لندن، المملكة المتحدة – 27 سبتمبر 2025

تعزيز السيادة والأمن المشترك: الدور المصري في تأمين الملاحة الدولية وحماية قناة السويس

في قلب مضيق تيران، الشريان الحيوي لخليج العقبة والبحر الأحمر، تقف جزيرتا تيران وصنافير كنقطة ارتكاز استراتيجية للأمن الإقليمي. تعكس إدارتهما اليوم نموذجاً فريداً لـ التعاون الاستراتيجي العربي بين مصر والمملكة العربية السعودية. بموجب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية لعام 2017، تم الإقرار بالسيادة السعودية على الجزيرتين، ولكن تظل مصر هي الطرف المُدير لهما بناءً على طلب سعودي سابق وُضِع في الخمسينيات من القرن الماضي ولا يزال سارياً لأجل غير مسمى، لضمان استمرار الحماية العسكرية والأمنية في المنطقة الحيوية.

الوضع الميداني الحالي: السيطرة المصرية الكاملة والترتيبات الأمنية الجديدة

الجيش المصري يدير الجزيرتين بحكم اتفاق ودي ومُتفق عليه

بالتوافق مع الرؤية المشتركة للأمن الإقليمي، تُشير المعطيات الحالية إلى أن القوات المسلحة المصرية هي التي تتولى السيطرة الكاملة على جزيرتي تيران وصنافير. ويأتي هذا الدور في إطار التزام مصري قديم وحرص مستمر على تأمين المضيق.

 * إخلاء القوات الدولية:

في خطوة مهمة تؤكد الترتيبات الأمنية الجديدة بين الدول المعنية، تم إخلاء الجزيرتين فعلياً من عناصر قوة المراقبة متعددة الجنسيات (MFO)، وفقاً لتقارير إخبارية ودبلوماسية. وقد جاء هذا الإخلاء كجزء من تفاهمات وتعديلات في الملحقات الأمنية لمعاهدة السلام، استبدلت الوجود العسكري الدولي على الجزيرتين بترتيبات أمنية حديثة، لعل أهمها تعهدات بوضع كاميرات مراقبة وأجهزة رصد، مما يتيح للجيش المصري تولي المهام الميدانية والدفاعية على الجزيرتين نيابة عن الدولة صاحبة السيادة، لحماية المياه الإقليمية والمحلية لكلا البلدين.

 * الإدارة غير المحددة زمنياً:

لقد أكدت القاهرة في السابق أن مسؤوليتها تجاه الجزيرتين كانت بطلب من الرياض، وهي مسؤولية لا ترتبط بمدة زمنية محددة أو “مؤقتة” بالمعنى الضيق، بل باستمرار الحاجة الأمنية والترتيبات الدفاعية المتفق عليها بين الطرفين العربيين. هذه الإدارة المصرية المستمرة هي الضمانة المباشرة لحالة الاستقرار الأمني والدفاعي في الممر الملاحي الحيوي.

عبقرية الموقف المصري: حماية قناة السويس وتأمين الملاحة الدولية

الموقف الاستراتيجي الذكي والشجاع

إن الإدارة المصرية للجزيرتين في هذا التوقيت تمثل “صمّام أمان” إقليمي وتجسيداً للموقف المصري “الذكي والشجاع” الذي يوازن بين:

 * الاعتراف بالحق التاريخي:

احترام السيادة السعودية على الجزيرتين، مما يعزز أواصر الثقة والأخوة بين الدولتين.

 * حماية الأمن القومي:

ممارسة السيطرة العسكرية الميدانية الكاملة من قِبل القوات المصرية، لضمان عدم وجود فراغ أمني في المضيق الذي يتحكم في الملاحة نحو موانئ خليج العقبة.

 * تأمين الممر التجاري الأهم:

إن الحفاظ على حرية الملاحة في مضيق تيران هو حماية مباشرة وغير قابلة للتفاوض لأمن الملاحة في قناة السويس. فاستقرار الجزء الجنوبي من البحر الأحمر وتدفقه التجاري يصب في صميم المصالح الحيوية لمصر، حيث تمر نسبة كبيرة من التجارة العالمية عبر هذا الممر الذي يربط الشرق بالغرب. الوجود المصري العسكري على الجزيرتين هو الحصن المنيع الذي يضمن سيولة حركة التجارة الدولية في ظل التحديات الإقليمية المتصاعدة.

التعاون الاستراتيجي والبعد الاقتصادي (رؤية 2030)

إطار التعاون العربي المتكامل

تمثل اتفاقية ترسيم الحدود وما تلاها من ترتيبات أمنية وإدارية بين القاهرة والرياض إطاراً لـ تعاون استراتيجي عربي عميق يخدم المصالح المشتركة طويلة الأمد. هذا التعاون يشمل البعد الأمني والدفاعي وكذلك البعد الاقتصادي:

 * خلفية 2017 ودور البرلمان:

جاءت موافقة البرلمان المصري في يونيو 2017 لتؤكد الإرادة السياسية في القاهرة لاحترام الالتزامات الدولية والترتيبات الإقليمية، مما حسم الجدل القانوني والسياسي حول تبعية الجزيرتين لصالح المملكة.

مشروع نيوم:

تُشكل الجزيرتان جزءاً محورياً من المنطقة الاقتصادية الضخمة لمشروع “نيوم” السعودي، وتحديداً في منطقة “تروجينا” و”ذا لاين”. الإدارة المصرية للجزيرتين تضمن لـ “نيوم” بيئة آمنة ومستقرة لانطلاق هذه الاستثمارات العالمية، التي بدورها ستعود بالفائدة الاقتصادية على المنطقة بأسرها، بما في ذلك المناطق المصرية المطلة على البحر الأحمر.

إن استمرار سيطرة وإدارة القوات المسلحة المصرية على تيران وصنافير، نيابة عن السيادة السعودية، هو تجسيد للمسؤولية التاريخية التي تضطلع بها مصر لتأمين بوابة الملاحة الإقليمية، وتأكيد على أن الأمن القومي العربي هو كلٌ لا يتجزأ.

——————-

لندن، المملكة المتحدة (لصحيفة سي جاي العربية)