يمكن إدراج التوجّه الفلسفي لـ د. عبير المعداوي ضمن إطار إنساني واسع يتفاعل مع التيارات الفكرية الكلاسيكية والمعاصرة معًا. ويكشف مشروعها الفكري عن محاولة دؤوبة للمزاوجة بين التقاليد الفلسفية الكونية وبين التجربة الثقافية العربية، جاعلةً من الأدب فضاءً متميزًا للبحث المعرفي والتأمل الوجودي.
أنطولوجيا الوجود الإنساني
تنطلق أعمال المعداوي من قناعة أن الإنسان يعيش في صراع جدلي مع الواقع والتاريخ والظروف المحيطة. فالوجود لا يكتسب قيمته إلا من خلال مبدأين أساسيين هما: الحرية والوعي. وهنا تلتقي رؤيتها مع أخلاقيات ماركوس أوريليوس الرواقية في الصبر والانضباط الداخلي، ومع تأكيد سورين كيركغارد على مسؤولية الفرد في الإطار الوجودي، وكذلك مع مقولة جان بول سارتر بأن «الوجود يسبق الماهية». كما تتجاوب أفكارها مع أطروحات يورغن هابرماس حول الفعل التواصلي ودور العقل في تحقيق التحرر.
الأدب بوصفه ممارسة تحررية
في فلسفة المعداوي، يتجاوز الأدب وظيفته الجمالية ليغدو ممارسة تحررية. فالكتابة فعل مقاومة للاغتراب والقهر، ووسيلة للتصالح مع الذات وإعادة بناء العلاقة مع الآخر. ومن هذا المنظور، يقترب مشروعها من مفهوم باولو فريري للممارسة (Praxis) بوصفها اندماجًا بين التأمل والفعل من أجل التحرر، كما يتجاوب مع طرح إدوارد سعيد للأدب كفضاء للمقاومة الثقافية.
جمالية الوجود
ترى المعداوي أن الجمال ليس ترفًا زخرفيًا للحياة، بل هو ضرورة أنطولوجية. فالجمال يؤدي وظيفة وسيطة تُمكّن الإنسان من تجاوز المحدود والارتقاء روحيًا. وهنا يتجاوب فكرها مع رؤية أفلوطين للجمال كطريق يقود إلى الواحد، ومع تأكيد نيتشه على أن الفن هو أسمى مبرر للوجود. ومن ثمّ، توحّد المعداوي بين الجمالي والمعرفي، لتقدّم نصوصًا تحمل صدى شعريًا وعمقًا فلسفيًا في آن واحد، وتمنح القارئ متعة جمالية وإضاءة فكرية.
الإنسان في المركز
في جوهرها، تمثل فلسفة المعداوي شكلاً من أشكال النزعة الإنسانية الجذرية. فالإنسان عندها هو موضوع الفلسفة وغايتها: باحث عن الحقيقة، مشدود بين معاناة الجسد وتطلعات الروح، يعيش في عالم مضطرب لكنه لا يتوقف عن السعي إلى المعنى. ويمكن قراءة مشروعها الفكري في ضوء دعوة إريك فروم لتجديد النزعة الإنسانية، ورؤية أمارتيا سن للدفاع عن الحرية والكرامة الإنسانية بوصفها قيمًا كونية.
مراجع (سياق مقارن)
ماركوس أوريليوس، التأملات، ترجمة عربية متداولة.
سورين كيركغارد، إمّا/أو؛ الخوف والارتعاد، ترجمات عربية متعددة.
جان بول سارتر، الوجودية نزعة إنسانية، ترجمات عربية متعددة.
يورغن هابرماس، نظرية الفعل التواصلي، ترجمات عربية متعددة.
باولو فريري، تربية المقهورين، ترجمات عربية متعددة.
إدوارد سعيد، الثقافة والإمبريالية، ترجمة كمال أبو ديب وغيرها.
أفلوطين، التاسوعات، ترجمات عربية متعددة.
فريدريش نيتشه، مولد التراجيديا، ترجمات عربية متعددة.
إريك فروم، فن المحبة، ترجمات عربية متعددة.
أمارتيا سن، التنمية حرية، ترجمات عربية متعددة.