Some Populer Post

  • Home  
  • ملامح في شخصية الاديب المفكر المصري ا.د./ عبد الوهاب المسيري في ذكرى وفاته
- شخصيات مؤثرة - الثقافة

ملامح في شخصية الاديب المفكر المصري ا.د./ عبد الوهاب المسيري في ذكرى وفاته

بقلم ؛ المستشار،/ أحمد المندراوي في يوم – ٣ يوليو ٢٠٠٨ – فقد العالم العربي والعالم بأسره واحدًا من مفكريه البارزين: الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري، رحمه الله. فقد أضاء بنوره سُبُل الفهم العميق للحظة العربية والفلسطينية، فنهل من آبار الفكر والثقافة ليحول التشظّي إلى رؤية جامعة، يُشكر على إثرها كل من يقتفي أثره. من […]

IMG 9363

بقلم ؛ المستشار،/ أحمد المندراوي

في يوم – ٣ يوليو ٢٠٠٨ – فقد العالم العربي والعالم بأسره واحدًا من مفكريه البارزين: الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري، رحمه الله. فقد أضاء بنوره سُبُل الفهم العميق للحظة العربية والفلسطينية، فنهل من آبار الفكر والثقافة ليحول التشظّي إلى رؤية جامعة، يُشكر على إثرها كل من يقتفي أثره.

من دمنهور إلى العالمية: رحلة تأسيسية:
وُلد عبد الوهاب محمد المسيري في ١٩٣٨ بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة شمال مصر . من هذه النقلة الأولى نسطّر أولى بذور رحلته الفكرية، حين التحق عام ١٩٥٥ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية – قسم اللغة الإنجليزية . وتخرج عام ١٩٥٩، ليعمل معيدًا في الجامعة نفسها، قبل أن تُرسله مصر لاستكمال دراسته العليا إلى الولايات المتحدة، حيث نال:
درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا عام ١٩٦٤؛
ودرجة الدكتوراه من جامعة روتجرز عام ١٩٦٩ .

عاد بعدها إلى وطنه حاملًا عزيمة للتنقيب عن المعرفة، فدرّس في جامعات عدة منها: جامعة الإسكندرية، جامعة عين شمس، جامعة الملك سعود في الرياض، جامعة الكويت، فضلاً عن زيارات علمية إلى أكاديمية ناصر العسكرية، وجامعة ماليزيا الإسلامية .

كما تقلد أدوارًا مهمة كمستشار ثقافي للأمم المتحدة باسم جامعة الدول العربية في نيويوك، ومستشار أكاديمي بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن، وعضو مجلس خبراء مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام .

فكر ملتزم بالواقع:
لم يقتصر فكر المسيري على العزلة الأكاديمية، بل كان شغفًا متصلًا بالواقع. فقد انتمى – في فترات من حياته – إلى جماعة الإخوان المسلمين، ثم للتيار الشيوعي المصري، وانضم بعد ذلك إلى حزب الوسط الديني .

وفي عام ٢٠٠٤، برز ضمن مؤسسي حركة “كفاية”، التي طالبت بتغيير النظام المصري بوسائل سلمية، واحتجّ ضد التوريث، مما أثار غضب السياسيين آنذاك وعرّضه لمخاطر من الاعتقال والاختطاف . وفي يناير ٢٠٠٧ أصبح المنسق العام لـ”كفاية”، وبقي في الصفوف الأمامية حتى وفاته في يوليو ٢٠٠٨ .

موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: إفراد وتحليل:


ربما تُعد موسوعة “اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد” (ثمانية مجلدات، ١٩٩٩) العلامة الفارقة في إنتاجه الفكري. استغرقت أكثر من ربع قرن في إعدادها، وقد جاءت بمستوى بحثي وتحليلي بقي خارج تصنيفات الدراسـات العربيـة التقليدية .

استند فيها إلى تحليل منهجي عميق لمراحل عقيدة الصهيونية وتاريخ الحركة السياسية اليهودية، كما تناول طبيعة العلاقة مع الغرب، وقدم رؤية نقدية موازنة، مبنية على مناهج الفهم الحضاري لا الأحكام المسبقة.

قصّ الحركة الصهيونية مرورًا بمرحلة تأسيسها على أرض فلسطين، وتعاملها مع القومية اليهودية، وصولًا إلى صدامها مع المشروع العربي الفلسطيني، ليصل في النهاية إلى طرح نظريته عن مدى نهايتها المحتملة، غير الحتمية، مستندًا في ذلك إلى مقارنات تاريخية (مثل تجربة الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، والممالك الصليبية، والجماعات الاستيطانية الفرنسية في الجزائر) .

مؤلفات بارزة أخرى:

إلى جانب الموسوعة العملاقة، ترك المسيري مجموعة غنية من الدراسات ذات البُعد الحضاري:

١- “العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة”(مجلدان): دراسة نقدية للعلمنة في الفكر الغربي، وتأثيراتها على الهوية والقيم، ونمط التعامل مع الدين في المجتمع .

