لندن، المملكة المتحدة – ١٦ – أغسطس ٢٠٢٥
في إنجازٍ يُحتمل أن يُحدث نقلةً نوعيةً في علم الأعصاب، أثبتت دراسة جديدة وجود صلة مباشرة بين انخفاض مستويات الليثيوم في الدماغ وظهور مرض الزهايمر. يُظهر البحث، الذي أجراه فريق من كلية الطب بجامعة هارفارد ونُشر في مجلة نيتشر، ولأول مرة أن الليثيوم ليس مجرد علاج للاضطرابات النفسية، بل يلعب دورًا أساسيًا في وظائف الدماغ الطبيعية. يكشف هذا الاكتشاف الرائد أن الليثيوم يُخزّن بواسطة لويحات الأميلويد السامة، وهي سمة رئيسية لمرض الزهايمر، مما يُستنزف هذا المعدن من أنسجة الدماغ وقد يُسرّع من تطور المرض. يُقدّم هذا الاكتشاف غير المتوقع اتجاهًا جديدًا لفهم كيفية بدء مرض الزهايمر، وقد يُؤدي إلى استراتيجيات مُبتكرة للفحص المُبكر والوقاية منه، مما يُنعش الأمل لدى ملايين المُصابين بهذه الحالة العصبية التنكسية المُدمرة. وجدت الدراسة، التي فحصت عينات من أنسجة المخ من أفراد متوفين بدرجات متفاوتة من الضعف الإدراكي، أن الليثيوم، من بين جميع المعادن النزرة التي خضعت للتحليل، كان المعدن الوحيد الذي أظهر مستويات متفاوتة بشكل كبير بين المجموعات. كانت المستويات مرتفعة لدى الأفراد الأصحاء إدراكيًا، ولكنها انخفضت بشكل كبير لدى المصابين بضعف إدراكي خفيف ومرحلة متقدمة من مرض الزهايمر. وتبين أن هذا النضوب يُعد من أوائل التغيرات التي تؤدي إلى المرض. كما أظهر الباحثون في نماذج الفئران أن اتباع نظام غذائي يفتقر إلى الليثيوم يُسرّع عملية الشيخوخة، مما يؤدي إلى التهاب الدماغ، وفقدان الروابط المشبكية بين الخلايا العصبية، والتدهور الإدراكي – وهي جميعها سمات مميزة لمرض الزهايمر. وتُعد تداعيات الدراسة عميقة، مما يشير إلى أن مراقبة مستويات الليثيوم في الدماغ قد تُصبح يومًا ما أداة للكشف المبكر عن المرض.
العناوين الرئيسية
* اكتشاف نضوب الليثيوم: تُثبت دراسة جديدة وجود صلة مباشرة بين انخفاض مستويات الليثيوم في الدماغ والظهور المبكر لمرض الزهايمر.
* لويحات الأميلويد تعزل الليثيوم: وجد الباحثون أن لويحات الأميلويد بيتا السامة، وهي السمة المميزة لمرض الزهايمر، ترتبط بالليثيوم، مما يؤدي إلى احتجاز هذا المعدن بفعالية واستنفاذه من خلايا الدماغ الأخرى.
* اتجاه بحثي جديد: تشير النتائج إلى مسار جديد لتطور مرض الزهايمر، مما يفتح الباب أمام استراتيجيات وقائية وعلاجية جديدة.
* نماذج الفئران تُظهر تسارعًا: في نماذج الفئران، وُجد أن اتباع نظام غذائي يفتقر إلى الليثيوم يُسرّع من أمراض الدماغ وفقدان الذاكرة، مما يؤكد دوره في تحفيز المرض.
* إمكانية الفحص المبكر: تشير الدراسة إلى أن قياس مستويات الليثيوم في الدماغ يمكن استخدامه في نهاية المطاف كأداة فحص مبكر لمرض الزهايمر.
* مركبات دوائية جديدة: حدد العلماء فئة من مركبات الليثيوم يمكنها تجنب احتجاز لويحات الأميلويد، ونجحت في استعادة الذاكرة لدى الفئران.
