انقرة – تركيا 2025-10-17
كشفت الحكومة التركية مؤخراً عن مشروع موازنة عام 2026، والذي يرسم خريطة طريق اقتصادية تتسم بـ الحذر الشديد والواقعية في ظل استمرار الضغوط التضخمية. وأظهر المشروع أن تركيا تتوقع نمواً محدوداً في العام المقبل، فيما تبقى الأولوية المطلقة للسياسة الاقتصادية هي احتواء التضخم والسيطرة على الأسعار. هذا التوجه الجديد يمثل استمراراً للتحول الاقتصادي الذي بدأته أنقرة بالعودة إلى سياسات نقدية تقليدية أكثر صرامة، بعيداً عن التركيز على النمو بأي ثمن. وتعتبر هذه “الموازنة التركية 2026” دليلاً على أن الحكومة باتت حذرة تجاه التضخم، وتفضل الاستقرار على المدى الطويل على حساب المكاسب السريعة، مما يرسل رسالة واضحة للمستثمرين حول التزام تركيا بالانضباط المالي والنقدي.
أولاً: الأهداف الرئيسية لمشروع موازنة 2026
تُعد موازنة 2026 جزءاً من البرنامج الاقتصادي متوسط المدى لتركيا (MTP)، وتتمحور حول ركائز أساسية تهدف إلى تحقيق التوازن بين النمو ومكافحة التضخم.
1. النمو المحدود والواقعي:
- التوقعات المتواضعة: تتوقع الحكومة تحقيق معدل نمو محدود للناتج المحلي الإجمالي في عام 2026 (عادة ما يكون هذا النمو في حدود 3-4% في الموازنات الحالية). هذا التوقع المنخفض نسبياً مقارنة بالأهداف السابقة يعكس الإقرار بأن تشديد السياسة النقدية (رفع أسعار الفائدة) سيكون له تأثير تباطؤ على النشاط الاقتصادي.
- النمو المستدام: يهدف التباطؤ المخطط له إلى ضمان أن يكون النمو المستقبلي أكثر استدامة وأقل عرضة لارتفاعات التضخم، من خلال التركيز على زيادة الصادرات وتحسين كفاءة الإنتاج بدلاً من الاعتماد على القروض والإنفاق المفرط.
2. الأولوية لاحتواء التضخم:
- خفض معدلات التضخم: تتوقع الموازنة انخفاضاً تدريجياً في معدلات التضخم السنوية (يتم تحديد نسبة مستهدفة، غالباً ما تكون أقل بكثير من المعدلات الحالية). هذا التوقع مرهون باستمرار البنك المركزي في سياسته المتشددة، والتي تتضمن الحفاظ على أسعار فائدة حقيقية مرتفعة.
- الإنفاق المقيد: يشير المشروع إلى التزام حكومي بـ تقييد الإنفاق العام غير الضروري وتخفيض العجز في الموازنة، مما يقلل من الضغوط التضخمية الناتجة عن الإنفاق الحكومي المفرط.
3. الانضباط المالي:
- هدف العجز: تضع الموازنة هدفاً واضحاً لنسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي (من المتوقع أن يكون مستهدفاً أقل من 3% أو 4%)، لضمان استقرار الدين العام وتقليل الحاجة للاقتراض الخارجي.
ثانياً: التحديات الجوهرية للنموذج الاقتصادي التركي
تواجه الموازنة الجديدة تحديات هيكلية كبيرة، تجعل تحقيق أهدافها أمراً ليس يسيراً، أبرزها:
1. الهاجس التضخمي:
لا يزال التضخم هو التحدي الأكبر. فعلى الرغم من جهود البنك المركزي، فإن التضخم المتوقع في عام 2026 قد يظل أعلى من المستهدف، مدفوعاً بـ توقعات التضخم الراسخة لدى المستهلكين والشركات، والتي يصعب كسرها بسهولة. كما أن أي صدمة خارجية (مثل ارتفاع أسعار الطاقة العالمية) يمكن أن تعيد التضخم إلى مستويات مقلقة.
2. سعر الصرف واستقرار الليرة:
ترتبط فعالية مكافحة التضخم بشكل وثيق باستقرار سعر صرف الليرة التركية. ويتطلب استقرار الليرة تدفقات مستدامة من العملة الأجنبية، سواء عبر الاستثمار الأجنبي المباشر أو الصادرات القوية، مما يستوجب الحفاظ على ثقة المستثمرين في السياسات الاقتصادية الجديدة.
3. توازن النمو والبطالة:
النمو المحدود يعني ارتفاعاً محتملاً في معدلات البطالة أو على الأقل صعوبة في خلق فرص عمل جديدة بالوتيرة المطلوبة لاستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل. وهذا التوازن بين مكافحة التضخم والحفاظ على فرص العمل هو أهم اختبار للسياسة الاقتصادية في 2026.
ثالثاً: الإجراءات المتوقعة لتعزيز الإيرادات
لتمويل العجز المحدود وتحقيق أهداف الموازنة، من المرجح أن تركز الحكومة على جبهة الإيرادات من خلال:
- زيادة كفاءة التحصيل الضريبي: تطبيق إجراءات صارمة للحد من التهرب الضريبي وتوسيع القاعدة الضريبية، خاصة على أصحاب الدخول المرتفعة وبعض القطاعات.
- تحصيل الديون الضريبية المتأخرة: استمرار برامج “هيكلة” الديون المستحقة على الشركات والأفراد وتشجيع السداد.
- الخصخصة والطروحات: قد يشمل البرنامج تسريع وتيرة بيع بعض الأصول الحكومية أو طرح حصص في شركات مملوكة للدولة، لزيادة الإيرادات غير الضريبية.
يُظهر مشروع موازنة تركيا لعام 2026 أن الحكومة قد اختارت طريقاً صعباً ولكنه حتمي، يقوم على إعطاء الأولوية للاستقرار النقدي قبل العودة إلى النمو القوي. إن نجاح هذه الموازنة سيكون رهناً بمدى قدرة البنك المركزي والحكومة على العمل بتنسيق كامل وفعال لمكافحة التضخم، مع الحفاظ على السيولة الكافية في الأسواق.
نقاط رئيسية للخبر
- التوقع الاقتصادي: تركيا تتوقع نمواً محدوداً للناتج المحلي الإجمالي في مشروع موازنة عام 2026.
- الأولوية المطلقة: الهدف الأساسي للموازنة هو احتواء التضخم والعودة إلى الاستقرار السعري.
- السياسة المالية: الموازنة تشير إلى التزام حكومي بـ الانضباط المالي وتقييد الإنفاق لخفض عجز الموازنة.
- تحدي التضخم: استمرار التحدي في كسر توقعات التضخم الراسخة في السوق التركي، رغم تشديد السياسة النقدية.
- آفاق الإيرادات: من المتوقع أن تعتمد الحكومة على زيادة كفاءة التحصيل الضريبي والحد من التهرب لتعزيز إيراداتها.