صفقة “إف-35” تضع الرياض وواشنطن على أعتاب تحالف دفاعي جديد
الرياض/ واشنطن، 15 أغسطس 2025
صفقة “إف-35” تعيد رسم خارطة السماء: الرياض وواشنطن على أعتاب تحالف دفاعي جديد
في خطوة وصفتها الأوساط السياسية والدفاعية بأنها تُعيد رسم خارطة السماء، تتجه العلاقات السعودية الأمريكية نحو مستوى جديد من التعاون الاستراتيجي، محورها صفقة طموحة للحصول على مقاتلات الشبح المتقدمة من طراز إف-35 (F-35).
هذه الصفقة، التي يتم تداول تفاصيلها بين الرياض وواشنطن، لا تتعلق بمجرد شراء طائرات، بل تمثل تحالفاً دفاعياً جديداً من شأنه أن يغير جذرياً موازين القوى والتفوق النوعي في منطقة الشرق الأوسط. تتصدر صفقة “إف-35” أجندة الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي إلى البيت الأبيض، حيث تصر المملكة على تعزيز قدراتها الأمنية بامتلاك هذه التقنية المتقدمة، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة توترات إقليمية متزايدة، مما يضع مستقبل التعاون الدفاعي الثنائي على المحك ويجعل من إف-35 نقطة محورية في الأجندة الجيوسياسية للمنطقة.
تأتي هذه التطورات في وقت تراجع فيه دور الولايات المتحدة كشريك دفاعي حصري للرياض، مما دفع المملكة إلى تنويع مصادر تسليحها نحو دول مثل الصين وتركيا.
إن إحياء المناقشات حول مقاتلات الجيل الخامس الأمريكية، والتي تعد الأكثر تطوراً في العالم، يبعث برسالة واضحة حول الرغبة المشتركة في توثيق الشراكة الاستراتيجية مجدداً، لاسيما في ظل التعهدات الاستثمارية الضخمة المتفق عليها بين البلدين والتي تهدف إلى دعم الاقتصاد الأمريكي وتحديث البنية التحتية الدفاعية السعودية ضمن رؤية 2030.
النقاط الرئيسية
المقاتلة الشبحية:
تتقدم المباحثات لشراء ما يصل إلى 48 طائرة من طراز إف-35 الشبحية، مما قد يجعل السعودية أول دولة عربية تمتلك هذه المقاتلة.
عقبة التفوق النوعي:
التحدي الأكبر للصفقة هو الحفاظ على “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل في المنطقة، وهو شرط قانوني ملزم للكونجرس الأمريكي.
عامل التطبيع:
تربط بعض الأوساط في واشنطا وصفقة الطائرات بملف التطبيع المحتمل بين السعودية وإسرائيل، رغم إصرار الرياض على ضرورة إيجاد مسار واضح للدولة الفلسطينية كشرط أساسي.
نقل التقنية والتصنيع المحلي:
تسعى السعودية لربط الصفقة بنقل جزء من تكنولوجيا التصنيع والتجميع إلى أراضيها، بالتزامن مع هدف رؤية 2030 لتوطين 50% من الصناعات العسكرية.
الخيار البديل:
تنويع مصادر السلاح السعودي ودخول مقاتلات منافسة مثل الطائرة التركية “Kaan” يضغط على الإدارة الأمريكية لتسريع الموافقة.
تطورات الصفقة والضمانات الأمريكية
تسعى المملكة العربية السعودية للحصول على طائرات إف-35 لتعزيز قدراتها الرادعة في مواجهة التهديدات الإقليمية، خاصة من إيران، وتحديث أسطولها الجوي الذي يضم حالياً طائرات “إف-15″ و”يوروفايتر تايفون”
وبحسب مصادر في البنتاجون، فإن الطلب السعودي يتقدم الآن على مستويات عليا، ويحظى بدعم الإدارة الحالية التي ترى فيه فرصة لتوثيق التحالف الاستراتيجي وخدمة المصالح الاقتصادية الأمريكية.
في المقابل، تثير الصفقة قلقاً عميقاً في دوائر الأمن القومي الأمريكية وداخل إسرائيل. فالقلق الأمريكي لا يقتصر فقط على احتمال تقويض التفوق العسكري النوعي (QME) لإسرائيل، بل يمتد ليشمل المخاوف من حصول الصين على تقنيات إف-35 الحساسة، لا سيما في ظل العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية المتنامية بين الرياض وبكين.
وقد أشار تقرير استخباراتي للبنتاجون إلى هذه المخاوف، ما يعكس التحدي الكبير الذي يواجه الصفقة في الكونغرس.
من جانبها، تدرس الإدارة الأمريكية، بقيادة وزير الدفاع، سُبل المضي قدماً في الصفقة مع وضع ضمانات أمنية صارمة. وتتضمن هذه الضمانات، على الأرجح، قيوداً على كيفية نشر المقاتلات، وتعديلات تكنولوجية تحد من قدرة الطائرة على العمل بالقرب من إسرائيل، بالإضافة إلى ضمانات بعدم انتقال التكنولوجيا إلى أي طرف ثالث.
المفاوضات الشاملة والتطبيع كشرط
تُعد صفقة إف-35 جزءاً من مفاوضات أمنية واقتصادية أوسع بين البلدين، تهدف إلى إبرام اتفاقية دفاعية شاملة تشبه المعاهدة الموقعة مع قطر. لكن الملف الأكثر تعقيداً هو الربط بين هذه الصفقة والتطبيع المحتمل مع إسرائيل.
تشير التقارير إلى أن إسرائيل أبدت موافقة مبدئية على بيع المقاتلات، لكنها تشترط ربط الصفقة بالتزام سعودي واضح وعلني بالتطبيع الكامل.
هذا الموقف يتعارض مع الإصرار السعودي، الذي أكده ولي العهد مراراً، على أن إقامة دولة فلسطينية ذات معالم واضحة هو شرط أساسي لأي تكامل إقليمي، بما في ذلك التطبيع. وبالتالي، فإن القمة المرتقبة بين القادة ستكون حاسمة في تحديد مدى إمكانية التوفيق بين هذه الشروط المتباينة.
الطيران المدني والتحول الاقتصادي
على صعيد موازٍ، يشهد قطاع الطيران المدني السعودي تعاوناً مكثفاً مع الشركات الأمريكية، بعيداً عن صفقات السلاح. ففي إطار رؤية المملكة الطموحة للتحول الاقتصادي، وقعت السعودية مذكرات تفاهم مع شركات أمريكية متخصصة في الطائرات الكهربائية العمودية (التاكسي الجوي).
هذا التعاون، الذي يشمل استثمارات بمليارات الدولارات وتصنيع ما يصل إلى 200 طائرة، يعزز من مكانة المملكة في مجال التنقل الجوي المتقدم، ويهدف إلى جعل السعودية رائدة في قطاع الطيران بالشرق الأوسط، في خطوة تمكن المواطن السعودي نحو مستقبل واعد ومستدام. يمثل هذا التوجه، الذي يتم بالتعاون مع شركات مثل “Joby Aviation”، نقلة نوعية في البنية التحتية للنقل، مما يؤكد على عمق الشراكة الاقتصادية غير العسكرية بين البلدين.
إن التحدي اليوم ليس في إتمام الصفقة، بل في إيجاد توازن دقيق يحقق الأمن الإقليمي للسعودية، ويحافظ على الالتزامات الأمريكية تجاه حلفائها التقليديين، ويمهد الطريق لشراكة استراتيجية أكثر عمقاً واستدامة.


