تقرير استراتيجي حصري: “امبراطورية الذهب والدم”.. من أين يشتري حميدتي حربه؟
لندن – المملكة المتحدة البريطانية
بقلم: وحدة التحقيقات الاستراتيجية في CJ Global- CJ العربيه
حرب الذهب و الدم ، كيف تحول “مثلث الجوار” إلى شريان حياة للميليشيا؟
بينما يحترق السودان للأسبوع المائة على التوالي، يبرز سؤال المليون دولار الذي يحير المراقبين:
كيف تستطيع قوة شبه عسكرية (الدعم السريع) مواصلة حرب استنزاف باهظة التكلفة ضد جيش نظامي يمتلك سلاح الجو والمدفعية الثقيلة؟
الإجابة لا تكمن في الخرطوم، بل في شبكة عنكبوتية معقدة تمتد من مناجم الذهب في دارفور، مروراً بمطارات غامضة في تشاد وصحراء ليبيا، وصولاً إلى بنوك وعواصم إقليمية ودولية. Castle Journal تفتح الملف الأخطر، وتكشف بالأسماء والوقائع عن “الرعاة الرسميين” لهذه الحرب، ودور القوى العظمى في إدارة الفوضى بدلاً من إنهائها.
أبرز محاور التقرير (Headline Points):
خزينة الحرب:
حميدتي يدير “دولة داخل الدولة” معتمداً على تهريب الذهب من “جبل عامر” عبر قنوات دولية توفر له السيولة النقدية لشراء الولاءات والسلاح.
الجسر الجوي التشادي:
مطار “أم جرس” يتحول من نقطة إنسانية إلى مركز لوجستي عسكري، وتقارير تؤكد وصول طائرات شحن مشبوهة تحت غطاء المساعدات.
العمق الليبي:
حفتر يؤمن الممر الشمالي، والوقود والسلاح يتدفقان عبر الصحراء لفك خناق الدعم السريع في شمال دارفور.
اللغز الإماراتي:
اتهامات أممية وغربية مباشرة لأبوظبي بتقديم دعم عسكري نوعي، والخرطوم تقدم أدلة بمقذوفات حديثة وجدت في الميدان.
الدور الجزائري المغاير:
الجزائر تقود جبهة دبلوماسية مضادة لدعم “شرعية الدولة” ووقف التدخلات، وتدخل في صراع نفوذ صامت مع المعسكر الداعم للميليشيا.
النفاق الدولي:
واشنطن وموسكو تديران “صراع نفوذ” على البحر الأحمر، حيث تفضلان “اللاحرب واللاسلم” لضمان مصالحهما الاستراتيجية الطويلة الأمد.
أولاً: من أين يأتي المال؟ (مسار الذهب)
العمود الفقري لقوات الدعم السريع ليس عقائدياً، بل مالي. تسيطر عائلة دقلو (حميدتي وإخوانه) على مناجم الذهب في جبل عامر ومناطق أخرى في دارفور.
تشير التحقيقات إلى أن هذا الذهب لا يمر عبر القنوات الرسمية، بل يتم تهريبه وتسييله في أسواق الذهب العالمية (عبر دبي غالباً وفقاً لتقارير “غلوبال ويتنس”). هذه العائدات المليارية تودع في شبكة من الشركات الوهمية والحسابات الخارجية، مما يمنح حميدتي القدرة على دفع رواتب “المرتزقة” القادمين من غرب أفريقيا، وشراء أحدث منظومات التشويش والمسيرات من السوق السوداء العالمية.
ثانياً: مثلث الإمداد (تشاد – ليبيا – الإمارات)
المعادلة العسكرية تغيرت بفضل خطوط الإمداد المفتوحة عبر الحدود الغربية والشمالية الغربية:
الدور الإماراتي (الاتهام الأبرز):
أشار تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة وتقارير صحفية (نيويورك تايمز، الغارديان) بشكل متكرر إلى دور الإمارات العربية المتحدة. الاتهامات تتحدث عن تمويل وشحن عتاد عسكري متطور (مسيرات، صواريخ مضادة للدروع، وعربات مصفحة). الحكومة السودانية قدمت شكاوى رسمية في مجلس الأمن تتهم فيها أبوظبي بأنها “الكفيل الإقليمي” للميليشيا، وهو ما تنفيه الإمارات رسمياً وتؤكد أن دورها إنساني بحت.
تشاد (بوابة العبور):
تشاد، وتحديداً مطار “أم جرس” النائي، تلعب دور “الرئة” التي يتنفس منها الدعم السريع. تحت غطاء المساعدات الإنسانية للاجئين، رصدت صور الأقمار الصناعية هبوط طائرات شحن عسكرية ضخمة بشكل شبه يومي. الرئيس التشادي ، الواقع تحت ضغوط قبلية (تداخل قبيلة الزغاوة والقبائل العربية) وإغراءات مالية واستثمارية، سمح بتحويل أراضي بلاده إلى ممر لوجستي للسلاح الذي يذهب مباشرة لتغذية معارك الفاشر والخرطوم.
