لندن – المملكة المتحدة 2025-10-17
شهد سوق المعادن الثمينة موجة صعود غير مسبوقة، حيث أكمل سعر أونصة الذهب العالمي سلسلة من المكاسب لليوم الخامس على التوالي، مسجلاً أعلى مستوى تاريخي جديد عند 4279 دولار للأونصة. هذا الإنجاز يعكس تحولاً جذرياً في شهية المخاطرة لدى المستثمرين، الذين يتدافعون نحو المعدن الأصفر بحثاً عن ملاذ آمن في خضم بيئة عالمية تتسم بالضبابية والتوتر. إن هذا الارتفاع الصاروخي لم يكن عشوائياً، بل هو مدفوع بعوامل اقتصادية وجيوسياسية متداخلة، مما يجعل عبارة “الذهب يسجل رقماً قياسياً” هي العناوين الأبرز في جميع الأسواق المالية العالمية. وقد أكدت هذه القمة التاريخية دور الذهب كأفضل تحوط ضد حالة عدم اليقين المتزايدة.
العوامل الرئيسية وراء الارتفاع الصاروخي
يعود الارتفاع الكبير والمتواصل في سعر الذهب إلى مزيج من ثلاثة عوامل رئيسية، تشير مجتمعة إلى أن حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي آخذة في التصاعد:
1. التخوف من التوترات التجارية العالمية:
تُعد التوترات التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى، وخاصة الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة وبعض شركائها، الدافع الأقوى لطلب الذهب. ففرض الرسوم الجمركية المتبادلة وتجزئة سلاسل الإمداد العالمية يثير المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. عندما تزداد مخاطر السياسات التجارية، يلجأ المستثمرون إلى الذهب باعتباره أصلاً لا يرتبط بشكل مباشر بأداء العملات الرئيسية أو الأسواق المتقلبة، مما يجعله الملاذ الآمن المفضل. وقد زادت التحذيرات الأخيرة من صندوق النقد الدولي بشأن مخاطر السياسة التجارية من حدة هذا التخوف.
2. شبح الإغلاق الحكومي الأمريكي:
يُضاف إلى التوترات الاقتصادية العامل السياسي المحلي في الولايات المتحدة. فاحتمالية أو تكرار الإغلاق الحكومي الأمريكي (Government Shutdown) نتيجة خلافات حول تمويل الميزانية تزيد من حالة عدم اليقين. يعتبر الإغلاق الحكومي مؤشراً على عدم الاستقرار السياسي ويشكل تهديداً لصدور البيانات الاقتصادية الحيوية، مما يدفع المستثمرين إلى تحويل أجزاء من محافظهم نحو الذهب لتجنب التقلبات المصاحبة للأزمة السياسية. إن عدم القدرة على تمرير الميزانية يعكس حالة من الشلل في صنع القرار، وهو سيناريو يفضله الذهب.
3. توقعات خفض الفائدة من البنوك المركزية:
تلعب السياسة النقدية دوراً حيوياً. فالتوقعات المتزايدة بأن يقوم الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (Fed) والبنوك المركزية الكبرى الأخرى بـ خفض أسعار الفائدة في الفترة القادمة كانت محفزاً قوياً آخر. فعندما تنخفض أسعار الفائدة، ينخفض العائد على السندات والأدوات المالية الأخرى التي لا تحمل مخاطر (مثل الدولار)، مما يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب الذي لا يدر عائداً دورياً. انخفاض الفائدة يجعل حيازة الذهب أكثر جاذبية مقارنة بالودائع والسندات، ويزيد من قيمته كعملة تحوط ضد التضخم على المدى الطويل.
تداعيات الارتفاع التاريخي على الأسواق
إن وصول سعر أونصة الذهب إلى 4279 دولاراً له تداعيات واسعة النطاق تتجاوز سوق المعادن الثمينة:
- تحدي الدولار الأمريكي: غالباً ما يتناسب سعر الذهب عكسياً مع قيمة الدولار. يشير هذا الارتفاع القياسي في سعر الذهب إلى تزايد القلق بشأن قوة الدولار ومستقبله، خاصة في ظل التوقعات بخفض الفائدة واحتمالية لجوء بعض الدول إلى التخلص من جزء من احتياطياتها الدولارية.
- زيادة الإقبال من البنوك المركزية: استمرت البنوك المركزية حول العالم في تعزيز احتياطياتها من الذهب بمعدلات قياسية خلال الفترات الماضية. هذا الشراء المؤسساتي الضخم يمثل طلباً هيكلياً قوياً يدعم الأسعار ويؤكد على دور الذهب كأصل احتياطي أساسي.
- الضغط التضخمي: يرى بعض المحللين أن الارتفاع المستمر للذهب يشير إلى توقعات المستثمرين بتفاقم التضخم في المستقبل. فالذهب يُعد تحوطاً تقليدياً ضد تآكل القوة الشرائية للعملات الورقية.
- سوق المجوهرات والطلب المادي: من المتوقع أن يواجه قطاع المجوهرات طلباً أكثر ضعفاً في الأسواق الحساسة للسعر، مثل الهند والصين، حيث أن الأسعار المرتفعة قد تحد من مشتريات المستهلكين.
نظرة تحليلية: هل يستمر الزخم؟
يرجح المحللون أن يواصل الذهب الحفاظ على زخمه الصعودي طالما استمرت عوامل عدم اليقين الاقتصادية والجيوسياسية:
- السيناريو الصعودي: إذا استمرت التوترات التجارية في التصاعد، وتأكدت قرارات خفض الفائدة، وإذا زادت مخاطر التضخم، فإن الذهب يمتلك مجالاً للمزيد من الارتفاع، وقد يستهدف مستويات أعلى من 4300 دولار للأونصة.
- السيناريو الهبوطي: يتطلب عكس الاتجاه تحولاً في المشهد الاقتصادي، مثل التوصل إلى حلول سريعة للنزاعات التجارية، وتلاشي شبح الإغلاق الحكومي، وتقديم إشارات واضحة من الاحتياطي الفيدرالي بأن أسعار الفائدة قد تظل مرتفعة لفترة أطول مما هو متوقع.
في الوقت الراهن، يظل التفاؤل حذراً في أسواق الأسهم، لكنه قوي جداً في سوق الذهب، مما يؤكد أن المستثمرين أصبحوا أكثر تركيزاً على حماية رؤوس أموالهم من الاضطرابات المحتملة بدلاً من السعي وراء الأرباح السريعة.
نقاط رئيسية للخبر
- الرقم القياسي: سعر أونصة الذهب يسجل أعلى مستوى تاريخي جديد عند 4279 دولاراً للأونصة.
- الزخم المستمر: الارتفاع جاء بعد خمس جلسات متتالية من المكاسب، مما يؤكد قوة الطلب.
- المحفزات الثلاثة: الارتفاع مدفوع بشكل رئيسي بـ التخوف من التوترات التجارية، وشبح الإغلاق الحكومي الأمريكي، وتوقعات خفض الفائدة.
- الملاذ الآمن: يؤكد الارتفاع دور الذهب كأفضل ملاذ آمن وأداة تحوط ضد المخاطر الاقتصادية والسياسية.
- تأثير السياسة النقدية: توقعات خفض الفائدة تقلل من تكلفة حيازة الذهب وتجعله أكثر جاذبية للمستثمرين.