تل ابيب – اسرائيل
في مناورة دبلوماسية سريعة وحاسمة، يتواجد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في إسرائيل لإجراء محادثات تهدف إلى الحد من الأضرار الدبلوماسية الجسيمة التي نجمت عن هجمات قطر. وصل وزير الخارجية الأمريكي إلى القدس يوم الأحد، في زيارة تستغرق يومين تهدف إلى إصلاح شرخ كبير مع حليف رئيسي في الشرق الأوسط. وتُعتبر الزيارة جهداً واضحاً من إدارة ترامب لتهدئة التوترات بعد الهجوم الإسرائيلي على قادة حماس في الدوحة، وهي عملية أدت إلى نسف محادثات وقف إطلاق النار الدقيقة وأثارت إدانة دولية واسعة. وتؤكد الرحلة على التوازن عالي المخاطر الذي تواجهه واشنطن وهي تحاول الحفاظ على تحالفاتها الأساسية مع التعامل مع الديناميكيات السياسية المعقدة والمتناقضة في كثير من الأحيان في المنطقة.
توازن دقيق: إعادة تأكيد الدعم مع إيصال الاستياء
جاءت زيارة روبيو، التي تضمنت لقاءات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين كبار آخرين، بعد أيام فقط من الضربة الصاروخية الإسرائيلية في الدوحة. وبينما كان الهجوم يستهدف قيادة حماس، فقد أدى إلى مقتل مساعدين لهم ومسؤول أمني قطري، مما أثار غضب قطر وعبّر البيت الأبيض عن استيائه علانية بشكل نادر. وفي تصريح قبل رحلته، قال الوزير روبيو: “من الواضح أننا لسنا سعداء بذلك. الرئيس لم يكن سعيداً بذلك. الآن علينا المضي قدماً واكتشاف ما سيأتي لاحقاً”. وشدد على أنه رغم الخلاف، تظل العلاقة الأمريكية الإسرائيلية “قوية جداً” وأن الأهداف الأساسية لهزيمة حماس وتأمين إطلاق سراح جميع الرهائن لا تزال كما هي.
مهمة وزير الخارجية متعددة الأوجه. فمن ناحية، هو مكلف بإيصال “استياء” الرئيس ترامب من الضربة التي تم شنها دون علم مسبق من الولايات المتحدة وعرضت محادثات السلام الجارية للخطر. ومن ناحية أخرى، تعمل الزيارة كدليل قوي على دعم إسرائيل في وقت تواجه فيه عزلة دولية متزايدة، واتهامات بالإبادة الجماعية، واحتمال صدور مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو. وقد تجلى هذا التوازن الدقيق عندما زار روبيو ونتنياهو حائط البراق، في خطوة بعثت رسالة واضحة من التضامن للجمهور العالمي.
أبرز نقاط رئيسية من الزيارة
* مهمة احتواء الأضرار: الهدف الأساسي للزيارة هو احتواء التداعيات الدبلوماسية للهجوم الإسرائيلي على قطر ومنع الانهيار الكامل للعلاقات الأمريكية القطرية.
* إعادة تأكيد التحالف: مع التعبير عن الاستياء من هجوم الدوحة، أكد روبيو مجدداً الالتزام الأمريكي الثابت بأمن إسرائيل والهدف المشترك المتمثل في تفكيك حماس.
* محادثات وقف إطلاق النار في غزة على المحك: كانت نقطة رئيسية في النقاش هي تأثير الهجوم على جهود وقف إطلاق النار التي تتوسط فيها قطر ومصر والولايات المتحدة. وناقش الجانبان كيفية إعادة المفاوضات إلى مسارها الصحيح لتأمين إطلاق سراح الرهائن الـ 48 المتبقين.
* استراتيجية إقليمية أوسع: تطرقت المحادثات أيضاً إلى قضايا أوسع، بما في ذلك الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر في مدينة غزة واحتمال موجة جديدة من التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، لا سيما رداً على تحركات الدول الأوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
* مستقبل حماس: أكدت تصريحات روبيو العلنية على وجهة نظر الولايات المتحدة بأن لا يمكن السماح لحماس بالبقاء إذا كان الهدف هو تحقيق السلام، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة ستواصل دعم العمل العسكري ضد الجماعة حتى في ظل سعيها لوقف إطلاق النار.
رؤى حصرية من مصادر دبلوماسية
كشفت مصادر مطلعة على المناقشات الدبلوماسية أن المحادثات تجاوزت التصريحات العامة. فوفقاً لرؤية حصرية من مصدر دبلوماسي أمريكي، خصص جزء كبير من الاجتماع لمستقبل اتفاقيات أبراهام. فالهجوم على قطر، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة والميسّر الهادئ للاستقرار الإقليمي، قد زعزع بشكل كبير ثقة الدول العربية الأخرى. ويشير مصدرنا إلى أن القادة في الإمارات والبحرين، بينما يظلون ملتزمين باتفاقياتهم، قد أعربوا بشكل خاص عن مخاوفهم الجدية من أن مثل هذه الإجراءات الأحادية الجانب والمزعزعة للاستقرار يمكن أن تقوّض أساس الاتفاقيات.
علاوة على ذلك، تم الكشف عن أن الولايات المتحدة تدفع نحو قناة اتصال جديدة و”غير قابلة للكسر” مع إسرائيل لمنع وقوع عملية مارقة كهذه مرة أخرى. وسيتضمن هذا إنشاء خط مخصص رفيع المستوى بين البيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء لضمان إبلاغ الولايات المتحدة بأي تحركات عسكرية كبرى في المستقبل مقدماً على الأقل. كما تناولت الزيارة النقاشات الوشيكة في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الدولة الفلسطينية، وهي خطوة تخشى إسرائيل أن تؤدي إلى ضغط دولي من أجل تسوية سياسية. ويُقال إن مسؤولاً إسرائيلياً رفيعاً أعرب عن قلقه من أن الضربة على الدوحة، رغم أنها انتصار استراتيجي ضد حماس، قد زادت من تعقيد قدرتهم على حشد الدعم الدبلوماسي ضد قرار الأمم المتحدة. وتُسلط الزيارة الضوء على مدى ترابط هذه الصراعات الإقليمية، حيث يمكن لضربة عسكرية واحدة أن تخلق تأثيراً مضاعفاً على عدة جبهات دبلوماسية.