النرويج – ١٢ أغسطس ٢٠٢٥
في خطوة قوية وغير مسبوقة إلى حد كبير، أعلن صندوق الثروة السيادية النرويجي، الذي تبلغ قيمته تريليوني دولار أمريكي، وهو الأكبر في العالم، إنهاء جميع عقود إدارة الأصول مع المؤسسات المالية الإسرائيلية، وبدأ ببيع حصصه في عدد من الشركات الإسرائيلية. يأتي هذا القرار ردًا مباشرًا على ما وصفته إدارة الصندوق بـ”أزمة إنسانية خطيرة” في غزة والضفة الغربية، ويمثل تصعيدًا كبيرًا في استخدام الاستثمار الأخلاقي لممارسة الضغط السياسي والاقتصادي. ومن المتوقع أن تكون لهذه الخطوة عواقب دبلوماسية واقتصادية واسعة النطاق، وقد قوبلت بغضب شديد من الحكومة الإسرائيلية.
صندوق التقاعد الحكومي العالمي (GPFG)، كما يُعرف رسميًا، هو كيان مالي ضخم يمتلك حوالي ١.٥٪ من جميع الأسهم المتداولة علنًا عالميًا. يدير الصندوقَ شركةَ إدارةِ استثماراتِ البنكِ النرويجي (NBIM)، ويعملُ وفقًا لمبادئَ أخلاقيةٍ صارمةٍ وضعتها الحكومةُ النرويجية، والتي تحظرُ الاستثماراتِ التي تُسهمُ في انتهاكاتٍ جسيمةٍ لحقوقِ الإنسان، أو فسادٍ جسيم، أو أضرارٍ بيئيةٍ جسيمة. في السنواتِ الأخيرة، استخدمَ الصندوقُ نفوذَهُ الهائلَ للتخلّصِ من شركاتٍ متورطةٍ في مجموعةٍ من الأنشطةِ المثيرةِ للجدل، من تصنيعِ الأسلحةِ إلى إنتاجِ التبغ.
يأتي قرارُ إنهاءِ العقودِ مع جميعِ مديري الأصولِ الإسرائيليين وبيعِ حصصٍ في عدةِ شركاتٍ عقبَ مراجعةٍ عاجلةٍ بدأتِ الأسبوعَ الماضي. وقد نتجَت هذه المراجعةُ عن تحقيقٍ صحفيٍّ كشفَ عن امتلاكِ الصندوقِ حصةً في شركةِ محركاتِ طائراتٍ إسرائيليةٍ تُزوّدُ الجيشَ الإسرائيليَّ، الذي يُشاركُ في حملةٍ عسكريةٍ مُستمرةٍ ومُدمرةٍ على غزة. وقد كثّفَ هذا الكشفُ الضغطَ الشعبيَّ والسياسيَّ على الحكومةِ النرويجيةِ لاتخاذِ موقفٍ أكثرَ حسمًا ضدَّ تصرفاتِ الجيشِ الإسرائيلي. وصرحَ الرئيسُ التنفيذيُّ للصندوق، نيكولاي تانجن، بأنَّ الصندوقَ يبيعُ استثماراتِه في 11 شركةً إسرائيليةً غيرَ مُدرجةٍ في مؤشرِ وزارةِ الماليةِ النرويجيةِ القياسي، وأنَّ استثماراتِهِ في إسرائيلَ ستقتصرُ في المستقبلِ بشكلٍ صارمٍ على تلكِ الشركاتِ المُدرجةِ في ذلك المؤشر. تُمثل العقود المُلغاة والأسهم المُتخارجة ضربةً ماليةً ورمزيةً كبيرة. وبينما لم يُكشف عن القيمة الإجمالية للأسهم المُتخارجة، قُدّرت قيمة استثمارات الصندوق في الشركات الإسرائيلية بنحو ملياري دولار أمريكي بنهاية العام الماضي. والأهم من ذلك، يُشير القرار إلى تحولٍ كبير في كيفية تفسير صندوق الاستثمار العام النرويجي لمبادئه الأخلاقية، ويُوجّه رسالةً قويةً إلى المجتمع الدولي. وذكر بيان الصندوق أن هذه الإجراءات جاءت استجابةً “لظروفٍ استثنائية”، مُشيرًا إلى أن “الوضع في غزة يُمثّل أزمةً إنسانيةً خطيرةً… وأن الأوضاع في الضفة الغربية وغزة قد تدهورت مؤخرًا”. وأشاد وزير المالية النرويجي ينس ستولتنبرغ بالإجراء السريع، مُؤكدًا أن المبادئ الأخلاقية للصندوق “تنصّ على عدم استثماره في شركاتٍ تُساهم في انتهاكات الدول للقانون الدولي”. وكان رد فعل الحكومة الإسرائيلية حادًا ومُدينًا. ووصف مُتحدثٌ باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية هذه الخطوة بأنها “وصمة عارٍ أخلاقية” على النرويج، و”استعراضٌ سياسيٌّ” لن يُؤثّر على قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها. أعربت المؤسسات المالية الإسرائيلية وقادة الأعمال عن قلقهم أيضًا، وحذر البعض من أن القرار قد يشكل سابقة لصناديق ومؤسسات أوروبية أخرى لتحذو حذوها، مما يؤدي إلى مقاطعة اقتصادية أوسع. ومع ذلك، قلل بعض المحللين في إسرائيل من أهمية هذه الخطوة، مشيرين إلى أنه على الرغم من أهميتها الرمزية، إلا أن تأثيرها المالي الفعلي ضئيل.
إن خطوة صندوق الثروة النرويجي ليست حدثًا معزولًا. فهي تأتي في أعقاب موجة متزايدة من الانتقادات الدولية لسلوك الحكومة الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية. كما يأتي قرار الصندوق في أعقاب اعتراف النرويج، إلى جانب إسبانيا وأيرلندا، رسميًا بدولة فلسطين، وهي خطوة تؤكد بشكل أكبر على تحول الموقف الدبلوماسي للبلاد. ويمثل إنهاء هذه العقود وسحب الاستثمارات من شركات محددة خطوة ملموسة وقوية في هذا الاتجاه، تتجاوز مجرد التصريحات الدبلوماسية إلى التأثير المباشر على الأسواق المالية. ومع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، فمن المرجح أن تشتد الضغوط على الدول الأخرى والمؤسسات المالية الكبرى لكي تحذو حذو النرويج، مما يجعل هذا القرار بمثابة لحظة فاصلة محتملة في الاستجابة العالمية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.