لندن، المملكة المتحدة، ١٧ أكتوبر ٢٠
تقرير جيوسياسي وأمن مائي
إعداد: عبير المعداوي
تصاعدت أزمة نهر النيل بشكل حاد، وانتقلت من جمود دبلوماسي دام عقدًا من الزمان إلى تهديد إنساني وبيئي مباشر. في أعقاب الافتتاح الأحادي لسد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) في سبتمبر ٢٠٢٥، ألقت مصر باللوم المباشر على تشغيل إثيوبيا غير المنسق لبوابات السد في حدوث فيضان مفاجئ وشديد في أواخر الموسم، مما أدى إلى غمر الأراضي وتشريد الآلاف في كل من السودان ومصر. وقد عزز هذا الإجراء الأحادي المتهور أسوأ مخاوف القاهرة بشأن النزاع طويل الأمد والحرج، مضيفًا بُعدًا جديدًا من الخطر المادي المباشر إلى التهديد الوجودي الذي يشكله أمن مصر المائي. عناوين رئيسية
أزمة “الفيضان الصناعي”:
اتهمت مصر والسودان رسميًا إثيوبيا بـ”إدارة أحادية متهورة” لسد النهضة في أكتوبر 2025، مؤكدين أن إطلاقات المياه غير المعلنة تسببت في “فيضان متأخر من صنع الإنسان” دمر المناطق المنخفضة، لا سيما في السودان ومحافظتي المنوفية والبحيرة في دلتا النيل بمصر.
انهيار دبلوماسي شامل:
عززت الفيضانات الجمود الدبلوماسي، حيث أدانت القاهرة والخرطوم العملية غير المنسقة واعتبرتها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. ترفض إثيوبيا هذه الادعاءات، مؤكدةً أن سد النهضة قد خفف بالفعل من حدة الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة.
الأمن المائي والمخاطر التشغيلية:
تُسلط هذه الحادثة الضوء على الشاغل الأمني الرئيسي لمصر:
أن سيطرة إثيوبيا الكاملة على تدفق النيل الأزرق – سواء خلال فترات الجفاف أو ارتفاع التدفق – تُهدد استقرار بنيتها التحتية الحيوية للمياه وقطاعها الزراعي.
ميناء البحر الأحمر والتوتر الإقليمي:
كان سعي إثيوبيا المستمر والحثيث للسيطرة على البحر الأحمر عاملاً رئيسياً، مما أدى إلى تصاعد التوتر والتموضع العسكري مع جارتها إريتريا. ويرى النقاد أن هذا الطموح الجيوسياسي الأوسع مرتبط باستراتيجية للسيطرة على حوض النيل.
المؤامرة ام الإستفادة الجيوسياسية:
انتشرت رواياتٌ متداولةٌ منذ فترة طويلة في وسائل الإعلام المصرية أن إثيوبيا لديها مشروعٌ لتحويل مسار مياه النيل إلى البحر الأحمر، لبيعها لدولٍ أخرى، مع تقاريرَ اقتصادية تشير إلى تعاونٍ مع مستثمرين سعوديين وتورطٍ إسرائيليٍّ مزعوم.
و لقد أظهرت تقارير تقصي حقائق ان اثيوبيا تسعى من خلال علاقاتها مع اسرائيل على تحويل مسار النيل و بيع المياه اسوة بالنفط .. و ساهمت الصين و السعوديه و روسيا و قطر في اغلب الاستثمارات لدعم هذا المشروع و الاستفادة منه بغض النظر عما ينتج عنه من مخاطر لدول المصب ..
التحقيق الصحفي اثبت جديه اديس ابابا و مضيها قدما في تنفيذ خطوات هذا المشروع بجوار مشروع سد النهضة و الدليل لم يقام مشروع واحد يخص انتاج الكهرباء او التنمية التي تتحجج يها اثيوبيا و التي قدمت مصر خبراتها دعما لاي تنميه تخص هذه الدوله ..
