دبلوماسية المخاطر العالية: نجاح خطة ترامب للسلام في غزة والتشكيك فيها وسط طموح عالمي
بقلم | د. عبير المعداوي –
لندن – المملكة المتحدة، ٦أكتوبر/تشرين الأول 2025
قُوبِلَ الكشف عن خطة السلام الشاملة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمكونة من 20 نقطة، لإنهاء الصراع المدمر المستمر منذ عامين في غزة، فلسطين/إسرائيل، بمزيجٍ من الارتياح الدولي والقلق الجيوسياسي العميق. وبينما تُقدِّم الخطة أول مسارٍ موثوقٍ لإنهاء الأعمال العدائية وضمان إطلاق سراح الرهائن، فإن وعدها الطموح – بقيادة المنطقة نحو غزة منزوعة السلاح، خالية من الاحتلال الإسرائيلي، ويحكمها مواطنوها – محفوفٌ بالمخاطر السياسية. ويرتبط نجاح هذه الخطة ارتباطًا وثيقًا بالطموح الشخصي للرئيس ترامب نفسه، الذي يسعى علنًا للحصول على جائزة نوبل للسلام، مما يثير تساؤلًا حول ما إذا كان انتصار الشرق الأوسط سيُخفي المخاوف الدولية المتزايدة، بما في ذلك الأزمة في أوروبا.
الطريق إلى السلام: دراسة في التناقضات
تنص خطة ترامب على أربعة أهداف أساسية: وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط؛ إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين المتبقين بسرعة وكاملة؛ ونزع سلاح حماس وتحييدها سياسيًا؛ وإنشاء هيئة حكم انتقالية. يتوقف نجاحها الأولي على الحاجة الإنسانية الملحة لوقف القتال الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين. أبدت كل من القيادة الإسرائيلية وحماس استعدادًا للمشاركة في المراحل الأولية، لكن الرؤية طويلة المدى تكشف عن انقسامات سياسية عميقة.
هل ستوافق إسرائيل على جميع الخطوات المطلوبة؟ الجدار الأمني
يكمُن التحدي الأكبر لنجاح الخطة النهائي في التزام إسرائيل بانسحاب عسكري كامل ومتدرج، وهو أمر بالغ الأهمية لتحقيق غزة حكمًا ذاتيًا حقيقيًا. وقد أوضح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن الانسحاب الكامل من غزة غير مضمون؛ وتصر حكومته على الاحتفاظ بمحيط أمني دائم وسيطرة عملياتية على منطقة عازلة، بحجة أن الفراغ العسكري الكامل من شأنه أن يؤدي إلى تجدد التهديدات. يتناقض هذا الشرط الأمني المسبق جوهريًا مع هدف الخطة المتمثل في إنهاء الاحتلال وضمان “حكم مواطني غزة لها”. موافقة إسرائيل على الخطوات الأولية مرتفعة، لكن الموافقة على الخطوات النهائية لا تزال منخفضة للغاية، لا سيما تحت ضغط الفصائل المتشددة المحلية التي تعارض أي تنازلات تجاه حق تقرير المصير الفلسطيني.
مستقبل القضية الفلسطينية بعد حماس
تستبعد الخطة حماس بشكل قاطع من أي دور سياسي بعد انتهاء الصراع، وتتصور سلطة انتقالية تديرها لجنة فلسطينية تكنوقراطية وغير سياسية، ويشرف عليها “مجلس سلام” دولي برئاسة الرئيس ترامب، ويضم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
* عجز الشرعية: بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، يُخاطر هذا الترتيب باستبدال أحد أشكال السيطرة (حماس) بإدارة استعمارية جديدة مدعومة من الخارج. ستواجه القضية الفلسطينية، التي تمحورت تاريخيًا حول تقرير المصير، أزمة شرعية حادة، بعد تجاوزها التأييد الديمقراطي لتنصيب هيئة حاكمة يُنظر إليها على أنها تُفضل المصالح الأمنية الإسرائيلية. * “ماذا لو” بلير: إذا أصرت إسرائيل على دور تنفيذي قوي لشخصية دولية مثل توني بلير، فإن انحيازه المفترض للسياسات الإسرائيلية سيُقوّض مكانة الإدارة الجديدة لدى الشعب الفلسطيني، مما يُلحق ضررًا بالغًا بتماسك القضية الوطنية.
دونالد ترامب، جائزة نوبل، والأزمة الأوروبية
لطالما ربط الرئيس ترامب إنجازاته في السياسة الخارجية بطموحه للفوز بجائزة نوبل للسلام، مشيرًا إلى نجاحه في حل سبعة صراعات عالمية. وتمثل خطة سلام غزة الإنجاز الثامن المحتمل من هذا القبيل.
هل يُمكن أن يُساعد انتصار غزة في الحصول على جائزة نوبل؟
إن التهدئة الفورية للصراع في غزة – بما يضمن إطلاق سراح عدد كبير من الرهائن وإنهاء الحرب – ستُمثل بلا شك انتصارًا دبلوماسيًا هائلًا، مما يعزز بشكل كبير مكانة الرئيس ترامب كصانع سلام عالمي. ومع ذلك، لا يزال مراقبو جائزة نوبل وخبراءها في أوسلو متشككين.
