حياة في ثوب الموت ام موت بين الأحياء ، في مشهد يتجاوز حدود المأساة، أصبحت مقابر غزة الملاذ الأخير لآلاف العائلات الفلسطينية النازحة، بعد أن دمر القصف الإسرائيلي المتواصل منازلهم أو اضطرهم إلى الفرار من مناطق الصراع. إن اللجوء إلى مقابر غزة، مثل تلك الموجودة في خان يونس، لا يمثل فقط كارثة إنسانية متفاقمة، بل يجسد انهياراً مروعاً لأي مقومات للحياة الكريمة، حيث يتقاسم الأحياء مساحة ضيقة مع الأموات، هرباً من الموت القادم من السماء. هذا الواقع المرير يعكس أزمة إنسانية تتعمق في القطاع، وتؤكد أن نقص المأوى الآمن بات السمة الأبرز لحياة المدنية
النقاط الرئيسية
- أزمة المأوى القاتلة: نقص المأوى الآمن يجبر مئات الآلاف من النازحين على اللجوء إلى مساحات غير صالحة للسكن، بما في ذلك المقابر والمناطق المفتوحة.
- ظروف معيشية كارثية: النازحون يعيشون في خيام بدائية بين القبور، يواجهون نقصاً حاداً في المياه الصالحة للشرب، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، مما يهدد بتفشي الأوبئة.
- المخاطر الصحية والنفسية: العيش في مناطق صحراوية ومكشوفة يزيد من مخاطر التعرض للحيوانات السامة كـ الثعابين والعقارب، فضلاً عن الآثار النفسية المدمرة على الأطفال الذين يعيشون بجوار القبور.
النازحون: هروب “من الموت إلى الموت”

تصف العائلات النازحة تجربتها بأنها هروب “من الموت إلى الموت”. ومع توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتضاؤل المناطق المتاحة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة كمناطق إيواء، لم يعد أمام الكثيرين خيارات سوى التوجه إلى الأراضي القليلة المتبقية، وأغلبها أصبح مكتظاً بالنازحين أو هو عبارة عن ساحات ومناطق صحراوية مثل المقابر.
وفي خان يونس، تروي أم محمد أبو شهلة، التي نزحت من بيت لاهيا شمالاً، المأساة لوسائل الإعلام، مؤكدة أنها لم تتمكن من إيجاد أي مكان آخر: “كل مكان نذهب إليه نجده مليئاً بالسكان. نعيش مع الأموات، والحي أصبح حاله كالميت. حتى الأطفال ما عادوا يكترثون.” هذا الاقتباس القاسي يلخص الوضع النفسي والاجتماعي للعائلات التي فقدت كل شيء، حتى مفهوم الحياة الطبيعية.
ويشير النازحون إلى أن السبب الرئيسي لاختيار المقابر هو العجز عن تحمل التكاليف الباهظة للنزوح، والتي تصل في بعض الأحيان إلى آلاف الشواقل لاستئجار المواصلات وشراء خيمة ومساحة أرض. وقد أدى ارتفاع الطلب على المأوى إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، مما دفع العائلات الأكثر فقراً إلى نصب خيامها البدائية بين شواهد القبور، في مكان لا يُطلب منهم فيه دفع أي رسوم.
كارثة إنسانية تتفاقم
تؤكد التقارير الإنسانية أن الأزمة الإنسانية تتفاقم وتتخذ أشكالاً غير مسبوقة. فبالإضافة إلى الخطر المستمر للقصف الذي لا يستثني المقابر أحياناً، يواجه المدنيون النازحون في هذه المناطق ظروفاً معيشية بشعة:
- نقص المياه والصرف الصحي: لا تتوفر أي خدمات أساسية في هذه المواقع. يضطر الأطفال والنساء إلى قطع مسافات طويلة تصل إلى أربعة كيلومترات يومياً للحصول على كميات ضئيلة من المياه غير المضمونة النظافة. وغياب الصرف الصحي يزيد من خطر تفشي الأوبئة والأمراض بشكل كبير، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
- مخاطر البيئة القاسية: أشار النازحون إلى أن وجودهم في مناطق صحراوية ومكشوفة يعرضهم لمخاطر الثعابين والعقارب، مما يضيف خطراً حقيقياً ومباشراً على حياة الأطفال.
- الضرر النفسي: العيش بجوار الموتى ووسط القبور يترك آثاراً نفسية عميقة ومستدامة، لا سيما على الأطفال الذين يواجهون مفاهيم الموت والقبر في حياتهم اليومية، في مشهد يعكس الانتهاك الكامل لحقوق الطفولة.
إن استمرار عدم توفر المأوى الآمن والمناسب للسكن يدفع بالسكان إلى حافة الهاوية، حيث باتت المقابر رمزاً لليأس والمأساة الإنسانية التي لا تجد لها حلاً على الرغم من الدعوات والجهود الدولية المتكررة لضمان تدفق المساعدات وتوفير مناطق إيواء ملائمة. وتستمر منظمات الإغاثة الدولية في التأكيد على أن الوضع في القطاع “كارثي” ويستدعي تدخلاً فورياً واسع النطاق.


