نيودلهي، الهند، 31 أغسطس/آب 2025
يُثير اعتماد الهند المتزايد على التجارة مع الصين قلقًا بالغًا، إذ يُشكّل ذلك سلسلة من المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية. فبينما ارتفعت التجارة بين العملاقين الآسيويين إلى مستويات غير مسبوقة، يُثير تضخم العجز التجاري لصالح الصين قلقًا ويُشكّل ضغطًا على الهند لإيجاد مسار جديد نحو الاعتماد على الذات اقتصاديًا.
اتساع الفجوة التجارية
ارتفع العجز التجاري بين الهند والصين إلى مستوى مذهل بلغ 99.2 مليار دولار أمريكي في السنة المالية 2024-2025، وهو أكبر عجز تجاري تواجهه الهند مع أي دولة أخرى. ورغم نمو صادرات الهند إلى الصين، إلا أنها تقتصر في معظمها على مجموعة محدودة من المواد الخام. في المقابل، تشمل صادرات الصين إلى الهند مجموعة واسعة من السلع النهائية والمكونات الأساسية، من الإلكترونيات والألواح الشمسية إلى الأدوية والآلات الثقيلة. هذا الخلل يعني أن الصين تُمثل جزءًا كبيرًا من إجمالي العجز التجاري للهند، مما يُشكل ضغطًا كبيرًا على احتياطياتها من النقد الأجنبي. وبينما قد تُفيد الواردات الصينية الأرخص المستهلكين الهنود على المدى القصير، فإن هذا الاعتماد يُلحق الضرر بالمصنعين المحليين الذين يُكافحون للمنافسة على الأسعار، مما قد يؤدي إلى فقدان الوظائف وانخفاض النمو الصناعي على المدى الطويل.
المخاطر الهيكلية والاستراتيجية
لا تقتصر مخاطر هذا الاعتماد المتزايد على المخاطر الاقتصادية فحسب، بل تشمل أيضًا المخاطر الهيكلية والاستراتيجية. فقد أصبحت الهند تعتمد على الصين في توفير المدخلات الأساسية في القطاعات الحيوية. على سبيل المثال، تُستورد أكثر من 80% من الخلايا الشمسية في الهند، و75% من بطاريات الليثيوم أيون، و80% من أجهزة الكمبيوتر المحمولة من الصين. يُشكل هذا الاعتماد المفرط نقطة ضعف كبيرة، حيث يُمكن للخصم استخدام التجارة كسلاح. وفي حال تصاعد التوترات، يُمكن للصين فرض قيود على تصدير هذه المواد الحيوية، مما يؤثر بشدة على اقتصاد الهند وطموحاتها الصناعية. بالإضافة إلى ذلك، يوجد خلل هيكلي لأن الصين وضعت حواجز غير جمركية على العديد من صادرات الهند التنافسية، مثل الأدوية والمنتجات الزراعية، بينما ضخّت بقوة سلعها النهائية في السوق الهندية. وقد كانت هذه مشكلة طويلة الأمد لم تتمكن الجهود الدبلوماسية من حلها.
صراع دبلوماسي جديد
أصبحت معضلة التجارة أكثر إلحاحًا بسبب الأحداث العالمية الأخيرة. فقد أجبرت الرسوم الجمركية الأمريكية على الصادرات الهندية نيودلهي على إعادة تقييم علاقاتها التجارية والسعي إلى علاقات أوثق مع شركائها في أوراسيا، بما في ذلك الصين. ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن الاعتماد على الصين ليس حلاً طويل الأجل. ويقولون إنه في حين أن العلاقة الوثيقة مع الصين قد توفر بعض الراحة على المدى القصير من التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، إلا أنها لا تعالج المشكلة الأساسية المتمثلة في اعتماد الهند المفرط على دولة واحدة للحصول على السلع الأساسية.
ويجادل الخبراء بأن الحل يكمن في التنويع الاستراتيجي. يجب على الهند مواصلة بناء قدراتها التصنيعية المحلية، كما هو موضح في مبادرة “صُنع في الهند”، وتعزيز علاقاتها التجارية مع الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان. هذا لن يقلل اعتمادها على الصين فحسب، بل سيُسهم أيضًا في بناء اقتصاد أكثر مرونة واستدامة للمستقبل.