* معيار الجهد المستدام: لطالما كافئت لجنة نوبل الجهود المستدامة ومتعددة الأطراف وفلسفة الدبلوماسية، على عكس نهج الرئيس الذي غالبًا ما يكون أحادي الجانب ويعتمد على المعاملات. يرفض الخبراء على نطاق واسع فرصه في الفوز باعتبارها “ضعيفة”، بغض النظر عن نتيجة غزة، مشيرين إلى تجاهله للمؤسسات متعددة الأطراف وخطابه السياسي الذي لا يتماشى مع روح الجائزة.
سياق الأزمة في أوروبا
يأتي تركيز الرئيس على خطة السلام في الشرق الأوسط في وقت لا يزال فيه انخراط الولايات المتحدة في الأزمات الأمنية والاقتصادية المستمرة في أوروبا مصدر قلق عالمي رئيسي. إن نجاح حلٍّ جزئيٍّ في غزة قد يُغيّر استراتيجيًا الخطاب الإعلامي العالمي، مما يسمح للرئيس بإظهار صورة دبلوماسية فعّالة وعالية المخاطر. ورغم أن انتصار غزة لا يحل الأزمة الأوروبية، إلا أنه يوفر نفوذًا سياسيًا قويًا من خلال:
* إعادة تأكيد القيادة الأمريكية: فهو يُعيد ترسيخ الولايات المتحدة كوسيطٍ أخيرٍ لا غنى عنه، وهو موقفٌ قد يؤثر على المفاوضات الأمنية الأوروبية المستقبلية.
* بناء إرثٍ إيجابي: فهو يُولّد إرثًا إيجابيًا في السياسة الخارجية يُمكنه مواجهة الانتقادات المحلية والدولية المتعلقة بموقفه من التحالفات الأوروبية، مثل حلف الناتو.
في جوهره، ورغم أن خطة غزة لن تُحلّ مباشرةً التحديات الأمنية العميقة التي تواجه أوروبا، فإن نجاحها سيُوفر للرئيس ترامب درعًا دبلوماسيًا قويًا وروايةً مُقنعةً لتشكيل تصوره العالمي – وهي روايةٌ يعتقد أنها يجب أن تُتوّج بجائزة نوبل للسلام. الطريق مُمهّدٌ لوقف إطلاق نار تاريخي، لكن التحرير النهائي لغزة والفوز بالجائزة على الساحة العالمية لا يزالان في غاية الصعوبة. (عدد الكلمات: ٧٥٧)
النقاط الرئيسية
* وقف إطلاق النار في غزة وشيك ولكنه هش: أبدت كل من إسرائيل وحماس قبولًا مشروطًا للمرحلة الأولى من الخطة المكونة من ٢٠ نقطة، والتي تركز على وقف فوري لإطلاق النار وتبادل واسع النطاق للأسرى والمختطفين، مدفوعةً بضرورة إنسانية ملحة.
* الظروف الأمنية الإسرائيلية تشكل عائقًا: إن نجاح الانسحاب الإسرائيلي الكامل في نهاية المطاف مهددٌ بإصرار رئيس الوزراء نتنياهو على الحفاظ على محيط أمني غير محدد ومنطقة عازلة، مما يتعارض مباشرةً مع هدف الخطة المتمثل في إنهاء الاحتلال.
* افتقار حكم ما بعد حماس إلى الشرعية: فالحكومة الانتقالية المقترحة، بقيادة تكنوقراط فلسطينيين وإشراف “مجلس سلام” يضم الرئيس ترامب وتوني بلير، معرضة لخطر أن يُنظر إليها على نطاق واسع من قبل الفلسطينيين على أنها فرض أجنبي استعماري جديد.
الحكومة الانتقالية المقترحة، بقيادة تكنوقراط فلسطينيين وإشراف “مجلس سلام” يضم الرئيس ترامب وتوني بلير، معرضة لخطر أن يُنظر إليها على نطاق واسع من قبل الفلسطينيين على أنها فرض أجنبي استعماري جديد. * دور توني بلير مثيرٌ للاستقطاب: من المرجح أن يُقوّض الإصرار على دورٍ حاكمٍ مركزيٍّ للسيد بلير مصداقية الإدارة الجديدة في نظر الشعب الفلسطيني، مما يُعرّض قبولها المحلي للخطر.
* ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام “فرصةٌ ضئيلة”: في حين تُوفّر خطة السلام في غزة فرصةً دبلوماسيةً رفيعة المستوى، يقول خبراء نوبل إن فرص الرئيس لا تزال ضئيلة، مُشيرين إلى تفضيل اللجنة للجهود المُستدامة ومتعددة الأطراف على الانتصارات الدبلوماسية السريعة والمعاملاتية.
* نجاح غزة يُقدّم نفوذًا سياسيًا: من شأن حلّ الصراع في غزة أن يُتيح للرئيس ترامب سرديةً عالميةً قويةً وإيجابيةً لمواجهة الانتقادات المُتعلّقة بمواقفه في السياسة الخارجية، بما في ذلك تلك المُتعلّقة بالأزمة المُتصاعدة في أوروبا.