بقلم قداسة الكاهن بولا فؤاد رياض
بمشاعر الإخوة الوطنية الصادقة، أهنئ إخوتي وأحبائي المسلمين شركائي في الوطن بمناسبة حلول ذكرى المولد النبوي الشريف، متمنيًا أن تعود هذه المناسبة المباركة بالخير والبركات على مصرنا الغالية، وأن تظل أيامنا عامرة بالمحبة والسلام والتآخي بين جميع أبنائها.
وأنني أنتهز هذه المناسبة المباركة لأذكر إخوتي وأحبائي المسلمين بالعهدة المحمدية، إذ إن كثيرين لا يعلمون عنها شيئًا، خصوصًا من انحرفوا وانساقوا وراء أفكار متطرفة وفهم خاطئ لصحيح الدين، فأقدموا على أعمال إرهابية يخجل منها الضمير الإنساني. وكان آخرها ما قام به سيادة المستشار رجل القانون بهدم كنيسة في رشيد على مرأى ومسمع من الجميع، مستغلًا منصبه القضائي. والقضاء براء من هذا التصرف الذي يمس الوحدة الوطنية، وقد عبّر الجميع عن استيائهم من هذا التصرف الأهوج الذي يتعارض مع أبسط المبادئ الإنسانية والدينية، ويتناقض تمامًا مع العهدة المحمدية. فما هي حكاية هذه العهدة، وماذا جاء فيها بخصوص هدم الكنائس؟
العهدة المحمدية:
«لا يُغيَّر أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا حبيس من صومعته، ولا سائح من سياحته، ولا يُهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم، ولا يدخل شيء من بناء كنائسهم في بناء مسجد ولا في منازل المسلمين. فمن فعل شيئًا من ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله. ولا يُحمَّل الرهبان والأساقفة ومن يتعبد جزية ولا غرامة، وأنا أحفظ ذمتهم أينما كانوا في بر أو بحر، في المشرق والمغرب والشمال والجنوب، وهم في ذمتي وميثاقي وأماني من كل مكروه».
وفي آخر المخطوطة مكتوب:
«وكتب علي بن أبي طالب العهد بخطه في مسجد النبي، وشهد بهذا العهد صحابة رسول الله، ومنهم: أبو بكر بن أبي قحافة، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، عبد الله بن مسعود، العباس بن عبد المطلب، والزبير بن العوام».
إن مكتبة دير سانت كاترين تحتوي على مئتي وثيقة أصدرها الخلفاء المسلمون كعهود أمان لحماية الدير والمسيحيين عمومًا. وهكذا جاءت السنة النبوية الشريفة بمنع هدم الكنائس والاعتداء عليها. فقد كتب النبي لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن يتبعهم ورهبانهم:
«إن لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعتهم وصلواتهم ورهبانيتهم، ألا يُغيَّر أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يُنتقص حق من حقوقهم ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه، ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم، غير مثقلين بظلم ولا ظالمين».
وكذلك جاء في العهدة العمرية سنة 15 هـ، إذ أعطى أهل القدس أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، وأن لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم.
ولا ننسى حديث الرسول: عن كعب بن مالك أن النبي قال:
«إذا فُتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا».
وقوله تعالى:
«لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» (البقرة 2: 256).
خلاصة القول، إنني في عجب من هؤلاء الذين يحسبون أنهم مسلمون، بينما تصرفاتهم وسلوكهم الإجرامي من سفك الدماء وقتل الأبرياء وهدم الكنائس يبرهن على عكس ذلك. هل مثل هؤلاء يطيعون الله ورسوله؟
إن الملف الإجرامي مليء بالحوادث، وخصوصًا في فترة حكم الإخوان:
• تشكيل ميليشيات بعد 30 يونيو لاستهداف الأقباط، وحرق 80 كنيسة وتدمير منازل العشرات بالمنيا (بعد عزل مرسي في 3 يوليو 2013).
• اغتيال قس بالعريش وإحراق عدد من الكنائس في محافظات مصر، خصوصًا في المنيا.
ونشكر الله أنه في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي تم إعلان وتطبيق مبدأ المواطنة من خلال إصدار قانون بناء الكنائس في أغسطس 2016. كما أن البرلمان المصري لم يصمت أمام جرائم الإخوان، فعمل على توثيقها وإرسالها إلى كافة الجهات في العالم، ومنها الكونجرس الأمريكي، مما ساعد في تأكيد أن الإخوان فصيل يجب تصنيفه كجماعة إرهابية.