الاطراف المتعاونه دائما صامتين لكن ارقام الاستثمارات التي ضخت مليارات من هذه الدول هي التي تتحدث عن نفسها و تثبت ان الامر ليس تكهنات او مزاعم صحفية بل حقيقة الأمر أنه هناك مؤامرة لسرقه مياه النيل من دول المصب و حرمانها منها بغرض البيع و الاستثمار و هذا مخالف لقوانين حماية الشعوب و الدول المطله على الانهار و المشاركة فيها .
تشير المعلومات المتوفرة حول التمويل الخارجي لسد النهضة الإثيوبي إلى أن إثيوبيا تعتمد بشكل أساسي على التمويل الداخلي (عن طريق السندات الشعبية والضرائب واقتطاع جزء من الرواتب)، مع وجود مساهمات وقروض من دول وشركات، أبرزها الصين وبعض المساهمات من رجال أعمال سعوديين.
فيما يلي ملخص لحجم مساهمات واستثمارات الدول المذكورة في سد النهضة الإثيوبي، بناءً على التقارير الدولية:
- السعودية
تبرع رجل الأعمال محمد العامودي: يُعد رجل الأعمال السعودي ذو الأصول الإثيوبية، محمد العامودي، من أكبر المساهمين، حيث بلغت قيمة تبرعاته ضمن حملة تمويل السد نحو 88 مليون دولار أمريكي تقريبًا.
بالإضافة إلى ذلك، يمتلك العامودي استثمارات ضخمة في إثيوبيا في قطاعات مختلفة (مثل الإنشاءات، الزراعة، الطاقة، والإسمنت)، ويُعتبر من أكبر المستثمرين الأجانب هناك، لكن هذه الاستثمارات هي في إثيوبيا بشكل عام، وليس كلها مخصصة مباشرة لتمويل بناء السد.
- السعودية وضعت منحة لا ترد بقيمة ٢ مليار دولار في الخزانة الإثيوبية بغرض دعم مشاريع التنمية المستدامة الزراعية و المائية ( و استخدمت لبناء سد النهضة) و لو لم تشير الاتفاقيات إلى هذا لهذا الداعم الرئيسى لبناء السد الاثيوبي و معه ثلاث سدود أخرى بفضل استثمارات و منح و تبرعات سعوديه و لرجال أعمال
- الصين
تتحمل الصين ٦٩٪ من نسبه استثمارات اثيوبيا و قدمت تكنولوجيا و خبرات لبناء السدود الإثيوبية بما ان العلاقات المتبادله الاقتصادية قوية و عليه قدمت الصين
- قروض و منح وتمويلات كبيرة: تعتبر الصين من أبرز الممّولين والمشاركين في بناء سد النهضة، خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية وخطوط نقل الطاقة الكهربائية المتعلقة بالمشروع.
- القروض والتمويلات المعروفة:
- خصص بنك الاستيراد والتصدير الصيني (Exim Bank of China) مبلغ مليار دولار أمريكي للمساعدة في بناء خطوط النقل اللازمة من وإلى أديس أبابا لخدمة عمليات بناء السد.
كما تشير بعض التقارير إلى أن القروض التي قدمتها الشركات والمصارف الصينية لتمويل خطوط إمداد الكهرباء للسد بلغت نحو 1.2 مليار دولار أمريكي.
ذكر تقرير آخر أن بنك التنمية الصيني أعلن دعمه للسد بما يصل إلى 5 مليارات دولار أمريكي، وإن كان هذا الرقم قد يشير إلى دعم عام للتنمية في إثيوبيا أو أرقام غير مؤكدة.
شاركت شركات صينية (مثل مجموعة “جه جو با” و “فويث هيدرو شنغهاي”) في تنفيذ أجزاء مختلفة من المشروع وتوريد المعدات.
