Some Populer Post

  • Home  
  • ماذا تعرف عن نشأة النقد العربي: الجذور والتطورات الأولى
- النقد - الأدب

ماذا تعرف عن نشأة النقد العربي: الجذور والتطورات الأولى

القاهرة – مصر بقلم الناقد الكاتب المستشار / احمد المندراوي لهواة قراءة كتب النقد او من يحب الاطلاع علي ماهية النقد الأدبي العربي ، نرحب بالقارىء الكريم و نقدم سلسلة مقالات حول كل ما يتعلق بالنقد كإفادة و ثقافة يعد النقد الأدبي من أقدم الأنشطة الفكرية التي مارسها الإنسان لتقييم النصوص وتمييز الجيد منها عن […]

النقد
القاهرة – مصر
بقلم الناقد الكاتب المستشار / احمد المندراوي
لهواة قراءة كتب النقد او من يحب الاطلاع علي ماهية النقد الأدبي العربي ، نرحب بالقارىء الكريم و نقدم سلسلة مقالات حول كل ما يتعلق بالنقد كإفادة و ثقافة
يعد النقد الأدبي من أقدم الأنشطة الفكرية التي مارسها الإنسان لتقييم النصوص وتمييز الجيد منها عن الرديء. وقد نشأ النقد العربي جنبًا إلى جنب مع تطور الشعر العربي في العصر الجاهلي، حيث كان يعتمد على الفطرة اللغوية السليمة والذائقة الأدبية دون أن يكون له قواعد مكتوبة. ومع تقدم الزمن، بدأ النقد في التحول إلى ممارسة أكثر تنظيماً، خاصة في العصر العباسي، حيث دُوّنت القواعد النقدية في مؤلفات متخصصة أصبحت أساس الدراسات النقدية العربية.

 

يهدف هذا المقال إلى دراسة نشأة النقد العربي منذ بداياته الفطرية حتى مرحلة التنظير، من خلال تحليل الممارسات النقدية الأولى، وتطورها في العصور الإسلامية المبكرة، مع تسليط الضوء على أبرز النقاد والمعايير النقدية التي سادت كل مرحلة.

 

النقد العربي في العصر الجاهلي:
المحافل الشعرية والنقد الفطري:
في العصر الجاهلي، لم يكن النقد الأدبي يُمارس وفق منهج علمي، بل كان قائمًا على الذائقة الفطرية التي تكوّنت لدى العرب نتيجة احتكاكهم المستمر باللغة في أسواق الأدب مثل سوق عكاظ وذي المجاز والمجنة. وكانت هذه الأسواق بمثابة منتديات نقدية تُلقى فيها الأحكام مباشرة بعد سماع القصيدة، مما أعطى النقد طابعًا شفويًا سريعًا.

 

معايير النقد الجاهلي:
اعتمد النقد الجاهلي على مجموعة من المقاييس التي لم تكن مكتوبة، لكنها كانت متعارفًا عليها بين الشعراء والرواة، ومن أبرزها:
١- الجزالة والفصاحة: كان العرب يفضلون الألفاظ القوية الواضحة البعيدة عن الغرابة أو التكلف. وكانت أي مخالفة لهذه القاعدة تُعد عيبًا شعريًا.

 

٢- صدق العاطفة والتعبير: كان الشعر الجيد في نظر العرب هو الذي يعبر عن المشاعر الحقيقية، في حين كان الشعر المصطنع يُنتقد بشدة.

 

٣- جمال الصورة الشعرية: كانت التشبيهات والاستعارات المستوحاة من البيئة الصحراوية محل إعجاب، وكان يُنظر إلى الصور المتكررة نظرة ازدراء.

 

٤- الإيقاع الموسيقي: كان الوزن والقافية عنصرين أساسيين في النقد، وأي كسر في الوزن كان يُعد ضعفًا في القصيدة.

 

أمثلة من النقد الجاهلي:
عندما استمع النابغة الذبياني إلى شعر الخنساء قال لها: “لولا أن أبا بصير سبقك لقلت إنك أشعر الناس!”، مشيرًا إلى تفوق زهير بن أبي سلمى من حيث الحكمة والتأمل.

 

قال الأصمعي عن امرئ القيس: “إنه أول من فتح باب الشعر وأغلقه على من بعده.”، مما يعكس أهمية الابتكار في المعايير النقدية الجاهلية.

 

النقد في صدر الإسلام:
التأثيرات الدينية والأخلاقية:
مع ظهور الإسلام، بدأ النقد الأدبي يتأثر بالقيم الدينية، خاصة مع ورود آيات في القرآن الكريم تنتقد بعض أنواع الشعر، كما في قوله تعالى: “وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ” (الشعراء: ٢٢٤). ورغم ذلك، لم يُحرّم الإسلام الشعر، بل حثّ على التزامه بالقيم الأخلاقية والحق.

