سنغافورة – ٢١ يوليو ٢٠٢٥
في ظلّ تحوّل ديموغرافيّ كبير تشهده سنغافورة، يتمثّل في تزايد عدد الأزواج الذين يختارون الأسر ذات الطفل الواحد، تُضطرّ الدولة إلى إعادة النظر جذرياً في نظام الدعم الذي تعتمده منذ فترة طويلة لسكانها الذين يتقدّمون في السنّ بسرعة. إنّ الاعتماد التقليدي على الهياكل الأسرية متعددة الأجيال، حيث يكون الأبناء البالغون هم مُقدّمي الرعاية الأساسيين لوالديهم المسنين، يواجه ضغطاً غير مسبوق، مما يستدعي تضافر جهود الحكومة والمجتمع للتكيّف.
تشير البيانات الحديثة إلى ارتفاع مُطرد في عدد الأسر ذات الطفل الواحد. في عام ٢٠٢٤، وصلت نسبة المقيمات المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهن بين ٤٠ و٤٩ عامًا، واللواتي أنجبن طفلًا واحدًا فقط، إلى ٢٥.١٪، مرتفعةً من ٢٢.٣٪ في عام ٢٠١٥ و١٧.٣٪ في عام ٢٠٠٥. هذا الاتجاه، المدفوع بعوامل مثل ارتفاع تكلفة المعيشة، وقلة وقت الأبوة والأمومة للأسر ذات الدخل المزدوج، وتطور القيم المجتمعية، يُفاقم من تدهور نسبة دعم كبار السن في سنغافورة. في عام ٢٠٢٤، كان هناك ما يقرب من ٣.٥ بالغ في سن العمل لكل مواطن يبلغ من العمر ٦٥ عامًا فأكثر، وهو انخفاض حاد من ٧.٤ في عام ٢٠١٠.
تحدي “٤-٢-١”:
يُنشئ هذا الاتجاه الديموغرافي ما يُطلق عليه الخبراء هيكل الأسرة “٤-٢-١”، حيث قد يكون طفل واحد مسؤولاً في النهاية عن رعاية والديه، وربما أربعة أجداد. وهذا يُلقي بأعباء بدنية ونفسية ومالية هائلة على الأطفال الوحيدين، مما يُثير مخاوف بشأن إرهاق مقدمي الرعاية وعدم كفاية الدعم المُقدم لكبار السن. في حين أن سنغافورة تتمتع بمعايير ثقافية راسخة للبر بالوالدين، فإن الجوانب العملية لهذه الديناميكية الأسرية المتطورة تُجبر على إعادة تقييم كيفية تقديم رعاية المسنين.
الاستجابة الحكومية والمجتمعية:
استجابةً لهذا التحدي المُلح، تستكشف سنغافورة نهجًا متعدد الجوانب لتعزيز نظام دعم المسنين:
* تعزيز الدعم المالي ودعم الرعاية: تُراجع الحكومة وتُحسّن باستمرار برامج تقديم المساعدة المالية لتغطية نفقات الرعاية، مثل منحة الرعاية المنزلية، التي شهدت زيادةً في دخلها الكمي والمؤهل. كما تُتاح إعانات لتدريب مُقدمي الرعاية لتزويد أفراد الأسرة بالمهارات اللازمة.
* تعزيز “الشيخوخة في المكان” بدعم المجتمع: يبقى التركيز مُنصبًا على تمكين كبار السن من “الشيخوخة في المكان” داخل مجتمعاتهم. ويشمل ذلك توسيع خدمات الرعاية المجتمعية مثل الرعاية النهارية والرعاية المنزلية، وتعزيز شبكات دعم الأحياء. ويشجع نهج “الأيادي المُساعدة المتعددة” التعاون بين الحكومة ومنظمات المجتمع والقطاع الخاص. * إعادة النظر في أدوار الأسرة و”القرابة الوهمية”: يناقش الخبراء بشكل متزايد الحاجة إلى تحول مجتمعي نحو ما يُسمى “القرابة الوهمية”، حيث قد يعتمد الأفراد بشكل أكبر على الأصدقاء والجيران وشبكات المجتمع الأوسع للحصول على الدعم، بدلاً من الاعتماد فقط على أبنائهم المباشرين. وهذا يتطلب إعادة توجيه ثقافي نحو المسؤولية الجماعية لرعاية المسنين.
* الحلول التكنولوجية والابتكار: سنغافورة رائدة في تسخير التكنولوجيا لرعاية المسنين، واستكشاف حلول المنازل الذكية، والمراقبة عن بُعد، والأجهزة المساعدة لتعزيز الاستقلالية وتسهيل الرعاية.
* تشجيع الاعتماد على الذات في سن الشيخوخة: يجري أيضًا مراجعة السياسات لتشجيع مسؤولية فردية أكبر للاستعداد المالي في سن الشيخوخة، بما في ذلك توسيع فرص الاستثمار في صندوق الادخار المركزي (CPF) وتعزيز حياة عمل أطول لكبار السن.
* معالجة فجوة مقدمي الرعاية: مع قلة عدد الأطفال الذين يتشاركون عبء الرعاية، هناك إدراك متزايد للحاجة إلى تقديم دعم أقوى لمقدمي الرعاية، بما في ذلك معالجة مشاكلهم النفسية واضطرابات مسيرتهم المهنية. في حين يُتوقع أن تظل الأسرة حجر الزاوية في دعم كبار السن في سنغافورة، فإن التغيرات الديموغرافية تتطلب تطورًا كبيرًا في كيفية تصور هذا الدعم وتقديمه. ويهدف النهج الاستباقي للدولة إلى ضمان استمرار حصول كبار السن على الرعاية والكرامة التي يستحقونها مع تقلص حجم الأسر، مما يعزز مجتمعًا أكثر مرونة وشمولًا لجميع الأعمار.