لا شك أن المواطنة السليمة تقوم على مبادئ أربعة: هي محبة الوطن، عدم العزلة، المشاركة الواعية، وقبول الآخر.
١- محبة الوطن:
واجب ديني على كل مسيحي، كقول قداسة البابا شنودة الثالث: “إن مصر ليست وطنًا نعيش فيه، بل هي وطن يعيش فينا”، وقول قداسة البابا تواضروس الثاني: “العالم في يد الله، ولكن مصر في قلب الله”.
ونصلي في كل قداس من أجل مصر: نيلها، زرعها، ثمرها، القائمين عليها من الرئيس والوزراء والجند، ومن أجل حدود مصر.
المسيحيون يحبون وطنهم مصر، ويفتخرون بانتمائهم إليها.
نؤمن بالمبدأ القائل: “الدين لله والوطن للجميع”.
محبة الوطن تجري في كل قطرة دم من دماء الأقباط، وهم على استعداد لسفك دمائهم من أجل الوطن.
٢- عدم العزلة:
المسيحيون هم جزء من كيان المجتمع، لا ينعزلون عنه، فهم أصحاب رسالة: “أنتم نور العالم، أنتم ملح الأرض”.
٣- المشاركة الواعية:
على كل مصري أن يساهم بالفكر والرأي والجهد والعمل لبناء الوطن.
نشارك في الانتخابات (كمرشحين وناخبين)، ونؤدي دورًا إيجابيًا في الأحزاب. (أنا عن نفسي، أمين المواطنة بحزب حماة الوطن بالمطرية).
وأيضًا لنا دور إيجابي في انتخابات النقابات والجمعيات الأهلية.
فلا يوجد عضو في جسد ما بلا وظيفة، وإلا صار هذا الشيء مجرد زائدة يمكن الاستغناء عنها.
المواطنة الحقيقية هي أن نشعر جميعًا بعضويتنا في جسد كامل متكامل، وكل مواطن يشعر بدوره الهام والحيوي في بنيان الجسد، “جسد مصر”.
علينا أن نتمسك بحقوقنا في المواطنة، وإهمال هذه الحقوق يعني إلغاء صفة المواطنة.
٤- قبول الآخر:
علينا جميعًا أن ننادي بمبادئ الحب والخير والسلام والتعايش السلمي، واتساع القلب للآخر المختلف في العقيدة.
علينا أن نؤمن باتساع الفكر، والتعددية، وصدق الحوار، والتواصل مع الآخر، وأن نرفض التعصب والطائفية والعنف.
كل هذه المبادئ السامية التي تقوم عليها المواطنة السليمة، نجدها قد أُهدرت في فترة حكم عصابة الإخوان في عام ٢٠١٣.
فقد ارتكبت هذه الجماعة جرائم في حق المصريين جميعًا، وكانت أبشع في حق المسيحيين.
يعوزنا الوقت في سرد تلك الجرائم. “التاريخ أسمى ضروب المعرفة”، “إن دراستنا ومعرفتنا بالتاريخ تساعدنا ألا نقع في قبضة مآسي الماضي التي عاش تحت سطوتها الآباء والأجداد”.
السنة السوداء لحكم الإخوان ألغت مصطلح المواطنة تمامًا.
هذه الفترة جعلت الأقباط يضطرون للهجرة إلى الخارج، وزادت نسبة الهجرة إلى ١٥٪، وذلك بعد تكرار الاعتداءات على الكنائس، والاتهامات بالتكفير، والاضطهاد، مما جعل الأقباط مجرد كتلة صماء غير حريصة على المشاركة السياسية.
أخطر الأحداث كانت حادثة الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية في ٧/ ٤/ ٢٠١٣، والتي تُعتبر الكنيسة المركزية والمقر العام لأقدم وأهم كنيسة في الشرق.
لم يحدث في التاريخ كله أن يتم مثل هذا الاعتداء.
