لندن – المملكة المتحدة 2025-10-17
في إشارة إيجابية تعكس مرونة الاقتصادات الإقليمية وجهودها المتواصلة للإصلاح والتنويع، أعلن صندوق النقد الدولي (IMF) عن رفع تقديراته لنمو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، لتصل إلى معدل متوقع قدره 3.7%. يمثل هذا التعديل تصحيحاً لافتاً للآفاق الاقتصادية في المنطقة، ويأتي مدعوماً بشكل رئيسي بالأداء القوي للاقتصادات النفطية وغير النفطية على حد سواء. وتتصدر المملكة العربية السعودية المشهد، حيث يتوقع الصندوق تسجيل السعودية نمواً بنسبة 4%، مما يؤكد نجاح جهودها لتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط ضمن رؤية 2030. إن هذا “النمو المتصاعد” يُظهر أن المنطقة تخطو بثبات نحو التعافي والاستقرار الاقتصادي، رغم التحديات الجيوسياسية المستمرة، ويفتح آفاقاً جديدة للاستثمار في اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أولاً: تفاصيل التعديلات وآفاق النمو الإقليمي
يعكس التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي نظرة أكثر تفاؤلاً لمستقبل المنطقة، مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل المختلفة التي تشكل المشهد الاقتصادي.
1. رفع التقديرات الإقليمية:
- المعدل الجديد 3.7%: جاء رفع التوقعات إلى 3.7% (من تقديرات سابقة أقل) ليؤكد أن المنطقة تتعافى من التداعيات الاقتصادية العالمية وتستفيد من استقرار أسعار الطاقة على المدى المتوسط، إضافة إلى زخم الإصلاحات الهيكلية.
- محرك النمو غير النفطي: يشير الصندوق إلى أن الجزء الأكبر من هذا النمو المتوقع سيأتي من القطاع غير النفطي، مدفوعاً بزيادة الإنفاق الحكومي على البنية التحتية والمشاريع الضخمة في دول مجلس التعاون الخليجي، وانتعاش قطاعات السياحة والتصنيع في دول شمال أفريقيا.
- دور الاستثمار: تساهم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تستهدف قطاعات جديدة مثل التكنولوجيا الخضراء والذكاء الاصطناعي، في دعم معدلات النمو وزيادة الإنتاجية الإقليمية.
2. التباين بين الاقتصادات:
لم يقتصر التعديل على معدل نمو موحد، بل أشار الصندوق إلى تباين كبير بين دول المنطقة:
- الدول المصدرة للنفط: استفادت من تحسن شروط التجارة بفضل أسعار النفط، وأظهرت تقدماً كبيراً في تنفيذ برامج التنويع الاقتصادي.
- الدول المستوردة للنفط: لا تزال تواجه تحديات مرتبطة بارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والغذاء، بالإضافة إلى مستويات الدين المرتفعة، مما يجعل نموها أقل قوة وأكثر اعتماداً على الإصلاحات الصعبة (مثلما هو الحال في مصر وتونس).
ثانياً: الأداء السعودي: قاطرة النمو الإقليمي
يبرز الاقتصاد السعودي كقاطرة للنمو في المنطقة، حيث يؤكد توقع صندوق النقد الدولي بنسبة 4% على نجاح مسار التحول الاقتصادي للمملكة.
١. دعم رؤية 2030:
- تنويع مصادر الدخل: جاء النمو بنسبة 4% مدفوعاً بالانتعاش القوي في الأنشطة غير النفطية، بما في ذلك قطاعات الخدمات والسياحة والترفيه والعقارات. ويعكس هذا التحول نجاح الاستراتيجية الهادفة لتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية.
- المشاريع الضخمة (Giga Projects): يساهم الإنفاق الحكومي السخي على المشاريع الضخمة (مثل نيوم والبحر الأحمر) في خلق وظائف جديدة وتحريك عجلة الاستثمار الداخلي، مما ينعكس إيجاباً على الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.
- الطاقة الإنتاجية: على الرغم من قيود إنتاج النفط التي فرضتها أوبك+ للحفاظ على استقرار السوق، فإن قطاع الطاقة يتمتع بمرونة كبيرة، مما يسمح للمملكة بالحفاظ على استقرار إيراداتها.
2. الاستثمار والإنفاق:
أشارت التعديلات إلى أن المملكة تواصل سياستها المالية التوسعية، التي تركز على الاستثمار في المستقبل. هذا الإنفاق يولد طلباً قوياً محلياً، وهو ما يدعم الشركات الخاصة ويشجعها على التوسع والنمو، مما يخلق حلقة إيجابية للنمو.
ثالثاً: التحديات والمخاطر التي تهدد التوقعات
على الرغم من التفاؤل العام، حذّر صندوق النقد الدولي من أن هذه التوقعات لا تخلو من مخاطر.
- الاضطرابات الجيوسياسية: لا تزال التوترات والصراعات الإقليمية هي الخطر الأكبر، حيث يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في أسعار الطاقة، أو تعطيل طرق التجارة، أو خفض ثقة المستثمرين، مما يفرض ضغوطاً على النمو المتوقع.
- السياسة النقدية العالمية: استمرار حالة عدم اليقين بشأن مسار أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة، وخاصة في الولايات المتحدة، قد يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، مما يرفع تكلفة الاقتراض ويضغط على العملات المحلية.
- التضخم وديون الدول غير النفطية: تواجه العديد من الدول في المنطقة تحديات في إدارة مستويات التضخم المرتفعة والديون السيادية المتراكمة، خاصة في ظل صعوبة تنفيذ إصلاحات صعبة (مثل رفع الدعم).
إن رفع توقعات النمو الإقليمي من صندوق النقد الدولي يبعث برسالة قوية حول الفرص الكامنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويؤكد على أن الإصلاحات الهيكلية هي المفتاح لتحقيق النمو المستدام.
نقاط رئيسية للخبر
- تعديل التقديرات: صندوق النقد الدولي يرفع توقعات النمو لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 3.7%.
- القيادة السعودية: يتوقع الصندوق تسجيل السعودية نمواً بنسبة 4%، مدفوعاً بقطاعها غير النفطي والإنفاق على المشاريع الضخمة.
- القطاع غير النفطي: النمو الإقليمي مدعوم بشكل رئيسي بزخم الاستثمارات والإنفاق في القطاعات غير النفطية.
- المخاطر الرئيسية: لا تزال التوترات الجيوسياسية وعدم اليقين بشأن أسعار الفائدة العالمية تمثل أكبر المخاطر التي تهدد التوقعات.
- التحدي المزدوج: الدول المستوردة للنفط تواجه تحدي إدارة التضخم وديون العملة الصعبة.