لقد شهد تاريخ مصر الحديث أحداثًا مؤسفة من العنف الطائفي ضد الأقباط:
– أحداث الخانكة (نوفمبر 1972).
– أحداث الزاوية الحمراء (يونيو 1981).
– أحداث الكشح (ديسمبر 1999) واستشهاد 20 شخصًا.
– مذبحة نجع حمادي (يناير 2010) واستشهاد 6 أشخاص، بينهم مسلم، أثناء خروجهم من قداس عيد الميلاد.
– تفجير كنيسة القديسين (يناير 2011) واستشهاد 23 شخصًا وإصابة 79.
– أحداث أطفيح بعد ثورة 25 يناير (مارس 2011).
– حادثة إمبابة (2011) واستشهاد 13 شخصًا.
– أحداث ماسبيرو (2011) احتجاجًا على هدم كنيسة في أسوان.
– تفجير الكنيسة البطرسية (ديسمبر 2016) واستشهاد 29 شخصًا وإصابة 47.
– تهجير 40 أسرة من العريش إلى الإسماعيلية بعد استشهاد 7 مسيحيين (فبراير 2017).
– تفجير كنيسة مارجرجس بطنطا وكنيسة مارمرقس بالإسكندرية (أحد السعف، أبريل 2017) واستشهاد العشرات وإصابة أكثر من مئة.
– حادثتي دير الأنبا صموئيل (مايو 2017، ونوفمبر 2018) وسقوط عشرات الشهداء والمصابين.
لا للعنف. العنف ابن الإرهاب، والإرهاب لا دين له.
عفوًا أيها المستشارالمسكين، فقد خذلتنا جميعًا. إن تصرفك له أكثر من مدلول غير مقبول شكلًا ولا موضوعًا. إنه محاولة لهدم الكنيسة في الخفاء وطمس الحقيقة. أسألك الآن: أين الله الذي تعبده؟ فإذا نجحت في طمس الحقيقة أمام الناس، ألا تخاف الله؟ صدقني، إنني أشفق عليك، لأن «مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ» (عبرانيين 10: 31).
ظننت أنك تستطيع أن تخفي أو تطمس معالم الحقيقة أمام الناس والمجتمع والحكومة والرؤساء، لكنك نسيت أن الله العادل يرى حتى خلجات أنفاسك. ألا تخافه؟ وماذا كنت ستجني وراء ذلك كله؟ أرضًا؟ أملاكًا؟ «الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ» (جامعة 1: 14).
عفوًا أيها المستشار المسكين، إنك تسعى لتربح الأرض وتخسر السماء. لكن إيماني الأكيد أن السماء ليست بعيدة عن الأرض، وأن النور لن يكون حبيس الظلام، كما أن النهر لن يبقى حبيس الشواطئ.
أتمنى أن تصلك رسالتي هذه، وإلى كل من يتصرف مثل هذه التصرفات الحمقاء:
«فِي كُلِّ مَكَانٍ عَيْنَا الرَّبِّ مُرَاقِبَتَانِ الطَّالِحِينَ وَالصَّالِحِينَ» (أمثال 15: 3).
«عَظِيمٌ هُوَ رَبُّنَا، وَعَظِيمُ الْقُوَّةِ، لِفَهْمِهِ لاَ إِحْصَاءٌ» (مزمور 147: 5).
«فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ» (متى 16: 27).
«مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُ اسْمَكَ؟ لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ» (رؤيا 15: 4).
وأخيرًا، أقول لسعادة المستشار وأمثاله من المتعصبين الذين يعتنقون فكرًا متشددًا: إن الرسول وصحابته آمنوا المسيحيين على أرواحهم وممتلكاتهم، ووضعوا لذلك دستورًا لمن يأتي بعدهم، يقضي باحترام العقيدة ونشر الوئام والسلام بين الناس. فكفانا عهدًا قطعوه، فمن ينكث العهد فقد نكث عهد الله واستهزأ بدينه، وسلط على نفسه لعنة السماء.
وكل عام وأنتم بخير وسلام.
تحيا مصر… تحيا مصر.
بقلم القس بولا فؤاد رياض
كاهن كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس بالمطرية