حدث الاعتداء بعد أحداث دامية في منطقة الخصوص، راح فيها ٦ شهداء.
لا شك أن حادث الاعتداء على الكاتدرائية كان تخطيًا لكل الخطوط الحمراء، وكان هناك، بلا شك، تقاعس من الداخلية عن حماية الكاتدرائية، وأيضًا تواطؤ من السلطة السياسية في ذلك الوقت، رغم تصريحها بأن “الاعتداء على الكاتدرائية هو اعتداء على شخصي”.
فترة حكم الإخوان كانت الأكثر مرارة في نفوس الأقباط، لما شهدته من تمييز وخطاب كراهية.
وبعد عزل مرسي في ٣/ ٧/ ٢٠١٣، استهدفت الجماعة الإرهابية التجمعات القبطية، عقابًا لهم على المشاركة الفعالة في ثورة ٣٠ يونيو.
عملت على التهديد بالقتل، وقتلت قسًا في العريش، وأحرقت عددًا من الكنائس، في محاولة لاستهداف الهوية والثوابت المصرية وإشعال الفتن.
بإجماع الجميع، نستطيع أن نقول إن فترة حكم الإخوان كانت فترة لإهدار مبدأ المواطنة.
ولكن بعد ثورة ٣٠ يونيو، نستطيع أن نقول إن فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رسّخ مبدأ المواطنة كأحد الأعمدة الرئيسية لبناء الجمهورية الجديدة.
فلم ينادِ بها كشعار، إنما قام سيادته بتطبيقها عمليًا على أرض الواقع، من خلال التعليم بالقدوة، وليس بالكلام، بالمحبة العملية، لا بالشعارات الزائفة.
وهذا واضح من خلال قيام سيادته، كأول رئيس جمهورية، بالذهاب سنويًا إلى كاتدرائية ميلاد السيد المسيح بالعاصمة الإدارية، لتهنئة أبنائه الأقباط بعيد الميلاد المجيد.
وأصبح ذلك عرفًا محمودًا، ويحاول كل المسؤولين أن يسيروا على نفس النهج.
الرئيس الذي دائمًا يخاطب المصريين بدون تمييز، الرئيس الذي دائمًا يسأل المسؤولين عن بناء التجمعات العمرانية الجديدة: “أين الكنيسة؟”
ليس هذا فحسب، بل عملت الدولة على إعلاء وتطبيق مبدأ المواطنة من خلال إصدار قانون بناء الكنائس في أغسطس ٢٠١٦، وإنشاء لجنة لتقنين أوضاع الكنائس والمنشآت الكنسية برئاسة معالي رئيس الوزراء.
وقد تم حتى الآن تقنين أكثر من ٣٤٥٣ كنيسة ومبنى كنسي.
نجد أن ارتفاع عدد النواب الأقباط في مجلس النواب من ٥ نواب في مجلس ٢٠١٢ إلى ٣٩ نائبًا في المجلس الحالي (٣٦ بالانتخاب، و٣ بالتعيين) يشملون كل الطوائف المسيحية في مصر.
وفي مجلس الشيوخ، كان العدد في مجلس ٢٠١٢ (١٢ نائبًا)، وأصبح في المجلس الحالي ٢٤ نائبًا.
وتغيّرت النظرة السلبية لتمثيل الأقباط في المجالس النيابية ومجلس الشورى.
وأيضًا، شملت حركة المحافظين في ٢٠١٨ تعيين اثنين في منصب المحافظ، وفي التشكيل الوزاري، شملت تعيين وزيرة للتنمية المحلية من الأقباط.
نستطيع أن نقول إنّه بعد ثورة ٣٠ يونيو، أصبح مبدأ المواطنة واقعًا عمليًا، وليس شعارًا زائفًا، بفضل حكمة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
كل عام وأنتم بخير.
بقلم القس بولا فؤاد
كاهن كنيسة مارجرجس المطرية – القاهرة