لندن، المملكة المتحدة – 1٧ أكتوبر 2025
في ظل بيئة اقتصادية عالمية تتسم بـ التوترات التجارية المتصاعدة، وبشكل خاص بين أكبر قوتين اقتصاديتين، الولايات المتحدة والصين، خرجت مديرة عام صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، بنداء عاجل وحازم للتحلي بـ “الهدوء العالمي”. هذه الدعوة لم تأتِ من فراغ؛ فمع تجدد “حرب التعريفات” الأمريكية، تترسخ المخاوف من أن تدفع هذه السياسات الحمائية الاقتصاد العالمي إلى حافة التباطؤ، أو ما هو أسوأ، التجزئة الاقتصادية. هذا النداء يضع قادة العالم أمام مسؤولية تاريخية: هل سيتمكنون من التحلي بالهدوء اللازم لوقف هذا التصعيد الذي يهدد بتقويض سنوات من النمو القائم على التجارة المفتوحة؟
النقاط الرئيسية للخبر:
- نداء الهدوء الاستراتيجي: المديرة العامة لصندوق النقد الدولي تدعو الدول، وخصوصاً الولايات المتحدة والصين، إلى التهدئة وضبط النفس في مواجهة التوترات التجارية المتجددة.
- خطر الرسوم والديون: صندوق النقد يحذر من أن السياسات الحمائية الأخيرة، إلى جانب تفاقم نسبة الديون الحكومية إلى الناتج المحلي، تهدد الاستقرار المالي العالمي.
- أهمية التجارة للنمو: غورغييفا تؤكد أن الحفاظ على التجارة الدولية كقوة دافعة أساسي لضمان استمرارية النمو الاقتصادي العالمي.
- تكلفة التوترات العالمية: تقارير تقدّر أن الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة ستكلف الاقتصاد العالمي نحو 1.2 تريليون دولار هذا العام.
- جبهة النزاع البحري: ظهور جبهات جديدة للصراع التجاري، حيث تتحول طرق الشحن العالمية إلى ساحة مواجهة بين واشنطن وبكين.
تفاصيل التقرير:
يمر الاقتصاد العالمي حالياً بأحد أكثر مراحله تعقيداً، حيث تتشابك التحديات التقليدية مثل التضخم وارتفاع الديون مع صدمات جيوسياسية وسياسات تجارية حمائية متزايدة. وقد ألقت كريستالينا غورغييفا بثقل صندوق النقد الدولي في خضم هذا المشهد المتقلب، موجهة دعوة مباشرة وصريحة للبلدان، وعلى رأسها واشنطن وبكين، لإعادة النظر في مسار التصعيد التجاري.
وقالت غورغييفا إن “الأولوية القصوى” يجب أن تكون حماية النظام المالي من عدم الاستقرار، وأن “الحفاظ على التجارة” أمر حيوي لاستمرار النمو الاقتصادي العالمي، حتى في ظل فرض الرسوم الجمركية. ويأتي هذا التحذير في وقت تبرز فيه التوترات التجارية كعامل أساسي في زيادة حالة عدم اليقين عالمياً.
التهديد التريليوني للسياسات الحمائية:
تؤكد البيانات والتحليلات الصادرة عن مؤسسات اقتصادية عالمية أن التداعيات المباشرة لـ “حروب التعريفات” لم تعد مجرد قلق نظري، بل أصبحت تهديداً رقمياً ملموساً. حيث تشير التقديرات إلى أن الرسوم الجمركية الأمريكية، وخاصة تلك التي تستهدف السلع الصينية، قد تكلف الاقتصاد العالمي خسائر تصل إلى 1.2 تريليون دولار خلال العام الجاري. هذا المبلغ الهائل يمثل ضغطاً كبيراً على سلاسل الإمداد العالمية، ويدفع بالتكاليف إلى الارتفاع، مما يفاقم من تحديات التضخم في الدول المستوردة والمستهلكة.
إضافة إلى ذلك، حذر صندوق النقد من تفاقم نسبة الديون الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهي مشكلة تتزايد حدتها في العديد من الاقتصادات المتقدمة والناشئة. وربطت غورغييفا بين هذين التحديين، مشيرة إلى أن التوترات التجارية تشجع على التجزئة الاقتصادية، مما يجعل التعاون الدولي لإدارة أزمة الديون أمراً أصعب.
النزاع يتجاوز الحدود البرية:
لم يعد الصراع الاقتصادي مقتصراً على فرض الرسوم الجمركية عند الموانئ أو على السلع المستوردة، بل امتد ليطال جبهات جديدة. وتفيد التقارير بأن المواجهة الاقتصادية بين واشنطن وبكين تتجه الآن نحو البحار، حيث تتحول طرق الشحن العالمية إلى ساحة نزاع. هذا التحول يشكل تهديداً مباشراً لحرية الملاحة وسلاسل الإمداد البحرية، ما قد يؤدي إلى انقسام الأسواق وزيادة التكاليف، ويبرز الحاجة الملحة إلى الهدوء في جميع أشكال النزاع.
في المقابل، تدعم التوقعات بشأن استمرار سياسات التيسير النقدي في بعض الاقتصادات الكبرى، خاصة مع ترجيحات لخفض سعر الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الإقبال على الملاذات الآمنة مثل الذهب، الذي سجل ارتفاعاً تاريخياً. هذا الارتفاع في سعر الذهب يعكس ثقة المستثمرين في المعدن الأصفر كأداة حماية ضد حالة عدم اليقين المتزايدة التي تشعل فتيلها التوترات التجارية.
في الختام، فإن نداء صندوق النقد الدولي لـ “الهدوء العالمي” ليس مجرد دعوة دبلوماسية، بل هو تحذير صريح من أن استمرار هذا المسار التصعيدي قد يقضي على المكاسب الاقتصادية العالمية الهشة ويخلف تداعيات يصعب احتواؤها.