القاهرة – مصر – ١٢ أغسطس ٢٠٢٥
في ردٍّ حازمٍ وقاطع على العمليات العسكرية الإسرائيلية المتصاعدة في غزة، أدانت مصر خطة إسرائيلية جديدة للسيطرة العسكرية الكاملة على قطاع غزة بأكمله، بما في ذلك اقتراح إقامة “منطقة عازلة” على طول الحدود المصرية. ويرى الموقف الرسمي للقاهرة أن هذه الخطوة تُشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي المصري، وتمثل انتهاكًا صارخًا لمعاهدة السلام لعام ١٩٧٩ التي شكلت أساس العلاقات بين البلدين لعقود.
وفي بيانٍ صادرٍ عن وزارة الخارجية، أدانت مصر صراحةً قرار إسرائيل، قائلةً إنه يهدف إلى “ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي للأراضي الفلسطينية، ومواصلة حرب الإبادة الجماعية في غزة، والقضاء على جميع مناحي الحياة الفلسطينية، وتقويض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير”. وصف البيان القرار بأنه “انتهاك صارخ وغير مقبول للقانون الدولي”، وحذّر من أن سياسة إسرائيل في “القتل الممنهج والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل لن تؤدي إلا إلى تأجيج الصراع وزيادة التوترات وتعميق الكراهية والتطرف في المنطقة”.
نقطة الخلاف الأبرز هي ما يُسمى “ممر فيلادلفيا”، وهو منطقة عازلة بطول 14 كيلومترًا على طول الحدود بين غزة ومصر. لطالما أعربت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن طموحها لاستعادة السيطرة على هذا الممر، بحجة أنه ضروري لمنع تهريب الأسلحة إلى غزة. لطالما رفضت مصر هذا الادعاء، وأصرت على سيادتها الكاملة على حدودها، واتخذت إجراءات واسعة النطاق لتحصينها وتدمير الأنفاق الحدودية. وقد حذّر مسؤولون مصريون من أن الوجود العسكري الإسرائيلي على طول هذه الحدود من شأنه أن ينتهك بشكل مباشر الملاحق الأمنية لمعاهدة السلام. في الأسابيع الأخيرة، أفادت وسائل الإعلام المصرية بزيادة في انتشار القوات المصرية والأسلحة الثقيلة في شبه جزيرة سيناء، وهي خطوة يرى المحللون أنها رسالة واضحة لإسرائيل مفادها أن القاهرة مستعدة للدفاع عن حدودها. ويأتي الخلاف الدبلوماسي بين البلدين وسط كارثة إنسانية متفاقمة على معبر رفح الحدودي، البوابة الوحيدة بين مصر وغزة. وقد أُغلق المعبر إلى حد كبير خلال الأشهر الأربعة الماضية منذ أن سيطر الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني، وهي خطوة ترفض مصر الاعتراف بها. وأصرت القاهرة على أن المعبر سيظل مغلقًا من جانبها طالما احتفظ الجيش الإسرائيلي بالسيطرة، لأن ذلك سيكون بمثابة تطبيع للاحتلال. وبينما أفادت وسائل الإعلام الرسمية المصرية باستئناف بعض شاحنات المساعدات التي تدخل غزة في الأيام الأخيرة، إلا أن هذا لا يزال جزءًا ضئيلًا مما هو مطلوب، وقد أدى الإغلاق المستمر أمام الناس، وخاصة أولئك الذين يحتاجون إلى إجلاء طبي، إلى خلق نقطة اختناق للإغاثة الإنسانية. وقد خلق هذا الوضع توازنًا دقيقًا للقيادة المصرية. من جهة، تتعرض حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي لضغوط محلية ودولية مكثفة للرد بقوة أكبر على تصرفات إسرائيل والأزمة الإنسانية. ومن جهة أخرى، لمصر مصلحة في الحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل وعلاقاتها الاقتصادية المهمة. على سبيل المثال، أبرمت شركة إسرائيلية مؤخرًا صفقة غاز جديدة بقيمة 35 مليار دولار مع مصر، في إشارة إلى استمرار العلاقات الاقتصادية رغم التوترات السياسية.
محليًا، أعرب الرأي العام ووسائل الإعلام المصرية عن غضبها من تصرفات إسرائيل، ودعا بعض المعلقين إلى رد أكثر مباشرة. مع ذلك، تمسكت الحكومة بموقفها، مؤكدةً أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار الدائمين. ومع استمرار الجيش الإسرائيلي في إصدار أوامر الإجلاء ودفع المدنيين نحو الحدود المصرية، لا يزال الضغط على القاهرة لمنع تدفق أعداد كبيرة من النازحين الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء في أعلى مستوياته على الإطلاق. وقد صرّح المسؤولون مرارًا وتكرارًا بأن أي تهجير قسري سيُعتبر “خطًا أحمر”، لكن غياب رد واضح في حال تجاوز هذا الخط ترك الكثيرين يتساءلون عن كيفية تطور المشهد الجيوسياسي للمنطقة في الأسابيع المقبلة.