- قطر
عدم وجود معلومات مؤكدة للتمويل المباشر للسد: لا تتوفر معلومات مؤكدة أو أرقام محددة حول تمويل قطري مباشر لبناء سد النهضة نفسه.
- استثمارات في إثيوبيا: هناك إشارات لوجود استثمارات قطرية في إثيوبيا تبلغ قيمتها ٢ مليارات دولار في مجالات متنوعه مثل الزراعة، ومنح مالية عامة للتنمية، لكنها لا ترتبط بشكل مباشر ومحدد بميزانية السد و لو انها تستخدمها اثيوبيا بشكل مباشر
نقاط رئيسية إضافية
- التكلفة الإجمالية للسد: قُدرت التكلفة الإجمالية لإنشاء السد بـ 4.8 مليار دولار أمريكي.حتى عام ٢٠٢٢
- الاعتماد على التمويل الذاتي: تؤكد الحكومة الإثيوبية باستمرار أن المشروع يُموّل بشكل أساسي داخليًا من خلال السندات الشعبية، وتبرعات المواطنين، والإيرادات الحكومية.و لكن الحقيقة عكس هذا و هذا ورد من الملفات التي فضحت في قضية الفساد التي أطاحت برئيس الوزراء السابق الاثيوبي تخص تمويل سد النهضة و سرقة الشعب بينما التمويل اغلبه خارجي
“الفيضان الصناعي”: خطرٌ داهم
تجسّدت العواقب المُخيفة منذ فترةٍ طويلةٍ لتشغيل سد النهضة الإثيوبي الكبير بشكلٍ دراماتيكيٍّ في أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر 2025. فبعد أيامٍ من افتتاح إثيوبيا الرسمي للسد، اندفعت مياهٌ هائلةٌ وغير مُعلنةٍ باتجاه مجرى النهر.
ألقت وزارة الموارد المائية والري المصرية باللوم رسميًا في الفيضانات الواسعة النطاق التي نتجت عن ذلك في السودان وأجزاءٍ من دلتا النيل المصرية على “السلوك الأحادي غير المسؤول” لإثيوبيا. صرحت الوزارة بأن عمليات الإطلاق المفاجئة وغير المنسقة للمياه أثقلت كاهل سد الروصيرص السوداني، وأجبرت مصر على إطلاق كميات أكبر من المعتاد من مياه السد العالي في أسوان للتحكم في الضغط، وهو إجراء أدى مع ذلك إلى غمر الأراضي الزراعية والمنازل في المحافظات الشمالية مثل المنوفية والبحيرة.
ردًا على ذلك، رفضت إثيوبيا هذا الاتهام بشدة. وزعمت وزارة المياه والطاقة الإثيوبية أن سد النهضة كان، في الواقع، يلعب دورًا مفيدًا من خلال تنظيم التدفق وتقليل ذروة الفيضان الموسمي، مجادلةً بأن الأمطار الغزيرة في المرتفعات الإثيوبية كانت ستسبب “دمارًا تاريخيًا” لولا تأثير السد المُخفف.و تجاهلت تخزينها للمياه على مدار عشر سنوات مع استمرار الملىء طمعا في المياه و اضرارا بدول المصب في لعبة جيوسياسية خطيرة منظمة مما يبرز ابعاد مؤامرة تحوط بمصر تحديدا اما منع المياه عنها او غرقها هي و السودان ..
يُبرز هذا التناقض الأزمة: فبدون اتفاق مُلزم بشأن تبادل البيانات الآنية وقواعد التشغيل، فإن أي قرار إداري من إثيوبيا، سواء بتخزين المياه أو إطلاقها، تعتبره القاهرة والخرطوم عملاً خبيثًا أو متهورًا يهدد بشكل مباشر حياة وسبل عيش مواطني دول المصب. الروايات الجيوسياسية: المياه، والموانئ، والقوى الخارجية
لطالما ارتبط النزاع على المياه بروايات جيوسياسية أوسع نطاقًا وتخمينية في المنطقة.
