تل أبيب – إسرائيل – ١٥ أغسطس ٢٠٢٥
خطوة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش تُعتبر إهانةً صريحةً للدولة الفلسطينية
اندلعت موجةٌ من الإدانات الدولية عقب إعلان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الموافقة على مشروع استيطاني جديد وهام في الضفة الغربية المحتلة. وقد قوبلت هذه الخطوة، التي وصفها سموتريتش نفسه بأنها إجراءٌ “لدفن” فكرة الدولة الفلسطينية، بانتقاداتٍ سريعةٍ وشديدةٍ من قادة العالم والمنظمات الدولية والمدافعين عن حقوق الإنسان. وقد أدى توقيت الإعلان، في ظل التوترات المتصاعدة أصلًا في المنطقة والجهود المستمرة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، إلى تأجيج الوضع.
من المقرر بناء المستوطنة الجديدة المُعتمدة على أراضٍ ذات أهمية استراتيجية، مما يُفاقم تجزئة الأراضي الفلسطينية ويُقلل من فرص تحقيق حل الدولتين. في حين لم يُكشف رسميًا عن الموقع الدقيق للمستوطنة وحجمها، تُشير مصادر داخل الحكومة الإسرائيلية إلى أنها قد تشمل آلاف الوحدات السكنية الجديدة، مما قد يُهجّر التجمعات الفلسطينية القائمة.
أوضح وزير المالية سموتريتش، وهو شخصية قومية متشددة داخل الحكومة الإسرائيلية، نواياه في بيان صدر بعد وقت قصير من الموافقة على المشروع. وقال: “هذه خطوة حاسمة لتعزيز وجودنا في يهودا والسامرة”، مُستخدمًا الأسماء التوراتية للضفة الغربية. “سنواصل تطوير وتوسيع مجتمعاتنا، لضمان أن يصبح حلم الدولة الفلسطينية مستحيلًا”.
المجتمع الدولي يُدين القرار
لقي هذا الإعلان إدانة فورية وواسعة النطاق من المجتمع الدولي. أصدرت الأمم المتحدة بيانًا شديد اللهجة، مُؤكدةً أن جميع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتُشكل عقبة كبيرة أمام السلام. ودعا منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، إسرائيل إلى الوقف الفوري لتوسيع المستوطنات، مُحذرًا من تأثيره المُزعزع للاستقرار على المنطقة.
صرح وينسلاند قائلاً: “يُمثل هذا القرار تحديًا مباشرًا للإجماع الدولي حول حل الدولتين. كما أنه يُفاقم تآكل الثقة ويُقوّض الجهود المبذولة لتحقيق سلام عادل ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.
كما أدان الاتحاد الأوروبي هذه الخطوة بعبارات قاطعة، مؤكدًا أن المستوطنات غير قانونية ولا تساهم في أمن إسرائيل. وصرح الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بأن الاتحاد سيدرس جميع الخيارات المتاحة ردًا على استمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي.
كما أعربت الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل، عن قلقها العميق إزاء هذا الإعلان. وبينما امتنعت وزارة الخارجية الأمريكية عن وصف المستوطنات صراحةً بأنها غير قانونية، أصدرت بيانًا قالت فيه إن التوسع “يتعارض مع القانون الدولي” و”يضر بآفاق حل الدولتين”. وأشارت مصادر داخل الإدارة الأمريكية إلى أن الرئيس ترامب من المرجح أن يثير هذه القضية خلال قمته المقبلة مع الرئيس الروسي بوتين، حاثًا على تهدئة التوترات في المنطقة.
كما أصدرت عدة دول عربية إدانات شديدة اللهجة، حيث أعربت الأردن ومصر، الدولتان العربيتان اللتان تربطهما معاهدتا سلام مع إسرائيل، عن قلقهما الشديد. حذّرت وزارة الخارجية الأردنية من أن التوسع الاستيطاني سيزيد من تطرف المنطقة ويقوّض أي جهود تُبذل للتوصل إلى حل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وأعربت مصر، التي لا تزال تلعب دورًا حاسمًا في التوسط لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات إلى غزة، عن هذه المخاوف.
رد السلطة الفلسطينية
ردّت السلطة الفلسطينية بغضب على الإعلان، داعيةً إلى تدخل دولي عاجل لوقف المشروع الاستيطاني. ووصف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خطوة سموتريتش بأنها “انتهاك صارخ للقانون الدولي ومحاولة متعمدة لتخريب أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقبلية”.
وصرح عباس في خطاب متلفز: “يجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات ملموسة لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها المستمرة. سنواصل مناشدة جميع الهيئات الدولية للدفاع عن العدالة وحقوق الشعب الفلسطيني”.
كما أدانت حركة حماس، الحركة الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة، التوسع الاستيطاني، متعهدةً بمقاومة ما وصفته بـ”المشروع الاستعماري” الإسرائيلي. وأكدت الحركة التزامها بالكفاح المسلح ضد إسرائيل. التأثير على الأزمة الإنسانية في غزة
يأتي الإعلان عن مشروع الاستيطان في وقت حساس للغاية، حيث تستمر الأزمة الإنسانية في غزة في التفاقم. وقد اتهمت منظمات الإغاثة إسرائيل مرارًا وتكرارًا بعرقلة إيصال الإمدادات الحيوية إلى القطاع المحاصر. ويرى الكثيرون أن الموافقة على المزيد من التوسع الاستيطاني تُصرف الانتباه عن الاحتياجات الإنسانية العاجلة، وتُمثل استفزازًا إضافيًا قد يُفاقم التوترات ويُعيق جهود الإغاثة.
اكتسبت الرسالة المشتركة التي وقّعتها أكثر من 100 منظمة إنسانية، والتي اتهمت إسرائيل بـ”تسليح المساعدات” وعرقلة عمليات التسليم عمدًا، أهمية متجددة في ضوء إعلان سموتريتش. ويجادل النقاد بأن التركيز على التوسع الاستيطاني يُظهر تجاهلًا لرفاهية الشعب الفلسطيني، وإعطاء الأولوية للأهداف السياسية على حساب الاهتمامات الإنسانية.
التطلع إلى المستقبل
يواجه المجتمع الدولي الآن تحديًا يتمثل في كيفية الرد بفعالية على الخطوة الإسرائيلية الأخيرة. ومن المرجح أن تتزايد الدعوات إلى فرض عقوبات وإجراءات عقابية أخرى، لا سيما من الدول الأوروبية ومنظمات حقوق الإنسان. قد تُتيح القمة المرتقبة بين الرئيسين ترامب وبوتين فرصةً للقوى العالمية للضغط على إسرائيل. ومع ذلك، فإن الطبيعة المتجذرة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والدعم المحلي القوي للتوسع الاستيطاني داخل إسرائيل، يُشكّلان عقباتٍ كبيرة أمام أي حلٍّ فوري. ومن المرجح أن تتمثل الآثار طويلة المدى لهذا المشروع الاستيطاني الأخير في ترسيخ الاحتلال، وتجزئة الأراضي الفلسطينية، وانتكاسة كبيرة لآفاق التوصل إلى تسوية سلمية وعادلة للصراع. وسيكون رد فعل المجتمع الدولي في الأيام والأسابيع المقبلة حاسمًا في تحديد ما إذا كان لا يزال هناك أي أمل في حل الدولتين، أو ما إذا كان الطريق نحو السلام الشامل قد أُغلق نهائيًا.