لندن- المملكة المتحدة – ٢٣ يوليو 2025
تشهد حركة الهجرة العالمية تحولًا عميقًا ومتسارعًا، مدفوعًا بتفاعل معقد بين التغيرات المناخية الارضية و الصراعات السياسي و الشكوك الاقتصادية المستمرة و النزاعات و الحروب المتصاعدة.
حركة الناس عبر الحدود وداخل الدول ليست مجرد اهتمام إنساني؛ إنها تحدٍ جيوسياسي أساسي في عصرنا، وله تداعيات كبيرة على المجتمعات والاقتصادات والعلاقات الدولية. تشير التوقعات الحالية إلى تزايد حدة مشهد الهجرة، خاصة في المناطق الضعيفة مثل إفريقيا، مما يتطلب استجابات عالمية عاجلة ومنسقة.
التهديد الثلاثي: المناخ، الاقتصاد، والصراع
تزايد وتيرة وشدة الظواهر الجوية المتطرفة – من الجفاف الممتد و الفيضانات المدمرة إلى موجات الحر الحارقة و ارتفاع منسوب سطح البحر
– تجعل بشكل متزايد مساحات شاسعة غير صالحة للسكن أو غير مستدامة لسبل العيش التقليدية. يفقد المزارعون محاصيلهم، ويفقد الصيادون صيدهم، وتقتلع مجتمعات بأكملها مع تغير بيئاتها بشكل لا رجعة فيه. غالبًا ما تكون “هجرة المناخ” هذه داخلية، حيث ينتقل الناس من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، لكنها تساهم أيضًا في التحركات عبر الحدود كملاذ أخير. على سبيل المثال، توقع البنك الدولي في عام 2021 أن تغير المناخ قد يجبر ما يصل إلى 86 مليون أفريقي على الهجرة داخل بلدانهم بحلول عام 2050
تزيد الشكوك الاقتصادية من هذا النزوح. فبينما تظل الفوارق في الدخل دافعًا كلاسيكيًا للهجرة، يتسم المشهد الاقتصادي العالمي بالتنمية غير المتكافئة و الفرص المحدودة و البطالة المنتشرة خاصة بين الشباب المتنامي في العديد من الدول النامية. يدفع جاذبية آفاق اقتصادية أفضل في المناطق الأكثر ثراءً، والتي غالبًا ما تقترن بالحاجة الماسة لدعم الأسر في الوطن من خلال التحويلات المالية، الأفراد إلى خوض رحلات محفوفة بالمخاطر. هذا الدافع الاقتصادي حاد بشكل خاص في المناطق التي تعاني فيها الاقتصادات المحلية وشح سبل العيش المستدامة.
في الوقت نفسه، لا يزال عدم الاستقرار السياسي و النزاعات المسلحة و الاضطهاد من المحفزات الرئيسية للنزوح القسري. اعتبارًا من يونيو 2025، تم تهجير أكثر من 123 مليون شخص قسرًا في جميع أنحاء العالم، وهو رقم آخذ في الارتفاع. يسلط تقرير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2025 الضوء على أن 31 مليون شخص مسجلون كلاجئين وهو ما يقارب ضعف الرقم قبل عقد من الزمان. وتساهم الأزمات الإنسانية الكبرى في السودان وأوكرانيا وسوريا وأفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها بجزء كبير من هذا النزوح، مما يجبر الملايين على الفرار من العنف والاضطهاد بحثًا عن الأمان.

إفريقيا: القارة المتمردة
تتجه إفريقيا، على وجه الخصوص، نحو تجربة تصاعد كبير في الهجرة خلال العقود القادمة. القارة معرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ، مع تأثيرات بطيئة البدء مثل ندرة المياه و التصحر إلى جانب الكوارث المفاجئة، التي تؤثر بشكل متزايد على أعداد كبيرة من السكان.
