لندن، المملكة المتحدة
في تصريح يعكس تزايد القلق الأوروبي حيال مستقبل قطاع غزة، نددت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية، السيدة إيلين ماركس، بشكل قاطع بخطة إسرائيلية محتملة تهدف إلى فرض سيطرة عسكرية أو مدنية طويلة الأمد على القطاع بعد انتهاء العمليات العسكرية. جاء هذا التصريح ليعكس موقفاً أوروبياً متشدداً تجاه أي سيناريو لا يمهد الطريق لقيام دولة فلسطينية مستقلة، ويزيد من الضغط الدولي على إسرائيل لتقديم رؤية واضحة لمستقبل غزة تتسق مع القانون الدولي.
وقد أكدت السيدة ماركس أن الاتحاد الأوروبي لن يدعم أي خطة تنتهك مبدأ حل الدولتين أو تؤدي إلى إعادة احتلال غزة، معتبرة أن الحل الوحيد المستدام يكمن في تسليم السيطرة إلى سلطة فلسطينية موحدة وشرعية. يأتي هذا الموقف في خضم مباحثات دولية مكثفة حول “اليوم التالي” في غزة، حيث تتضارب الرؤى بين الأطراف المعنية، مع تمسك إسرائيل بخطة أمنية لا تسمح بتواجد أي سلطة تعتبرها معادية.
1. الموقف الأوروبي: رفض قاطع للسيطرة الإسرائيلية
أوضحت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية أن أي خطة إسرائيلية تهدف إلى فرض سيطرة مباشرة أو غير مباشرة على غزة تعتبر مرفوضة من قبل الاتحاد الأوروبي. وقالت في مؤتمر صحفي إن “الاحتلال لا يمكن أن يكون حلاً. إن عودة السيطرة الإسرائيلية بأي شكل من الأشكال إلى غزة ستكون خطأً جسيماً، وستؤدي فقط إلى إدامة دائرة العنف وعدم الاستقرار. إن الشعب الفلسطيني يستحق كرامته وحقه في تقرير مصيره، وهذا لن يتحقق في ظل أي شكل من أشكال الاحتلال”.
وشددت ماركس على أن الاتحاد الأوروبي يدعم بشكل كامل ومطلق قيام دولة فلسطينية مستقلة وموحدة، معتبرة أن غزة جزء لا يتجزأ من أي دولة فلسطينية مستقبلية. وأضافت أن المفوضية الأوروبية ستعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة والشركاء الإقليميين، مثل مصر والأردن، على إيجاد حل سياسي يضمن الأمن الإسرائيلي والفلسطيني في إطار حل الدولتين. يُعتقد أن هذا الموقف الأوروبي المتشدد يأتي بعد تزايد الإحباط من عدم وجود رؤية إسرائيلية واضحة لمستقبل غزة، وتركيزها على الجوانب الأمنية فقط دون تقديم حل سياسي مستدام.
2. تفاصيل الخطة الإسرائيلية المحتملة
تأتي تصريحات المفوضية الأوروبية كرد فعل على تقارير إعلامية وتسريبات من داخل الحكومة الإسرائيلية تشير إلى وجود خطط محتملة لمرحلة ما بعد الحرب. وفقاً لهذه التقارير، قد تتضمن الخطة الإسرائيلية عدة بنود رئيسية:
* منطقة عازلة: إنشاء منطقة أمنية عازلة داخل قطاع غزة على طول الحدود الإسرائيلية، بهدف منع أي تهديدات أمنية مستقبلية.
* حرية العمليات العسكرية: الاحتفاظ بالحق في تنفيذ عمليات عسكرية داخل غزة متى ما رأت إسرائيل ذلك ضرورياً، دون وجود قيود زمنية أو سيادية.
* إدارة مدنية محلية: تسعى الخطة إلى تشكيل إدارة مدنية مكونة من شخصيات فلسطينية محلية “غير معادية”، لكنها ستعمل تحت إشراف أمني إسرائيلي فعلي.
* نزع السلاح: فرض نزع كامل للسلاح في القطاع، مع منع أي جهة غير رسمية من حيازة السلاح.
لاقت هذه النقاط رفضاً واسعاً من قبل المجتمع الدولي، الذي يرى فيها محاولة لفرض احتلال جديد بغطاء مدني، وتجريد الفلسطينيين من سيادتهم على أراضيهم. ويؤكد النقاد أن هذه الخطة لا تقدم أي أفق سياسي، بل تهدف إلى إدارة الصراع بدلاً من حله.
3. تداعيات الموقف الأوروبي والمواقف الدولية
يمثل موقف المفوضية الأوروبية ضغطًا سياسيًا كبيراً على الحكومة الإسرائيلية، التي تعتمد بشكل كبير على الدعم الدبلوماسي من الدول الغربية. وتُظهر هذه الإدانة تزايد الفجوة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع الأزمة، حيث يرى الأوروبيون أن أي حل مستقبلي يجب أن يكون سياسيًا بالدرجة الأولى، بينما يركز الجانب الإسرائيلي على الجوانب الأمنية.
* الموقف الأمريكي: رغم أن الولايات المتحدة تعتبر حليفًا استراتيجيًا لإسرائيل، إلا أنها أكدت مراراً على معارضتها لأي إعادة احتلال لغزة، ودعت إلى “تفعيل” دور السلطة الفلسطينية في حكم القطاع.
* الموقف العربي: تعارض الدول العربية، وخاصة مصر والأردن والسعودية، بشكل قاطع أي سيناريوهات تؤدي إلى تهجير الفلسطينيين أو احتلال غزة، وتدعم خطة سياسية تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة.
* التأثير على المساعدات: يمكن أن يؤثر الموقف الأوروبي على حزم المساعدات المستقبلية لإعادة إعمار غزة، حيث قد ترفض الدول الأوروبية المشاركة في تمويل أي مشروع لا يخدم رؤيتها السياسية للمستقبل.
4. الخاتمة والآفاق المستقبلية
تُظهر تصريحات نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية أن مستقبل غزة أصبح محور اهتمام دولي واسع، يتجاوز الجوانب الأمنية والعمليات العسكرية. وبات واضحاً أن المجتمع الدولي، ممثلاً في الاتحاد الأوروبي، يرفض أي حلول أحادية الجانب أو حلول عسكرية بحتة لا تتوافق مع القانون الدولي.
تظل التحديات كبيرة، حيث أن تحقيق رؤية مشتركة لمستقبل غزة يتطلب تضافر الجهود الدولية والمحلية. ومع استمرار الأزمة الإنسانية في القطاع، يزداد الضغط على جميع الأطراف للتحرك نحو حل سياسي ينهي الصراع ويضمن حقوق وكرامة الشعبين، ويفتح الباب أمام سلام مستدام. إن التصعيد الدبلوماسي الأوروبي يُعد إشارة واضحة على أن “اليوم التالي” في غزة لن يكون شأناً إسرائيلياً داخلياً، بل قضية دولية رئيسية.