتجة، تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها، الشعور بأنه “القتال من أجل مستقبلنا”. وقالت: “إنهم يحاولون تخويفنا، لكننا لن نصمت. إذا كان بإمكانهم اعتقال قادتنا لتعبيرهم عن آرائهم، فماذا سيحدث لنا؟” وقوبلت المظاهرة بوجود مكثف للشرطة، بما في ذلك المركبات المدرعة وشرطة مكافحة الشغب، لكن المظاهرة ظلت سلمية إلى حد كبير. وتجنبت الشرطة المواجهة المباشرة، مما سمح للمسيرة بالتقدم إلى نقطة محددة بالقرب من البرلمان قبل أن تتفرق.
ومع ذلك، تشير مصادر مطلعة على تفكير الحكومة إلى أن السلطات تعتبر الاحتجاجات إزعاجاً مؤقتاً. وقال مصدر مطلع من وزارة العدل، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الاعتقالات “ضرورة استراتيجية” من أجل “استقرار البيئة السياسية” وأن الحكومة تعتقد أن الاحتجاجات ستفقد زخمها في نهاية المطاف. وزعم المصدر: “هذا ليس حول السياسة؛ بل هو حول التمسك بالقانون ضد أولئك الذين يسعون لزعزعة استقرار الدولة”. وقد تم دعم رواية الحكومة من قبل وسائل الإعلام الموالية لها، والتي قللت إلى حد كبير من حجم المظاهرة وركزت على الأنشطة “غير القانونية” المزعومة للشخصيات المعارضة المعتقلة.
كان رد الفعل الدولي سريعاً. وذكر متحدث باسم الاتحاد الأوروبي أن الاعتقالات “تقوض نسيج الديمقراطية التركية” وأن “احترام المعايير الديمقراطية وسيادة القانون والحقوق الأساسية هو حجر الزاوية في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا”. كما أعرب متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقه، وحث تركيا على “احترام الحق في حرية التعبير والتجمع”. ومن المتوقع أن تصبح الاحتجاجات ورد فعل الحكومة قضية رئيسية في المشهد السياسي التركي، مما يشير إلى فترة متوترة قبيل الانتخابات. ومن المتوقع أن يصعد ائتلاف المعارضة، الذي تجرأ بفضل الدعم الشعبي، حملته ضد ما يسميه “حملة اضطهاد سياسي”.