يكافح النمو الاقتصادي، رغم وجوده في بعض المناطق، لمواكبة النمو السكاني السريع، مما يؤدي إلى فرص عمل محدودة ويساهم في “انتفاخ الشباب” الذي يبحث عن آفاق في أماكن أخرى. علاوة على ذلك، يستمر عدم الاستقرار السياسي والصراع في العديد من الدول الأفريقية في توليد أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين داخليًا.
تشير التوقعات إلى أن الهجرة عبر الحدود من إفريقيا، مدفوعة بمزيج من هذه العوامل، يمكن أن تصل إلى 11 إلى 12 مليون شخص بحلول عام 2050 ومن المتوقع أن تشهد جنوب إفريقيا زيادة ملحوظة في التنقل عبر الحدود الناجم عن المناخ. وبينما تظل معظم الهجرة الأفريقية داخلية، وتنتقل من المراكز الريفية إلى الحضرية، فإن الضغط المتزايد على الموارد وسبل العيش يجعل هذه التحركات الداخلية أكثر ديمومة ويدفع المزيد من الأفراد للبحث عن فرص في البلدان المجاورة أو أبعد من ذلك.
تعقيدات النزوح والطريق إلى الأمام
يقدم المشهد العالمي الحالي للهجرة تعقيدات هائلة لكل من بلدان المنشأ والمضيفة. تواجه الدول المستضيفة تحديات التكامل، وتخصيص الموارد، وفي بعض الحالات، تزايد كراهية الأجانب والتوترات السياسية.
تكافح المنظمات الإنسانية مع تقلص الميزانيات وتزايد الاحتياجات مما يجعل من الصعب توفير الدعم والحماية الكافيين للسكان النازحين. يواجه العديد من اللاجئين حواجز كبيرة أمام الحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، وغالبًا ما يقضون أكثر من عقد في نزوح طويل الأمد.
يتطلب معالجة هذه الأزمة متعددة الأوجه نهجًا شاملاً وتعاونيًا:
التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره:
يمكن أن يساعد الاستثمار في المرونة المناخية، والزراعة المستدامة، والحد من مخاطر الكوارث في المناطق المعرضة للخطر المجتمعات على التكيف مع التغيرات البيئية وتقليل الحاجة إلى النزوح. كما أن الجهود العالمية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ذات أهمية قصوى.
التنمية المستدامة والفرص الاقتصادية:
يمكن أن يؤدي تعزيز النمو الاقتصادي الشامل، وخلق سبل عيش مستدامة، والاستثمار في التعليم والتدريب المهني في بلدان المنشأ إلى تقليل الضرورة الاقتصادية للهجرة غير النظامية.
حل النزاعات وبناء السلام:
تعد الجهود الدبلوماسية، والمساعدات الإنسانية، ومبادرات بناء السلام حاسمة لمعالجة الأسباب الجذرية للنزوح القسري الناجم عن الصراع والاضطهاد.
حماية وإدماج اللاجئين والمهاجرين:
يعد التمسك بمبادئ الحماية الدولية، وضمان مسارات آمنة وقانونية للهجرة، وتعزيز إدماج السكان النازحين في المجتمعات المضيفة أمرًا ضروريًا لإدارة الهجرة بطريقة إنسانية وفعالة.
التعاون الدولي وتقاسم الأعباء:
تتطلب الاستجابة العالمية الحقيقية تقاسم الأعباء بشكل عادل بين الدول، وزيادة التمويل للمساعدة الإنسانية، وإنشاء أطر دولية قوية لإدارة الهجرة.
إن الأزمة المتصاعدة للهجرة واللاجئين ليست مجرد مجموعة من الحوادث المعزولة، بل هي مؤشر منهجي لعالم تحت الضغط. مع تسارع تغير المناخ، وتفاقم التفاوتات الاقتصادية، واستمرار النزاعات، لن يزداد تدفق حركة البشر إلا حدة. إن الفشل في معالجة هذه الدوافع المترابطة بإلحاح وتعاطف سيؤدي بلا شك إلى مزيد من عدم الاستقرار والمعاناة البشرية على نطاق عالمي.