ليبيا (خط حفتر):
في الشمال، توفر قوات المشير خليفة حفتر ممراً آمناً عبر الكفرة والجنوب الليبي. العلاقة بين حميدتي وحفتر (وكلاهما مدعوم من نفس المحور الإقليمي ولهم علاقات بفاغنر سابقاً) تضمن تدفق الوقود والذخائر. هذا الخط كان حاسماً في تمكين الدعم السريع من حصار الفاشر لشهور طويلة.

ثالثاً: الدور الجزائري.. الجبهة المضادة
، تقف الجزائر في معسكر آخر. الجزائر الحائرة ذو الوجهين ؛ وجه دعم قوات الدفع السريع و تسلحه في الخفاء عبر الجماعات المسلحة عن طريق مالي و تشاد و وجه تدعم الجيش السوداني و هذا لانها تخشى من انتقال عدوى الفوضى والميليشيات إلى حدودها الجنوبية، وعلاقتها المتوترة مع المحور (الإماراتي-المغربي-حفتر)، تدعم كلا الفريقين احدهم علنا المؤسسة العسكرية الرسمية” و الاخر خفيه و في النهاية تدعي انها تسعى للحفاظ على وحدة الدولة السودانية
الجزائر تستخدم مقعدها في مجلس الأمن وثقلها في الاتحاد الأفريقي لعرقلة الدعم المقدم لحميدتي، وتضغط لوقف التدخلات الخارجية، مما يجعلها في “حرب باردة” دبلوماسية مع الدول الداعمة للدعم السريع.لكنها ايضا من تسهل وصول الاسلحة و توفير المرتزقه الافارقه من عبر اراضيها الى ليبيا ثم السودان
رابعاً: مذبحة الفاشر.. النتيجة الحتمية
السلاح الذي تدفق عبر تشاد وليبيا بتمويل خارجي هو المسؤول المباشر عن مذبحة الفاشر الأخيرة. الحصار المحكم، والقصف المدفعي الدقيق، واستخدام المسيرات الهجومية، كلها قدرات لا تملكها ميليشيا عادية محاصرة. التقارير تؤكد أن “غرفة عمليات” متطورة تدير معركة الفاشر، مستفيدة من الإمدادات اللوجستية لكسر شوكة الجيش وحركات الكفاح المسلح في دارفور، بهدف إعلان “دولة الأمر الواقع” في الغرب.
خامساً: القوى العظمى (أمريكا وروسيا).. الحل أم الاحتلال؟
هل يريد الكبار حلاً؟ الواقع الجيوسياسي يقول عكس ذلك:
روسيا (اللعب على الحبلين):
روسيا براغماتية إلى أقصى حد. قوات “الفيلق الأفريقي” (فاغنر سابقاً) لديها علاقات تاريخية مع حميدتي (حراسة الذهب). لكن الكرملين يغازل البرهان الآن للحصول على “قاعدة بحرية” في بورتسودان. روسيا لا تريد إنهاء الحرب بقدر ما تريد ضمان مصالحها، وهي مستعدة للتعامل مع المنتصر أياً كان.
الولايات المتحدة (إدارة الفوضى):
واشنطن ترفع شعارات الديمقراطية، لكن استراتيجيتها الحالية تبدو وكأنها تهدف لـ “إنهاك الطرفين”. الولايات المتحدة تخشى انتصاراً ساحقاً للجيش (الذي تتهمه بالتحالف مع الإسلاميين)، وتخشى انتصار حميدتي (الذي يعني فوضى وميليشيات). لذا، تكتفي ببيانات القلق والعقوبات غير المؤثرة. الهدف الأمريكي الحقيقي ليس “الحل الجذري”، بل منع روسيا والصين من الانفراد بالسودان، وضمان ألا يهدد الصراع أمن البحر الأحمر، حتى لو استمرت الحرب لسنوات.
الخلاصة: السودان ضحية موقعه وثرواته
في الختام، حرب السودان ليست حرباً أهلية فحسب، بل هي حرب بالوكالة بامتياز. حميدتي هو “رأس الحربة” لمشروع يهدف للسيطرة على موارد السودان وموقعه. وبينما تتصارع الأفيال الإقليمية والدولية، يداس العشب السوداني، ويواجه الشعب خطر التقسيم والجوع. الحل لن يأتي إلا بقطع “شريان الإمداد” القادم من الحدود، وهو قرار لا يبدو أن المجتمع الدولي مستعد لاتخاذه حتى الآن.