٢- “الفردوس الأرضي”، (١٩٧٩): تحليل للفكر الغربي الحديث وعدّه امتدادًا لأيديولوجية إحلال الطبيعة والاستعمار تحت ستار الحضارة .

٣- “الحداثة وما بعد الحداثة”: قراءة نقدية في الحداثة الغربية، ومساراتها الأيديولوجية والثقافية والمادية .

٤- “الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان”: دراسة للفلسفة الغربية الصلبة، وتفسيراتها للإنسان بوصفه موضوعًا ماديًا محضًا .

٥- “إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد” (سبعة مجلدات): بحث معمق في آليات المعرفة، خاصة تلك التي تشوبها تحيّزات أيديولوجية .

٦- “الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: رؤية حضارية جديدة” (١٩٩٧): ربط بين الأيديولوجيات التوسعية الصهيونية والنازية، وتحليل تطوّرها ضمن سياق صراعات تاريخية .

كما أصدر أعمال أدبية قصيرة وقصصًا للأطفال ودواوين شعر، منها: “أغاني الخبرة والحيرة والبراءة (سيرة شعرية)”، و”معركة كبيرة صغيرة”، و”ما هي النهاية؟”” .

شخصية فكرية متكاملة: الفكر والعمل
تميز المسيري بقدرته الفذّة على ربط الفكر بالواقع. كان من يقول عنه إنه “مثقف مشتبك” – أي لا يكتفي بالكتابات بل يخرج إلى الشارع ويحتج ويناضل سياسيًا .

ورغم رحيله عام ٢٠٠٨ بعد صراع طويل مع مرض السرطان في مستشفى فلسطين بالقاهرة عن عمر سبعين عامًا ، فإن أثره مستمر؛ سواء في المكتبات، أو على ألسنة الباحثين، أو في حياة حركات التغيير.

منهجية المسيري: النماذج التفسيرية:
استطاع المسيري أن يخلق منهجًا تحليليًا خاصًا، وهو ما أسماه “النماذج التفسيرية”، التي تنأى به عن الأساليب النظرية الضيقة، فتحلل الأيديولوجيات مثل: العلمنة، الحداثة، الصهيونية، وتكشف عن أبعادها الرمزية والسياسية ومعانيها الاجتماعية، مستعينًا بـ:

حيّادية نقدية، لموازنة النصوص الغربية؛

التراث الحضاري العربي والإسلامي كمرجعية، لا كمطلق؛

لغة جمالية تجمع النقد العلمي والأدبي والتاريخي .

-في تلخيص مأساة وملهاة: مواجهة الصهيونية:
من مؤلفاته العظيمة التي تُلقي الضوء على أبواب جديدة لفهم الصهيونية، مقالة بعنوان “الدولة الصهيونية بين المأساة والملهاة”، نُشرت بعد وفاته، أشار فيها إلى أن هاجس نهاية إسرائيل يكمن في اللاوعي الإسرائيلي نفسه، لأنها -كما يرى- تشبه تجارب الإمبراطوريات والأنظمة التي اختفت طابعًا، رغم كراهيتها .

كما جمع نكاتًا من الإعلام الإسرائيلي كشكل من أشكال التعبير عن تناقضات الواقع، مبينًا أن “النكتة تكشف عن المسكوت عنه” – ما لا يستطيع التصريح به، ويبطنه العقـل الجمعي .

جوائز وتكريم:
إنّ إنتاج المسيري الهائل ظل موضع تقدير من مؤسسات أكاديمية وثقافية، فقد نال:

جائزة أفضل كتاب في مهرجان القاهرة الدولي للكتاب ٢٠٠٠ عن موسوعته؛

جائزة رحلتي الفكرية عام ٢٠٠١؛

جائزة العويس عن بداياته الفكرية عام ٢٠٠٢؛

وسام الدولة التقديرية في الآداب عام ٢٠٠٥ .

وآخر تكريم له كان جائزة القدس من اتحاد الكتاب العرب في يونيو ٢٠٠٨، قبل وفاته بشهر .

كيف نحتفل بإرثه؟
رحل المسيري جسديًا، لكنه ترك لنا تراثًا فكريًا ومعنويًا لا يُمحى:
١- اقرأ صفحة من موسوعته المتخصصة – ستجد نفسك أمام نافذة جديدة لعالم الصهيونية.

٢- تحاور مع مقالاته مثل: “الدولة الصهيونية بين المأساة والملهاة”.

٣- تجول بين كتبه الأخرى التي تناولت الحداثة، العلمنة، الفلسفة.

٤- شارك معه الحرية التي لطالما دافع عنها في الحراك السياسي (“كفاية” نموذجًا).

بهذه الخطوات، لن ننسى ذكرى المسيري، بل نُحييها في أفعالنا وأقلامنا، ونكمل الطريق الذي بداخله إيمان بقدرة الفكر على التحوّل، وبقوة الإرادة على التغيير. رحمه الله، ونفع بنا بما علّم.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نبذة عنا

صحيفة سي جاي العربية هي واحدة من اهم اصدارات شركة Castle Journal البريطانية الدولية لانتاج الصحف والمجلات و مقرها لندن – المملكة المتحدة البريطانيه.

CJ  العربية © Published by Castle Journal LTD.