يُعدّ الادعاء بأن إثيوبيا تخطط لإعادة توجيه مياه النيل أو بيعها، وتحديدًا لإسرائيل عبر البحر الأحمر، نظرية راسخة في بعض الأوساط الإعلامية والسياسية المصرية. وبينما لا توجد أي مشاريع رسمية عامة لمثل هذه المبادرة، فإن الرواية الكامنة وراءها تتهم إثيوبيا باستخدام سدها في “سلوك شرير” لمنع مصر والسودان من حصتهما المائية المشروعة. وغالبًا ما ترتبط هذه الرواية بما يلي:
- التورط الإسرائيلي المزعوم: تتكرر مزاعم الخبرة الفنية والدعم السياسي الإسرائيلي لسد النهضة، والتي تُفسر في القاهرة على أنها جزء من أجندة تاريخية لتقويض الأمن المائي لمصر. وقد نفت سفارة إسرائيل في القاهرة مرارًا وتكرارًا أي تهديد للأمن المائي لمصر. و رفم النفي لكن تصريحات الرئيس الامريكي دونالد ترامب كشفت عن تداخل كبير و استغلال لو قه مياه النيل امام امور اخرى ضاغطه على القاهرة مما اكدت ان التورط الاسرائيلي موجود و مؤثر و لكنه غير معلن مما يؤكد نظرة المؤامرة
- الاستثمارات السعودية والخليجية: تنتشر تقارير تربط سد النهضة الإثيوبي الكبير بمشروع مستقبلي لنقل المياه معروض للبيع قد يشمل مستثمرين سعوديين وبنية تحتية جديدة للبحر الأحمر – في ظل سعي إثيوبيا الحثيث للوصول إلى موانئ البحر الأحمر.
التوترات مع إريتريا: السعي وراء ميناء على البحر الأحمر
يُعدّ سعي إثيوبيا الحثيث للوصول السيادي إلى البحر الأحمر جزءًا لا يتجزأ من أمنها القومي وسياستها الاقتصادية، وقد أدى هذا الطموح إلى تفاقم التوترات مع جارتها إريتريا، و الصومال و جيبوتي مما زاد من تعقيد نزاع سد النهضة الإثيوبي الكبير.
لطالما صوّر رئيس الوزراء آبي أحمد الوصول إلى البحر الأحمر كضرورة استراتيجية، بل وحتى وجودية، لإثيوبيا غير الساحلية. وقد أدى هذا الهدف إلى:
- اتفاقية أرض الصومال: مذكرة تفاهم مثيرة للجدل بين إثيوبيا ومنطقة أرض الصومال.
- المواجهة مع إريتريا: دفع السعي وراء ميناء إثيوبيا إلى شفا صراع مع إريتريا، التي تعتبر طموح إثيوبيا (الذي غالبًا ما يركز على ميناء عصب الإريتري) عملاً عدوانيًا. بدورها، سعت إريتريا إلى بناء تحالفات، لا سيما تعميق علاقاتها مع مصر والصومال، مما أدى إلى بروز تحالف جديد ومتقلب معادٍ لإثيوبيا في منطقة القرن الأفريقي. وهكذا، لم تعد أزمة النيل مجرد نزاع مائي؛ بل هي دوامة معقدة تلتقي فيها عملية سد النهضة الإثيوبي الكبير أحادية الجانب، والفيضانات المدمرة الأخيرة، وسعي إثيوبيا اليائس لإنشاء ميناء على البحر الأحمر، مما يُفاقم احتمال نشوب صراع مدمر أوسع نطاقًا عبر الانقسام الإقليمي الأفريقي العربي. لا يزال الجمود الدبلوماسي قائمًا، إلا أن بوابات الفيضان الهيدرولوجي والجيوسياسي قد فُتحت على مصراعيها.