بقلم المستشار/ احمد المندرواي
الوطنية مفهوم يتجاوز مجرد رفع الشعارات أو ترديد الكلمات الحماسية؛ فهي التزام عملي بمصالح الوطن واستقراره وأمنه.
ومع ذلك، شهدت الساحة السياسية المصرية منذ عام ٢٠١٣ بروز فئة من المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، الذين فرّوا إلى الخارج عقب سقوط حكم الجماعة، وتحولوا إلى مذيعين أو ناشطين على منصات إعلامية معارضة، ممولة من دول وجهات خارجية.
هذا المقال يناقش مدى توافق ممارساتهم مع مفهوم الوطنية، ومدى ارتباط نشاطهم بأجندات سياسية تخدم أطرافًا معادية لمصر.
أولًا: الإخوان في الخارج
من العمل السياسي إلى الإعلام الممول
بعد الإطاحة بحكم الإخوان وتصنيفهم جماعة إرهابية داخل مصر، لجأ العديد من قياداتهم إلى تركيا وقطر، حيث وُفرت لهم بيئة مناسبة لإعادة تنظيم الصفوف. وقد أُنشئت قنوات إعلامية معارضة مثل:
قناة مكملين (تركيا).
قناة الشرق (تركيا).
قناة وطن (تركيا).
هذه القنوات تحولت إلى منصات يومية للهجوم على مؤسسات الدولة المصرية، مع تركيز خطابها على تصوير مصر كدولة غير مستقرة سياسيًا واقتصاديًا، مما يتقاطع مع مصالح بعض القوى الدولية المعادية لمصر (الوطن نيوز).
ثانيًا: الرواتب الضخمة كاشفة لطبيعة النشاط
في سبتمبر ٢٠٢٠، كشفت تسريبات نشرتها صحف مصرية وعربية عن حجم الرواتب التي يتقاضاها بعض مذيعي هذه القنوات، ومن أبرز الأسماء:
محمد ناصر: ٦٠ ألف دولار شهريًا (اليوم السابع، ).
عبد الله الشريف: ١٢٠ ألف دولار شهريًا (العين الإخبارية).
حمزة زوبع: ٤٥ ألف دولار شهريًا (الوطن نيوز).
هذه الأرقام فاقت توقعات كثيرين، وأثارت حالة من الجدل حتى بين أنصار الجماعة، حيث اعتبر البعض أن الأمر تجاوز النشاط السياسي إلى الارتزاق الإعلامي.
ثالثًا: الأجندات السياسية وخدمة المصالح الخارجية
لا يقتصر خطاب هذه القنوات على نقد السياسات الداخلية المصرية، بل يمتد إلى:
١- التشكيك في الاقتصاد المصري: نشر تقارير إعلامية تروج لفكرة أن مصر بيئة غير آمنة للاستثمار.
٢- تحريض الشارع المصري: دعوات متكررة للنزول في احتجاجات من الخارج.
٣- تشويه صورة الدولة دوليًا: التركيز على السلبيات وتضخيمها في الإعلام الأجنبي.
ويرى محللون سياسيون أن هذا الخطاب يتماشى مع مصالح قوى صهيونية وماسونية تسعى لإضعاف الدولة المصرية عبر إذكاء الانقسامات الداخلية (سويلم).
رابعًا: المواقف الرسمية والشعبية
برلمانيًا:
صرح النائب هشام سويلم بأن التظاهر أمام السفارات المصرية في الخارج “خدمة لأجندات مشبوهة”، ودعا الجاليات المصرية لتمثيل بلدهم بصورة إيجابية (الوطن نيوز).
شعبيًا:
انتشرت موجات من السخرية على مواقع التواصل، حيث وصف رواد المنصات هؤلاء الإعلاميين بأنهم “معارضون بالدولار”، في إشارة إلى تناقض خطابهم مع أسلوب حياتهم المترف.
خامسًا: الوطنية بين الخطاب والممارسة
الوطنية في معناها العميق هي التزام غير مشروط بمصلحة الوطن، حتى مع وجود خلافات سياسية مع السلطة الحاكمة.
من يعيش خارج الوطن، ويتلقى تمويلًا من جهات ذات مصالح سياسية مناوئة، ثم يهاجم بلاده على مدار الساعة، يمارس نشاطًا إعلاميًا يستحيل وصفه بالوطني.
وبينما قد تكون المعارضة حقًا مشروعًا، إلا أن المعارضة الممولة تفقد استقلاليتها، وتصبح أداة لأجندات خارجية.
تكشف دراسة حالة الإعلام الإخواني في الخارج عن تناقض جوهري بين الخطاب المعلن والممارسات الفعلية.
ففي حين يُرفع شعار الدفاع عن الوطن والشعب، تظهر الممارسات اليومية ارتباطًا واضحًا بمصادر تمويل خارجية، وأهداف إعلامية وسياسية تتعارض مع مفهوم الوطنية.
إنّ الوطنية ليست سلعة تُباع لمن يدفع أكثر، بل هي التزام ثابت، لا يتأثر بحجم الراتب أو موقع الإقامة.
وأي نشاط سياسي أو إعلامي يفقد استقلاله لصالح ممول خارجي، يضعف من صدقيته أمام الرأي العام، ويضع صاحبه في خانة “الموظفين في أجندات الغير” لا “المدافعين عن الوطن”.