موسكو، روسيا – ٢٣ يوليو ٢٠٢٥
تعرضت العاصمة الروسية والمناطق المحيطة بها لموجة غير مسبوقة من هجمات الطائرات المسيرة شنتها أوكرانيا خلال الأيام القليلة الماضية، مما تسبب في اضطراب واسع النطاق، وإشعال حرائق، وإجبار مطارات موسكو الرئيسية على تحويل مسارات رحلاتها باستمرار. وتزعم السلطات الروسية إسقاطها عشرات الطائرات المسيرة القادمة، إلا أن طبيعة الهجمات المستمرة ونطاقها يُبرزان قدرة أوكرانيا المتطورة والمتنامية على استخدام الطائرات المسيرة بعيدة المدى.
وقعت أشد فترات الهجمات خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتحديدًا من مساء ١٩ إلى ٢٠ يوليو. وأفاد عمدة موسكو، سيرجي سوبيانين، يوم الأحد بأنه تم إطلاق ما لا يقل عن ٢١ طائرة مسيرة أوكرانية باتجاه المدينة منذ مساء السبت، حيث استجابت خدمات الطوارئ لمواقع سقوط الحطام. قدمت وزارة الدفاع الروسية أرقامًا أعلى بكثير، مدّعيةً أن أنظمة دفاعها الجوي أسقطت 93 طائرة مسيرة أوكرانية، منها 19 طائرة فوق منطقة موسكو و16 طائرة في طريقها إلى المنطقة، بين ليلة السبت وصباح الأحد. وفي وقت لاحق من يوم الأحد، أفادت التقارير بإسقاط ثماني طائرات مسيرة إضافية فوق منطقة موسكو، خمس منها كانت متجهة مباشرة إلى العاصمة.
اضطرابات وأضرار واسعة النطاق:
كان لهجوم الطائرات المسيرة عواقب ملموسة. تشير تقارير متعددة إلى اندلاع حرائق في مناطق مختلفة، بما في ذلك ضواحي زيلينوغراد بموسكو، حيث ورد أن حطام طائرة مسيرة مُعترضة ضرب مبنى سكنيًا وأشعل النيران في مركبات. وبينما صرّح رئيس البلدية سوبيانين بأنه “لم تقع إصابات أو خسائر بشرية خطيرة” نتيجة اصطدام الطائرات المسيرة في زيلينوغراد، فإن التأثير النفسي على السكان كان كبيرًا.
ولعل أبرز الاضطرابات كان في قطاع النقل الجوي. فقد واجهت جميع مطارات موسكو الأربعة الرئيسية – شيريميتيفو، ودوموديدوفو، وفنوكوفو، وجوكوفسكي – إغلاقات مؤقتة متكررة وقيودًا على الرحلات الجوية. أفادت وكالة النقل الجوي الفيدرالية الروسية “روسافياتسيا” بتحويل أو إلغاء أكثر من 134 رحلة جوية خلال عطلة نهاية الأسبوع وحدها، مما أدى إلى تقطع السبل بآلاف الركاب، وتأكيد هشاشة المجال الجوي لموسكو.
القدرات الأوكرانية والدفاع الجوي الروسي:
تُبرز هذه الهجمات المستمرة التطور السريع لقدرات أوكرانيا في مجال الطائرات المسيرة. وقد عززت أوكرانيا إنتاجها المحلي للطائرات المسيرة بشكل كبير، بهدف إنتاج ملايين الطائرات المسيرة سنويًا. وتتراوح هذه الطائرات من طائرات مسيرة أصغر حجمًا بتقنية “الرؤية من منظور الشخص الأول” (FPV) إلى طائرات مسيرة أكبر وأبعد مدى قادرة على ضرب عمق الأراضي الروسية. وتشير التقارير إلى أن أوكرانيا تُجري أيضًا تجارب على تقنيات أكثر تقدمًا، بما في ذلك طائرات مسيرة موجهة بالألياف الضوئية مقاومة للتشويش، وطائرات مسيرة موجهة بالذكاء الاصطناعي ذات قدرات ذاتية التحكم.
في حين تُعلن وزارة الدفاع الروسية باستمرار عن معدلات اعتراض عالية، يبدو أن الحجم الهائل للطائرات المسيرة القادمة يُشكل اختبارًا صعبًا لشبكة الدفاع الجوي لموسكو. إن قدرة الطائرات الأوكرانية المسيرة على الوصول إلى أهداف داخل منطقة موسكو والتأثير عليها، حتى لو كان ذلك بسبب حطام الطائرات المسيرة التي أُسقطت، تثير تساؤلات حول عدم نفاذية أنظمة الدفاع الجوي الروسية متعددة الطبقات. ويشير هذا القصف المستمر إلى جهد استراتيجي من كييف لخلق ضغط مستمر على العاصمة الروسية، مما يجبر الكرملين على إنفاق موارد دفاعية وإثارة قلق داخلي.
تصعيد الهجمات عبر الحدود:
تأتي هجمات الطائرات المسيرة على موسكو في خضم أعمال عدائية متصاعدة عبر الحدود، حيث أفاد الجانبان عن تبادل كثيف لإطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ. يوم الاثنين، 21 يوليو/تموز، واجهت موسكو طائرات مسيرة لليلة الخامسة على التوالي، حيث أفاد عمدة المدينة سوبيانين بإسقاط طائرتين مسيَّرتين أثناء اقترابهما من العاصمة. في الوقت نفسه، أفادت التقارير باندلاع حريق في محطة قطار في منطقة روستوف بعد هجوم بطائرة مسيرة، مما يشير إلى استراتيجية أوكرانية أوسع نطاقًا لاستهداف البنية التحتية العسكرية واللوجستية داخل روسيا.
من جانبها، أفادت أوكرانيا أن روسيا أطلقت 57 طائرة مسيرة وصاروخًا عبر مناطق أوكرانية مختلفة خلال الليل وحتى يوم الأحد، مما أسفر عن مقتل شخص واحد على الأقل وإصابات متعددة. وتشير هذه الدورة المستمرة من الضربات إلى مرحلة مطولة ومدمرة بشكل متزايد من الصراع، حيث تلعب حرب الطائرات بدون طيار دوراً بارزاً بشكل متزايد في تشكيل ساحة المعركة والجبهة الداخلية.