تصريح رسمي يعترف بصعوبة القضاء على الحركة
تل ابيب – اسرائيل
في تصريح مذهل ومثير للجدل سياسياً، أدلى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، باعتراف صادم، أعلن فيه أن احتلال غزة لن ينهي حماس. ويعترف هذا التصريح الرسمي بصعوبة القضاء على الحركة، ويشير إلى تحول عميق في التفكير العسكري والسياسي. وقد أثار هذا الإعلان، الذي يتناقض بشكل مباشر مع الأهداف المعلنة لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، موجة من الصدمة في المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية. ويُسلط تقييم رئيس الأركان الصريح الضوء على التحديات العميقة التي تواجهها إسرائيل في حربها المستمرة ضد المقاومة الفلسطينية، ويلقي بظلال من الشك على الجدوى الطويلة الأجل للاستراتيجية العسكرية في قطاع غزة.
تقييم صريح من قائد عسكري
جاءت تصريحات الجنرال هاليفي خلال إحاطة أمنية مع كبار القادة العسكريين وأعضاء لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي. وذكر أنه حتى لو نجحت إسرائيل في احتلال قطاع غزة بالكامل، فإن حركة حماس لن يتم القضاء عليها بشكل كامل. ونُقل عنه قوله: “حماس فكرة، ولا يمكن القضاء على فكرة بالرصاص”. وأوضح هاليفي أنه بينما يمكن للقوة العسكرية تفكيك الكتائب المسلحة للحركة وتدمير بنيتها التحتية، فإنه لا يمكنها القضاء على الأيديولوجية والدعم الشعبي الذي يساندها. وحذر من أن أي احتلال مطول سيتطلب وجوداً عسكرياً هائلاً لا يمكن تحمله، وسيؤدي حتماً إلى ظهور جيل جديد من مقاتلي المقاومة، مما يخلق حلقة مفرغة من العنف. ويُعد اعترافه خروجاً صارخاً عن الخطاب العام للقادة السياسيين الذين تعهدوا مراراً وتكراراً بتحقيق “نصر شامل” على حماس وتفكيكها بالكامل.
كانت كلمات رئيس الأركان بمثابة جرعة من الواقع لبلد يخوض حرباً منذ ما يقرب من عام. وأشار إلى تحديات محاربة جهة فاعلة غير حكومية متجذرة بعمق داخل السكان المدنيين، وسلط الضوء على قدرة الحركة على إعادة تشكيل نفسها، حتى بعد تكبد خسائر فادحة. وتطرق هاليفي أيضاً إلى الجدل المستمر داخل إسرائيل حول من سيحكم غزة بعد الحرب. وجادل بأنه بدون بديل سياسي واضح وقابل للتطبيق، ستكون جهود الجيش في نهاية المطاف عبثية، حيث سيتم ملء فراغ السلطة حتماً من قبل حماس أو غيرها من الجماعات المسلحة.
أبرز النقاط الرئيسية للاعتراف
* الأيديولوجيا مقابل القوة العسكرية: أكد بيان الجنرال هاليفي أن حماس فكرة لا يمكن هزيمتها بالقوة العسكرية وحدها، مما يشير إلى تحول في كيفية نظر الجيش إلى الصراع.
* تحذير من الاحتلال: حذر رئيس الأركان من أن الاحتلال الإسرائيلي المطول لغزة لن يحقق الهدف المعلن المتمثل في القضاء على حماس وسيكون غير قابل للاستدامة عسكرياً ومالياً.
* تناقض مع الأهداف السياسية: يُعد الاعتراف تناقضاً مباشراً مع خطاب “النصر الشامل” لحكومة نتنياهو، مما يخلق شرخاً واضحاً بين القيادة العسكرية والسياسية.
* دعوة إلى بديل سياسي: أكدت تصريحات هاليفي على الحاجة إلى حل سياسي قابل للتطبيق لغزة ما بعد الحرب، والذي بدونه ستفشل جهود الجيش في نهاية المطاف.
* جرعة من الواقع حول الحرب: فُسرت التصريحات على أنها جرعة صريحة من الواقع حول الحرب الجارية، وتسلط الضوء على التحديات الهائلة واحتمال عدم تحقيق نصر عسكري سريع وحاسم.
رؤى حصرية وردود فعل سياسية
كشفت رؤية حصرية من مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى أن بيان الجنرال هاليفي قد تسبب في احتكاك داخلي كبير. وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: “رئيس الوزراء غاضب. إنه يرى في هذا خطوة سياسية، وسيلة للجيش لتحويل اللوم عن عدم وجود انتصار واضح”. وأضاف المصدر أن مكتب نتنياهو يعتقد أن مثل هذه التصريحات العلنية من القادة العسكريين تقوض العزيمة الوطنية وتعطي ذخيرة لمنتقدي إسرائيل. وكان رد الفعل السياسي فورياً، حيث دعا أعضاء متشددون في الحكومة إلى استقالة هاليفي واتهموه بالانهزامية.
ومع ذلك، ذكر محلل عسكري، تحدث خارج السجل، أن تصريحات هاليفي لم تكن مناورة سياسية بل كانت جرعة ضرورية من الواقع. وقال المحلل: “رئيس الأركان ببساطة يذكر الحقيقة الواضحة التي يرفض السياسيون مواجهتها. لا يمكنك تدمير حركة مقاومة بالدبابات والطائرات. الطريقة الوحيدة لإنهاء حماس هي من خلال حل سياسي يوفر بديلاً قابلاً للتطبيق للشعب الفلسطيني. لقد قام الجيش بعمله، والآن الأمر متروك للقيادة السياسية لتحديد هدف واضح وقابل للتحقيق للمستقبل”. وتشير هذه الرؤية إلى وجود انقسام متزايد بين الجيش، الذي يركز على الحقائق التكتيكية، والحكومة، التي تعطي الأولوية للواجهة السياسية.
إن تداعيات اعتراف هاليفي بعيدة المدى. يمكن أن يُنظر إليه على أنه علامة على مرحلة جديدة من الحرب، حيث يتم فيها إعادة تقييم الأهداف العسكرية ويتم أخيراً وضع استراتيجية سياسية لغزة ما بعد الحرب. كما أنه يضيف ضغطاً كبيراً على نتنياهو للتعبير عن رؤية واضحة وقابلة للتحقيق لمستقبل قطاع غزة، وهي مهمة فشل في القيام بها حتى الآن. ومما لا شك فيه أن هذا التصريح سيلقى ترحيباً من منتقدي الحرب، الذين يرون فيه تأكيداً لاعتقادهم الراسخ بأن القوة العسكرية وحدها لا يمكنها حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.