العلم وراء الاكتشاف وتأثيره
النتيجة الرئيسية التي توصل إليها الباحثون هي أن فقدان الليثيوم ليس مجرد نتيجة لمرض الزهايمر، بل قد يكون عاملًا سببيًا. اكتشف الفريق أنه مع بدء ترسب أميلويد بيتا في المراحل المبكرة من الخرف، فإنه يرتبط بالليثيوم، مما يقلل بشكل كبير من توافره الحيوي في الدماغ. يُضعف هذا النقص في الليثيوم وظائف أنواع أساسية من خلايا الدماغ، بما في ذلك الخلايا الدبقية الصغيرة، وهي الخلايا المناعية المقيمة في الدماغ. فبدون كمية كافية من الليثيوم، تفقد الخلايا الدبقية الصغيرة قدرتها على تحلل لويحات الأميلويد بفعالية، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من زيادة تراكم اللويحات واستنزاف الليثيوم. تُسرّع هذه العملية من تدهور وظائف الدماغ والإدراك، وقد تم تكرارها جميعًا بنجاح في نماذج الفئران.
على الرغم من استخدام الليثيوم لعقود كمُثبِّت للمزاج في حالات الاضطراب ثنائي القطب، إلا أن خصائصه العصبية الوقائية المحتملة كانت موضع اهتمام متزايد. وقد أظهرت التجارب السريرية السابقة التي استخدمت جرعات عالية قياسية من كربونات الليثيوم لعلاج مرض الزهايمر نتائج متباينة، بالإضافة إلى ارتفاع خطر الآثار الجانبية لدى المرضى المسنين. ومع ذلك، يُشير هذا البحث الجديد إلى سبيل واعد أكثر: الحفاظ على المستويات الفسيولوجية لليثيوم لمنع المرض من التفاقم. وقد تمكن الباحثون من استعادة الذاكرة لدى الفئران باستخدام مركب ليثيوم جديد مُصمَّم لتجنب تراكم لويحات الأميلويد، مما يُمهد الطريق لفئة جديدة من الأدوية التي يُمكن أن تكون فعالة وآمنة في آن واحد.
أفق جديد لعلاج الزهايمر
تُقدم هذه النتائج توجهًا واضحًا ومُقنعًا للأبحاث المستقبلية. وإذا ما تم تأكيدها في التجارب السريرية على البشر، تُشير الدراسة إلى أن اختبارًا بسيطًا للدم أو السائل النخاعي لقياس مستويات الليثيوم يُمكن أن يُمثل أداة جديدة حيوية في مكافحة مرض الزهايمر. من خلال تحديد الأفراد المعرضين للخطر مبكرًا، يمكن للأطباء التدخل بإجراءات وقائية، مثل تغييرات في النظام الغذائي أو مكملات الليثيوم منخفضة الجرعة، قبل حدوث تلف دماغي كبير. إن احتمال وجود استراتيجية وقائية، بدلاً من علاج لمرض متقدم بالفعل، يمثل نقلة نوعية كبيرة في هذا المجال. وقد أثارت الدراسة حماسًا كبيرًا في الأوساط العلمية، لكن الخبراء يحذرون من أنها لا تزال في مرحلة مبكرة من البحث. في حين أن الصلة بين الليثيوم ومرض الزهايمر أصبحت الآن أقوى من أي وقت مضى، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد الجرعة المثالية وطريقة تقديم العلاجات القائمة على الليثيوم لدى البشر، خاصة بالنظر إلى السمية المحتملة للجرعات العالية. ومع ذلك، تمثل هذه الدراسة الرائدة خطوة مهمة إلى الأمام، حيث تقدم أملًا جديدًا في أن عنصرًا بسيطًا، معروفًا منذ فترة طويلة بتأثيراته العلاجية، قد يحمل مفتاح كشف أسرار أحد أكثر أمراض عصرنا تحديًا.