Some Populer Post

  • Home  
  • تاريخ القصة القصيرة العربية: نشأتها وتطورها وكتّابها
- النقد - الأدب

تاريخ القصة القصيرة العربية: نشأتها وتطورها وكتّابها

وإذا كانت القصة القصيرة في الغرب قد نشأت مبكرًا مع أعلام مثل إدغار آلان بو وتشيخوف وموباسان، فإنها في السياق العربي تأخرت قليلًا، لكنها سرعان ما أثبتت حضورها وانتشرت بقوة، وأفرزت أسماء لامعة طبعت هذا الفن بطابعها الخاص. تهدف هذه الدراسة إلى تتبع مسار القصة القصيرة العربية منذ نشأتها، مرورًا بمراحل تطورها، وصولًا إلى أبرز […]

IMG 9364
تعد القصة القصيرة أحد أبرز الأجناس الأدبية التي عرفت تطورًا حيويًا ومتصاعدًا في الأدب العربي الحديث والمعاصر. وقد ارتبطت نشأتها بعملية التحديث الثقافي التي شهدها العالم العربي في القرن التاسع عشر، وكانت استجابة لتحولات اجتماعية وسياسية وفكرية واسعة.

وإذا كانت القصة القصيرة في الغرب قد نشأت مبكرًا مع أعلام مثل إدغار آلان بو وتشيخوف وموباسان، فإنها في السياق العربي تأخرت قليلًا، لكنها سرعان ما أثبتت حضورها وانتشرت بقوة، وأفرزت أسماء لامعة طبعت هذا الفن بطابعها الخاص.

تهدف هذه الدراسة إلى تتبع مسار القصة القصيرة العربية منذ نشأتها، مرورًا بمراحل تطورها، وصولًا إلى أبرز كتّابها وإشكالاتها الفنية، مركّزة على التحولات البنيوية والجمالية التي طرأت عليها، وعلاقتها بالتحولات الاجتماعية والفكرية التي واكبتها.

أولًا: نشأة القصة القصيرة العربية: الإرهاصات الأولى:
لم تعرف الثقافة العربية في تراثها القديم جنس القصة القصيرة بالمعنى الفني المعروف اليوم، وإن كانت تمثلته عبر أشكال سردية متعددة مثل: المقامات، والحكايات الشعبية، والنوادر، وأخبار العرب، وحكايات ألف ليلة وليلة. لكنها لم تكن تحمل الخصائص الفنية للقصة القصيرة الحديثة من حيث وحدة الحدث، والتكثيف، والانطباع الأخير، وبناء الشخصيات.

مع بداية عصر النهضة في القرن التاسع عشر، بدأ الأدب العربي يشهد تفاعلات مع الأدب الأوروبي، خاصة الفرنسي والإنجليزي، عن طريق البعثات والترجمة. وقد ظهرت أولى المحاولات القصصية في المجلات والصحف، وكان الهدف منها في الغالب تعليميًا أو وعظيًا. ومن أوائل من كتبوا ما يمكن اعتباره بدايات القصة القصيرة:

محمد المويلحي في مصر.
ثم لاحقًا زكي مبارك ومحمد تيمور الذي يُعدّ أول من كتب القصة القصيرة الفنية في مجموعته “ما تراه العيون” عام 1922.

ثانيًا: مرحلة التأسيس الفني (العشرينيات حتى الأربعينيات):
خلال هذه الفترة، بدأت القصة القصيرة تأخذ شكلها الفني الحديث، مستفيدة من التأثر المباشر بالقص الغربي (تشيخوف، موباسان، إدغار آلان بو)، لكنها في الوقت ذاته بدأت تعبّر عن بيئة عربية متأزمة بالاستعمار والتحول الاجتماعي.

من أبرز خصائص القصة القصيرة في هذه المرحلة:
الميل إلى الواقعية الاجتماعية.
اعتماد الحدث الواحد والشخصية المحورية.
الطابع الوعظي أحيانًا أو النقدي للمجتمع.

ومن أبرز الكتّاب في هذه المرحلة:
محمود تيمور:
أحد أبرز الرواد، له مجموعات مثل “قصص من الحياة”، واتسمت قصصه بالسلاسة والواقعية.

توفيق الحكيم:
رغم أنه ركز على المسرح والرواية، كتب قصصًا قصيرة ذات طابع رمزي وفلسفي.

يحيى حقي:
خاصة في مجموعته “دماء وطين”، التي تُعد نقلة فنية في القصة القصيرة المصرية.

مي زيادة:
كتبت قصصًا رمزية ذات طابع تأملي.

ثالثًا: مرحلة النضج والازدهار (الخمسينيات حتى السبعينيات)
تمثل هذه المرحلة العصر الذهبي للقصة القصيرة العربية، إذ نضجت فنيًا، وتنوعت موضوعاتها، وبرزت أسماء كبيرة حملت هذا الفن إلى آفاق أرحب. وقد تأثرت هذه المرحلة بـ:
صعود الفكر القومي والاشتراكي.
الانقلابات والتحولات الاجتماعية في الوطن العربي.
نكبة فلسطين وحروب الاستقلال.

