بقلم / الكاتب الدكتور ابراهيم الدهش
الاعتداءات الإسرائيلية على مصر ، سواء في 1956، أو 1967، أو ما تلاها ، لم تكن مجرّد صدامات حدودية أو حروب بين دولتين . ما جرى وما يزال يُقرأ غالباً بسطحية عسكرية أو سياسية ، هو في حقيقته صراع بين مشروعين وجوديين – مشروع مصر الحضاري والسيادي والتاريخي ، ومشروع الاحتلال القائم على القضم والتهديد والتوسع باسم التفوق والحق التاريخي المزعوم والباطل .
إسرائيل ، منذ نشأتها ، لم ترَ في مصر مجرد دولة كبيرة فحسب ، بل رأت فيها تهديداً نابعاُ من ثلاثة مصادر – –
اولا
الجغرافيا الرادعة – فمصر ليست فقط بوابة أفريقيا ، بل مفصل استراتيجي يتحكّم في شرق المتوسط ، والبحر الأحمر ، وقناة السويس . جغرافيا مصر كانت دوماً عقبة أمام مشروع [ إسرائيل الكبرى ] ، وعليه كان استهدافها جزءاً من كسر الطوق ، لا ردًّا على عداء مباشر .
ثانيا
الهوية الجامعة – إسرائيل تدرك أن مصر ، بخطابها التاريخي العابر للطوائف والحدود ، تُهدد سردية الكيان القائم على ( الاستثناء الديني والعرقي) . فكلما رفعت مصر راية العروبة أو القومية أو الاستقلال ، اهتزّ العمق العقائدي للمشروع الصهيوني .
ثالثا
الوزن الرمزي – مصر ليست فقط لاعباً إقليمياً ، إنها مرآة للوعي العربي . ضرب مصر في وعي إسرائيل لم يكن فقط انتصاراً عسكرياُ ، بل محاولة لضرب المركز النفسي والسياسي للأمة العربية. هزيمة مصر – كما تخيّلتها إسرائيل – كانت مشروع إذلال جمعي لشعوب المنطقة ، لإقناعهم أن لا أحد أكبر من سطوة الاحتلال .
ولذلك ،
فإن الاعتداء على مصر لم يكن قراراً عسكرياً منفرداً ، بل جزء من هندسة استراتيجية مدروسة لضرب مراكز القوة الطبيعية في المنطقة ، وإعادة رسم خريطتها بما يضمن تفوق إسرائيل لا عسكرياً فقط ، بل مفاهيمياً وثقافياً أيضاً .
لكن ما فشلت إسرائيل في فهمه هو أن مصر ، بكل مراحل ضعفها وقوتها ، لم تكن كياناً يمكن ابتلاعه أو تحييده . فالتاريخ المصري – بخلاف سطوة السلاح – يتكوّن من طبقات وعي ، لا تُزال بالقصف ولا تُنهك بالحصار.
اليوم ، ومع تجدد أشكال الصراع ، تبقى مصر – برغم التحديات – نقطة ارتكاز لا يمكن تجاوزها . والمفارقة أن إسرائيل ، وإن بدت قوية مؤقتاً تعيد إنتاج خطأها القديم – الاستخفاف بما لا يُقاس بالدبابات ، مثل إرادة الشعوب وثبات الجذور .
ابراهيم الدهش
مدير مكتب العراق / كاسل جورنال – صحيفة سي جاي العربية الدولية البريطانية