ماندالاي، ميانمار – ٦ أغسطس ٢٠٢٥
لأول مرة في التاريخ، حصل العلماء على دليل فيديو مباشر على كيفية تحرك سطح الأرض أثناء زلزال كبير، وذلك بفضل تسجيل مصادفة التقطته كاميرات المراقبة خلال الزلزال القوي الذي بلغت قوته ٧.٧ درجة والذي ضرب وسط ميانمار في ٢٨ مارس ٢٠٢٥. لا يقتصر التسجيل على تصوير الأرض وهي تتمزق في الوقت الفعلي فحسب، بل يكشف أيضًا عن ظاهرة لم تكن مؤكدة سابقًا: انزلاق صدع منحني بشكل واضح.
كان الزلزال، الذي ضرب صدع ساغينغ بالقرب من ماندالاي، ثاني أكبر مدينة في ميانمار، حدث انزلاق صدع، حيث انزلقت كتلتان من قشرة الأرض أفقيًا فوق بعضهما البعض. وبينما من المعروف أن مثل هذه التصدعات السطحية تحدث أثناء الزلازل الكبيرة، إلا أن المراقبة المباشرة بالفيديو بهذا الحجم ظلت بعيدة المنال بالنسبة لعلماء الزلازل حتى الآن. وفّرت كاميرا مراقبة، موضوعة على بُعد حوالي 20 مترًا من أثر صدع ساغاينغ وحوالي 120 كيلومترًا جنوب مركز الزلزال، تسجيلًا قيّمًا مدته 26 ثانية. قام باحثون في جامعة كيوتو في اليابان، بقيادة الجيوفيزيائي جيسي كيرس وزميله يوشيهيرو كانيكو، بتحليل اللقطات بدقة باستخدام تقنيات الارتباط المتبادل للبكسل لتتبع حركة الأرض إطارًا تلو الآخر.
يكشف تحليلهم، الذي نُشر مؤخرًا، عن تفاصيل مذهلة: انزلق الصدع جانبيًا لمسافة 2.5 متر (أكثر من 8 أقدام) في غضون 1.3 ثانية فقط، ليصل إلى سرعة قصوى تبلغ 3.2 متر في الثانية. وقد استُدل على هذا “الانكسار الشبيه بالنبضة”، حيث تنتشر الطاقة الزلزالية كانفجار مُركّز على طول الصدع، من بيانات زلزالية بعيدة، ولكن لم يُشاهد مباشرةً.
وكان اكتشاف انزلاق الصدع المنحني أكثر ثورية. صرح كيرس قائلاً: “بدلاً من أن تتحرك الأجسام بشكل مستقيم عبر شاشة الفيديو، تحركت على طول مسار منحني ذي تحدب نحو الأسفل”. تُقدم هذه الملاحظة أول تأكيد بصري مباشر لظاهرة طُرحت منذ فترة طويلة من خلال الأدلة الجيولوجية، مثل “خطوط الانزلاق” – وهي علامات الخدش الموجودة على أسطح الصدوع والتي غالبًا ما تُظهر نمطًا منحنيًا.
يؤكد الفيديو صحة النماذج الميكانيكية التي تربط اتجاه انتشار الصدع بانحناء الانزلاق بالقرب من السطح. من المعروف أن صدع زلزال ميانمار امتد من الشمال إلى الجنوب، وهو اتجاه يتوافق مع الانحناء المرصود في الفيديو. يعزز هذا المحاذاة ثقة العلماء في استخدام الأدلة الجيولوجية لإعادة بناء اتجاه صدع الزلازل القديمة.
يُعد صدع ساغينغ، الممتد على مسافة 1200 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب، أحد أكثر خطوط الصدع نشاطًا وخطورة في جنوب شرق آسيا، وهو قادر على توليد زلازل تتجاوز قوتها 7.5 درجة على مقياس ريختر. تسبب زلزال 28 مارس في أضرار جسيمة في ميانمار، ووصلت آثاره إلى مناطق بعيدة مثل تايلاند والصين. تُقدم هذه اللقطات غير المسبوقة أداةً جديدةً وفعّالة لعلماء الزلازل. فمن خلال المراقبة المباشرة لحركة الصدع عن قرب، يُمكن للباحثين اكتساب فهمٍ أعمق لعمليات الزلازل، بما في ذلك كيفية بدء التصدعات وانتشارها، والحركات الأرضية المُحددة التي تُولّدها. ومن المتوقع أن تُعزز هذه البيانات القيّمة بشكلٍ كبير قدرتنا على نمذجة وتوقع الاهتزازات الأرضية المُصاحبة للأحداث الزلزالية الكبيرة المُستقبلية، مما يُسهم في نهاية المطاف في تحسين تقييمات المخاطر والاستعداد للكوارث.
