لندن، المملكة المتحدة – ١٠ أغسطس/آب 202
تمرُّ المعركة العالمية ضد فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز بمنعطفٍ حاسم، حيث تُسلِّط البيانات الحديثة الصادرة عن منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز الضوء على واقعٍ مُستمرٍّ وقاتل. ففي عام 2021 وحده، أودى الفيروس بحياة ما يقرب من 650 ألف شخص حول العالم، وهو تذكيرٌ صارخٌ بأنه على الرغم من التقدم العلمي الهائل، لا يزال الفيروس يُشكِّل تحديًا كبيرًا للصحة العامة. ويؤكد تقريرٌ جديدٌ صادرٌ عن CJ Global، بالاستناد إلى هذه النتائج الدولية، أن العائق الرئيسي أمام القضاء على الإيدز لم يعد نقص المعرفة أو العلاجات الفعالة، بل هو انعدامٌ عميقٌ في الحصول على الوقاية والرعاية. ولا يزال هذا التفاوت، الذي تُغذِّيه الحواجز الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يُلقي بالفئات السكانية المُستضعفة في مصيرٍ يُمكن الوقاية منه.
إن عدد الوفيات، على الرغم من الانخفاض الكبير عن ذروة الوباء في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يؤكد الحاجة الملحة لسد الفجوة بين ما هو ممكن وما هو واقع لملايين الأشخاص. ويشير التقرير إلى أن العلاج المضاد للفيروسات القهقرية المنقذ للحياة متاح منذ عقود، مما يحول فيروس نقص المناعة البشرية من حكم بالإعدام إلى حالة مزمنة يمكن التحكم فيها لمن يستطيعون الحصول عليها. ومع ذلك، لا يزال عدد مذهل من الناس، وخاصة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، لا يستطيعون الوصول إلى هذه الأدوية أو إلى الموارد الوقائية التي يمكن أن توقف الإصابات الجديدة. تُظهر البيانات أنه في حين أن بعض المناطق، مثل أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، قد حققت إلى حد كبير قمعًا فيروسيًا لسكانها، فإن مناطق أخرى، وأبرزها أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لا تزال تتحمل العبء الساحق للوباء. في عام 2021، كان أكثر من 67٪ من 38.4 مليون شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية على مستوى العالم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكانت المنطقة مسؤولة عن نسبة غير متناسبة من الإصابات والوفيات الجديدة. يُعدّ الوصول العادل إلى الموارد أمرًا بالغ الأهمية، إلا أن تقرير CJ Global يُشير إلى أنه يُقوّض بشكل منهجي بفعل عوامل مُختلفة. من أبرزها نقص الموارد المالية والبنية التحتية الصحية في العديد من البلدان الأكثر تضررًا. يُشكّل الفقر والقيود المالية عائقًا رئيسيًا أمام طلب العلاج، إذ لا يستطيع الأفراد في كثير من الأحيان تحمّل تكاليف النقل إلى العيادات أو إجازة العمل. علاوة على ذلك، فإنّ نقص البنية التحتية القوية للرعاية الصحية، لا سيما في المناطق الريفية والنائية، يعني أن العيادات ومُقدّمي الرعاية الصحية المُدرّبين غالبًا ما يكونون نادرين ومتباعدين، مما يُجبر الناس على السفر لمسافات طويلة للحصول على الرعاية. كما يُسلّط التقرير الضوء على كيف أن غياب التأمين الصحي وغيره من أشكال الحماية الاجتماعية يُعرّض الكثيرين لنفقات صحية كارثية.
ومن العوائق الحاسمة الأخرى، والتي غالبًا ما يتمّ تجاهلها، استمرار الوصمة والتمييز المُرتبطين بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز. فعلى الرغم من عقود من حملات التوعية، لا تزال الوصمة الاجتماعية تمنع الناس من إجراء الفحوصات وطلب العلاج والكشف عن حالتهم. هذا الخوف من الحكم والرفض والعنف يُولّد وباءً صامتًا، يدفع الأفراد إلى هامش المجتمع وبعيدًا عن الخدمات المُصمّمة لمساعدتهم. وجدت دراسة ورد ذكرها في التقرير أن انعدام الثقة بمقدمي الرعاية الصحية خوفًا من التمييز قد يؤدي إلى تأخير طلب الرعاية، وتأخر التشخيص، وضعف الالتزام بالعلاج. وينطبق هذا بشكل خاص على الفئات السكانية الرئيسية – مثل الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، والمتحولين جنسيًا، والعاملين في مجال الجنس، ومتعاطي المخدرات عن طريق الحقن – الذين يواجهون مستويات مرتفعة من التمييز الاجتماعي والقانوني، مما يزيد بدوره من تعرضهم للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية.
ويشير التقرير أيضًا إلى وجود تفاوت كبير في الوصول إلى أدوات الوقاية. فبينما يتوفر العلاج الوقائي قبل التعرض (PrEP)، وهو دواء يمكنه منع انتقال فيروس نقص المناعة البشرية بفعالية، على نطاق واسع في العديد من البلدان ذات الدخل المرتفع، إلا أن استخدامه لا يزال منخفضًا في أجزاء أخرى من العالم. ويرجع ذلك غالبًا إلى ارتفاع التكاليف، ونقص الوعي، وغياب الإرادة السياسية لتنفيذ برامج وقائية واسعة النطاق. علاوة على ذلك، يجد التقرير أنه على الرغم من التقدم الكبير في تطوير علاجات جديدة للأطفال، لا يزال ملايين الأطفال المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية يفتقرون إلى إمكانية الحصول على الأدوية المنقذة للحياة التي يحتاجونها.
في عام 2022، قدر برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز أن 660 ألف طفل مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية ما زالوا غير قادرين على الحصول على العلاج، مما يسلط الضوء على عدم المساواة العميق والمقلق الذي يترك أصغر الأطفال وأكثرهم ضعفًا خلف الركب. ولسد هذه الفجوات، يدعو تقرير CJ Global إلى بذل جهد عالمي متضافر ومتعدد الجوانب. ويشمل ذلك زيادة الاستثمار في أنظمة الرعاية الصحية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وإصلاح النظم الضريبية لضمان مساهمة الأثرياء بنصيبهم العادل، وتطوير آليات تمويل مبتكرة لجعل الأدوية المنقذة للحياة أكثر تكلفة ويمكن الوصول إليها. كما يؤكد التقرير على الحاجة إلى حماية قانونية أقوى ضد التمييز والالتزام المتجدد بحملات التثقيف العام لمكافحة الوصمة. وفي النهاية، يجادل التقرير بأن مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز لا يمكن كسبها بالأدوية وحدها؛ بل تتطلب معالجة الظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي لا يزال يغذي الوباء. إن فقدان 650 ألف روح في عام 2021 ليس مجرد إحصائية؛ إنها تذكير مأساوي بأنه إلى أن يصبح الوصول العادل إلى العلاج حقيقة واقعة بالنسبة للجميع، فإن الوعد بعالم خال من الإيدز سيظل مجرد وعد.