 

مقاييس النقد في هذه الفترة:
التعبير عن الحق والقيم الإسلامية:

أصبح الشعر الذي يدعو إلى الخير والحق أكثر قبولًا، في حين أصبح الهجاء الفاحش مستهجنًا.

الإعجاز اللغوي والبلاغي:

أصبح القرآن الكريم النموذج الأعلى للبلاغة، وبدأ يُستخدم كمرجع نقدي لقياس جودة النصوص.

وظيفة الشعر وأهدافه:
بدأ التركيز على دور الشعر في الدعوة إلى الفضيلة، وليس مجرد الترفيه أو الفخر القبلي.

 

أمثلة نقدية بارزة:
قال عمر بن الخطاب عن زهير بن أبي سلمى:
“كان لا يمدح الرجل إلا بما فيه، ولا يقول إلا الحق.”، مما يعكس التركيز على صدق المعنى.

 

رفض علي بن أبي طالب بعض الأبيات التي وجد فيها مبالغة شديدة، مما يُشير إلى حس نقدي دقيق يعتمد على الواقعية.

 

النقد في العصر الأموي:
التنافس الشعري والنقد الجدلي:
شهد العصر الأموي صراعًا أدبيًا كبيرًا بين التيارات الشعرية المختلفة، مما ساهم في تطور النقد، خاصة مع بروز ما يُعرف بـ شعر النقائض بين جرير والفرزدق والأخطل.

 

تطور النقد إلى شكل أكثر تنظيميًا:

بدأ ظهور نقاد يهتمون بتحليل النصوص الشعرية وفقًا لمعايير أكثر تفصيلًا، مثل سهولة الألفاظ وجزالة المعاني.

تطورت فكرة الموازنة الشعرية، حيث بدأ النقاد في مقارنة النصوص بشكل تحليلي، كما في موازنة الآمدي بين أبي تمام والبحتري لاحقًا.

 

النقد في العصر العباسي: من الشفوية إلى التنظير
ظهور التنظير النقدي:
يُعد العصر العباسي نقطة التحول الأهم في النقد العربي، حيث بدأ النقاد في تدوين القواعد النقدية ووضع أسس نظرية واضحة، ومن أبرز المؤلفات التي ظهرت في هذا العصر:
١- البيان والتبيين للجاحظ: تناول فيه البلاغة والفصاحة وأهمية الأسلوب الأدبي.
٢- نقد الشعر لقدامة بن جعفر: يُعد أول كتاب يُحدد عناصر نقدية منهجية، مثل المعنى واللفظ والوزن.
٣- عيار الشعر لابن طباطبا: ركّز على دراسة القيم الفنية للأوزان الشعرية والبلاغة.

 

أهم القضايا النقدية في العصر العباسي:
مفهوم الفصاحة والبلاغة: أصبحت الفصاحة مفهومًا أكثر دقة، حيث عرّفها الجاحظ بأنها “الإبانة عن المعنى بألفاظ جزلة وواضحة.”

 

التصنيف النقدي للشعراء: بدأ النقاد في تصنيف الشعراء وفق أساليبهم، مثل مدرسة الجزالة ومدرسة السهولة.

 

التأثير الفلسفي في النقد: بدأ النقد يتأثر بالفكر اليوناني، خاصة في تحليل الأسلوب والمعنى، مما جعل النقد أكثر عمقًا وموضوعية.

 

يتضح من هذا العرض أن النقد العربي لم ينشأ فجأة، بل مر بمراحل متعددة، بدأت بالنقد الفطري في العصر الجاهلي، ثم النقد الأخلاقي في صدر الإسلام، والنقد الجدلي في العصر الأموي، وأخيرًا النقد التنظيري في العصر العباسي. وقد أسهم هذا التطور في بناء تراث نقدي غني ما زال يُعد مرجعًا مهمًا حتى اليوم.

 

في المقال القادم، سنتناول مرحلة تأسيس النقد العربي، حيث سنناقش كيف تحول النقد من ممارسة انطباعية إلى علم قائم على مناهج واضحة ومدارس متعددة.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نبذة عنا

صحيفة سي جاي العربية هي واحدة من اهم اصدارات شركة Castle Journal البريطانية الدولية لانتاج الصحف والمجلات و مقرها لندن – المملكة المتحدة البريطانيه.

جميع حقوق النشر محفوظة لـ شركة Castle Journal.