لندن، المملكة المتحدة – ١٦ ، أغسطس ٢٠٢٥
كشفت دراسة جديدة رائدة عن عامل خطر مُقلق وغير معروف سابقًا يُهدد حياة الناجين من السرطان: فيروسات الجهاز التنفسي الشائعة. تُقدم الدراسة، المنشورة في مجلة Nature، أول دليل مباشر على أن العدوى بفيروسات مثل الإنفلونزا أو كوفيد-١٩ يُمكن أن تُوقظ خلايا سرطان الثدي الخاملة وتزيد بشكل كبير من خطر الانتكاس. تكشف الدراسة أن الاستجابة المناعية الالتهابية القوية للجسم تجاهها ليست الفيروسات نفسها، بل هي بمثابة “جرس إنذار” لهذه الخلايا السرطانية النائمة منذ فترة طويلة. قد يُغير هذا الاكتشاف جذريًا كيفية تقديم الأطباء النصائح الصحية الوقائية للناجين من السرطان، وقد يُؤدي إلى علاجات جديدة لمواجهة هذه العملية البيولوجية الخطيرة.
لطالما كانت الصلة بين مرض فيروسي شائع وعودة ظهور مرض مُهدد للحياة موضع تكهنات، لكن هذا البحث الجديد يُقدم آلية بيولوجية واضحة. أجرت الدراسة فريق دولي من الباحثين من مركز جامعة كولورادو للسرطان ومؤسسات أخرى، باستخدام نماذج فئران متطورة مُعدّلة وراثيًا بخلايا سرطان ثدي خاملة. وكانت النتائج مذهلة. ففي غضون أيام من إصابة الفئران إما بفيروس إنفلونزا أو سلالة من فيروس كورونا المستجد (SARS-CoV-2)، عادت خلايا السرطان الرئتين، التي كانت خاملة سابقًا، إلى الحياة بقوة، حيث تكاثرت أكثر من 100 ضعف، وشكلت آفات نقيلية جديدة. ووجد الباحثون أن هذا الانتعاش المفاجئ كان مدفوعًا بسيتوكين، وهو جزيء إشارة يُسمى إنترلوكين-6 (IL-6)، يفرزه الجسم لمكافحة العدوى الفيروسية.
عناوين رئيسية
* إعادة تنشيط الخلايا الخاملة: تُظهر دراسة جديدة أن فيروسات الجهاز التنفسي الشائعة، مثل الإنفلونزا وكوفيد-19، يمكنها إعادة تنشيط خلايا سرطان الثدي الخاملة.
* الاستجابة المناعية هي المُحفِّز: يكشف البحث أن استجابة الجسم الالتهابية للفيروس، وتحديدًا السيتوكين IL-6، تُعَدُّ المُحفِّز الرئيسي لهذه العملية.
* زيادة خطر الانتكاس: تدعم البيانات الرصدية البشرية هذه النتائج، حيث تُظهر أن مرضى السرطان الذين أُصيبوا بعدوى فيروسية واجهوا خطرًا أكبر بكثير للوفاة المرتبطة بالسرطان في الأشهر التي تلي مرضهم.
* إمكانات علاجات جديدة: تفتح الدراسة الباب أمام تطوير أدوية جديدة يمكنها حجب مسار IL-6، مما قد يمنع إعادة تنشيط الخلايا الخاملة.
* التركيز على الوقاية: تُؤكد النتائج على أهمية اتخاذ الناجين من السرطان احتياطات إضافية ضد التهابات الجهاز التنفسي، بما في ذلك التطعيم، للحد من خطر الانتكاس.
علم “نداء الاستيقاظ”
لطالما شكّلت ظاهرة خمول السرطان، حيث تبقى بضع خلايا سرطانية ضالة على قيد الحياة بعد العلاج وتبقى خاملة لسنوات أو حتى عقود، تحديًا كبيرًا في علم الأورام. يمكن لهذه “الخلايا النائمة” أن تنشط فجأةً، مما يؤدي إلى انتكاسة نقيلية غالبًا ما تكون قاتلة. يقدم البحث الجديد أول تفسير واضح لأحد المحفزات محتملة لهذا النشاط. وجدت الدراسة أنه عندما يحارب الجسم فيروسًا تنفسيًا، يغمر الجهاز المناعي الجسم بالسيتوكينات الالتهابية، بما في ذلك IL-6. تخلق هذه الزيادة المؤقتة في الالتهاب بيئة مواتية لنمو الخلايا الخاملة، مما يؤدي في الأساس إلى تشغيل مفتاح ينقلها من حالة سكون إلى حالة عدوانية متكاثرة.
في تجربة رئيسية لإثبات ذلك، استخدم الباحثون دواءً لتحييد سايتوكين IL-6 في الفئران المصابة. كانت النتائج مذهلة: بدون إشارة IL-6، لم تتكاثر الخلايا السرطانية الخاملة بنفس القدر عند إدخال العدوى الفيروسية. يشير هذا بقوة إلى أن IL-6 يعمل كمفتاح حاسم للخلايا السرطانية، وأن منع عمله يمكن أن يكون استراتيجية علاجية قابلة للتطبيق. علاوة على ذلك، وجدت الدراسة أيضًا أن الخلايا السرطانية المستيقظة، بمجرد نشاطها، يمكنها قمع الاستجابات المناعية الأخرى، مما يساعدها على التهرب من الكشف والقضاء عليها. التأثير البشري وما يليه
أُكِّدت نتائج النماذج الحيوانية من خلال تحليل بيانات الصحة البشرية. ومن خلال فحص البيانات من قواعد بيانات طبية ضخمة، مثل البنك الحيوي البريطاني (UK Biobank) و”فلاتيرون هيلث”، وجد الباحثون ارتباطًا قويًا بين العدوى الفيروسية التنفسية وزيادة خطر عودة السرطان. على سبيل المثال، وُجِد أن الناجين من السرطان الذين أصيبوا بكوفيد-19 لديهم احتمالية أعلى بكثير لانتقال الورم النقيلي إلى الرئتين. وكان هذا الارتباط أقوى في الأشهر التي تلت الإصابة مباشرةً، مما يعكس التوسع السريع للخلايا الخاملة التي لوحظت في دراسات الفئران.
تُعدّ الآثار المترتبة على مرضى السرطان والناجين منه كبيرة. وبينما يُؤكد مؤلفو الدراسة أن النتائج لا تعني أن كل عدوى تنفسية ستؤدي إلى انتكاسة، إلا أنها تُسلِّط الضوء على خطر واضح وقابل للقياس. وينصح الدكتور خوليو أغيري-غيسو، أحد المشاركين في الدراسة، بأن “الأفراد الذين لديهم تاريخ من السرطان قد يستفيدون من اتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد فيروسات الجهاز التنفسي، مثل التطعيم عند توفره، ومناقشة أي مخاوف مع مقدمي الرعاية الصحية”. يشير البحث أيضًا إلى اتجاه جديد لتطوير الأدوية. يمكن للعلماء الآن استكشاف إمكانات الأدوية المضادة للالتهابات التي تستهدف مسار IL-6 لمنع انتكاس السرطان. يوفر الفهم الجديد لكيفية إعادة إشعال الفيروسات الشائعة “جمر” سرطان سابق نظرة ثاقبة ثاقبة وقابلة للتطبيق في لغز طبي قديم، مما يوفر أملًا جديدًا للوقاية ونتائج أفضل على المدى الطويل للناجين من السرطان حول العالم.