تميزت القصة القصيرة حينها بـ:
الالتزام السياسي والاجتماعي (أدب المقاومة، والاشتراكية).
اللغة المكثفة، والمفارقة، والنهاية الصادمة.
التركيز على الفرد المهمّش في مواجهة السلطة أو الفقر أو القهر.

من أبرز الكتّاب:
يوسف إدريس:
فارس القصة القصيرة في مصر، جمع بين التكنيك الحديث والواقعية الشعبية، في مجموعات مثل “أرخص ليالي” و”النداهة”.

غسان كنفاني (فلسطين):
قدّم قصصًا تمزج بين البعد السياسي والبعد الإنساني، مثل “أرض البرتقال الحزين” و”موت سرير رقم 12″.

رابعًا: مرحلة التحولات الكبرى (الثمانينيات حتى نهاية القرن العشرين)
شهدت هذه المرحلة تفكك المشاريع الكبرى، وانكسار الأحلام القومية، وصعود التيارات الفردية، مما انعكس على بنية القصة القصيرة ومضامينها. وظهرت سمات جديدة منها:
تجريب الشكل وتجاوز القالب الكلاسيكي.
تكثيف اللغة واللعب على الرموز والأساطير.
بروز قضايا الهوية والاغتراب والقلق الوجودي.
تصاعد الكتابة النسائية التي بدأت تستقل برؤيتها بعيدًا عن النسخ الذكوري.

خامسًا: القصة القصيرة في الألفية الثالثة: أزمة أم تحوّل؟
مع دخول القرن الحادي والعشرين، طُرحت أسئلة كثيرة حول مستقبل القصة القصيرة، خاصة في ظل:
صعود الرواية وهيمنتها على الجوائز.
التحول الرقمي ووسائل التواصل.
انشغال المتلقي بالصورة والمرئي أكثر من المقروء.

لكن القصة القصيرة لم تتراجع بقدر ما تغير شكلها ووسيطها. فقد أصبحت:
أكثر اختزالًا وتكثيفًا.
تميل إلى اللمحة والإيحاء بدل السرد التفصيلي.

تتفاعل مع الفضاء الرقمي (فيسبوك، تويتر، المواقع الأدبية)، مما أدى إلى ظهور نوع جديد: القصة القصيرة جدًا (ق.ق.ج).

سادسًا: السمات الفنية للقصة القصيرة العربية
مع تطور القصة العربية، أمكن تلمّس عدد من السمات الجمالية والفنية التي صارت تُميّزها، منها:
١- الوحدة والتكثيف: تتركز حول لحظة واحدة أو موقف محدد، دون إسهاب.

٢- المفارقة: تلعب المفاجأة أو النهاية غير المتوقعة دورًا أساسيًا.

٣- الشخصيات المأزومة: شخصيات عادية تعيش صراعًا داخليًا أو خارجيًا.

٤- الرمز والتأويل: خاصة في المراحل المتأخرة حيث أصبح النص مفتوحًا للقراءات.

٥- الانفتاح على الأجناس الأخرى: التداخل مع السيرة، والمقال، والشعر.

سابعًا: التحديات الراهنة والآفاق المستقبلية:
رغم غنى تجربة القصة القصيرة العربية، فإنها تواجه اليوم عددًا من التحديات:
تراجع النشر الورقي وندرة المجلات المتخصصة.
الاحتكار الروائي لمراكز الجوائز والنقد.
السرعة الرقمية التي تؤثر على التلقي والتقييم.

لكن في المقابل، ثمة فرص واعدة:
الفضاء الرقمي خلق جيلًا جديدًا من الكتّاب والمتلقين.
العودة إلى القصة القصيرة بوصفها فنًا يناسب العصر من حيث الإيقاع واللغة.
حضورها القوي في المسابقات الإقليمية والمحلية.

 لقد قطعت القصة القصيرة العربية شوطًا طويلًا منذ إرهاصاتها الأولى حتى اليوم، متأرجحة بين الفن والتعبير الاجتماعي، بين التأثر والتأصيل، وبين الأزمات والتحولات. ولا شك أن حضورها المستمر رغم كل التحديات يعكس حيويتها وقابليتها للتجدد. وفي زمن السرعة والانفجار المعرفي، تبقى القصة القصيرة فنًّا ملائمًا للعصر، قادرًا على احتواء التجربة الإنسانية بكل تعقيداتها، في مساحة مكثفة، وبجماليات متجددة.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

نبذة عنا

صحيفة سي جاي العربية هي واحدة من اهم اصدارات شركة Castle Journal البريطانية الدولية لانتاج الصحف والمجلات و مقرها لندن – المملكة المتحدة البريطانيه.

CJ  العربية © Published by Castle Journal LTD.