بقلم المستشار/ أحمد المندراوي
في عالم الألعاب الإلكترونية، برزت روبلوكس كواحدة من أكثر المنصات انتشارًا بين الأطفال والمراهقين حول العالم. تجمع هذه المنصة بين اللعب والإبداع، وتمنح المستخدمين فرصة تصميم عوالمهم الخاصة، لكن خلف هذه الواجهة الجذابة تختبئ مخاطر حقيقية تهدد الأجيال الناشئة.
اسمحوا لي أن أستعرض طبيعة اللعبة، المخاطر التي تنطوي عليها، وأسباب حظرها في بعض الدول العربية.
ما هي روبلوكس؟
أُطلقت روبلوكس عام ٢٠٠٦ من قبل شركة Roblox Corporation، وهي ليست مجرد لعبة، بل منصة ضخمة لإنشاء الألعاب وتجربتها. يعتمد المحتوى فيها على ما ينشئه المستخدمون أنفسهم، باستخدام أداة Roblox Studio ولغة برمجة “لوا” (Lua).
تضم المنصة ملايين الألعاب التي يطلق عليها “تجارب” (Experiences)، وتتنوع بين المغامرات، وألعاب تقمص الأدوار، وألعاب الذكاء.
الانضمام إلى روبلوكس مجاني، لكن يمكن شراء عملة افتراضية تُسمى روبوكس (Robux) لاقتناء عناصر خاصة أو دخول تجارب مدفوعة، ويمكن للمبدعين تحويل هذه العملة إلى أموال حقيقية عبر برنامج Developer Exchange.
انتشار واسع بين الأطفال:
تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن عدد المستخدمين النشطين يوميًا بلغ أكثر من ٨٥ مليون لاعب حتى فبراير ٢٠٢٥، وأن نحو نصف الأطفال في الولايات المتحدة تحت سن ١٦ عامًا يستخدمون المنصة شهريًا. هذه الشعبية جعلت روبلوكس بيئة اجتماعية وثقافية مؤثرة في حياة جيل كامل.
المخاطر التي تهدد الأجيال الناشئة:
١- محتوى غير مناسب:
رغم أن الشركة تصف روبلوكس بأنها منصة “آمنة للعائلة”، إلا أن واقع التجربة يظهر وجود محتوى غير ملائم للأطفال، مثل الألعاب التي تتضمن عنفًا مفرطًا، أو مشاهد ذات إيحاءات جنسية، أو أفكار متطرفة. ما يُعرف بألعاب كوندو (Condo) مثال على ذلك، حيث تحاكي هذه الألعاب سلوكيات غير مناسبة للفئة العمرية الصغيرة.
٢- استهداف الأطفال من قبل الغرباء:
من أخطر التهديدات في روبلوكس هو إمكانية التواصل المباشر بين الأطفال وأشخاص غرباء عبر المحادثات النصية أو الصوتية. كشفت تقارير صحفية عن تعرض أطفال لمحاولات grooming (الاستدراج الجنسي)، وابتزازهم بصور أو معلومات شخصية.
٣- ظواهر مثيرة للقلق: “عبادة سباونيزم”:
أشارت تقارير في صحيفة “التايمز” البريطانية إلى نشاط جماعة افتراضية تسمى سباونيزم (Spawnism) داخل إحدى الألعاب على روبلوكس، حيث تم استدراج مراهقين لتنفيذ أفعال إيذاء نفسي وجسدي، من بينها حفر رموز على أجسادهم، وصولًا إلى التحريض على الانتحار.
وعن أداء هذه الطقوس يمنح اللاعب حياة أخرى، وهذا مكمن الخطورة.
٤- استغلال مالي للأطفال:
يعتمد نموذج عمل روبلوكس على المشتريات الافتراضية، وهو ما يجعل الأطفال عرضة للاستغلال المالي. فالحصول على عناصر جاذبة أو ميزات خاصة يتطلب شراء روبوكس، ما يدفع بعض الأطفال للضغط على ذويهم أو اللجوء إلى أساليب غير مشروعة للحصول على المال.
٥- دعاوى قضائية وتشكيك في سلامة المنصة:
واجهت الشركة دعاوى قضائية في الولايات المتحدة تتهمها بالتقصير في حماية الأطفال من الاستغلال، ووصف تقرير من مؤسسة Hindenburg Research المنصة بأنها “بيئة خصبة للمتحرشين بالأطفال”، رغم نفي الشركة لهذه الاتهامات.
محاولات الشركة لتعزيز الأمان:
استجابةً للانتقادات، طورت روبلوكس أنظمة رقابية جديدة، من بينها نظام ذكاء اصطناعي يدعى Sentinel لمراقبة المحادثات ورصد السلوكيات المشبوهة. وقد أدى هذا النظام إلى إرسال أكثر من ١٢٠٠ بلاغ إلى المركز الوطني الأمريكي للأطفال المفقودين والمستغلين خلال النصف الأول من عام ٢٠٢٥.
لكن خبراء السلامة الإلكترونية يؤكدون أن هذه الإجراءات، رغم أهميتها، لا تضمن حماية كاملة للأطفال.
لماذا حظرتها بعض الدول العربية؟
الدول التي فرضت الحظر أو القيود:
الإمارات العربية المتحدة:
حظرت المنصة بين عامي ٢٠١٨ و٢٠٢١ بسبب مخاوف من المحتوى الضار، قبل أن ترفع الحظر لاحقًا بعد تحسينات في الرقابة.
الأردن:
الحظر مفروض منذ عام ٢٠٢١ ولا يزال ساريًا، بدعوى حماية الأطفال من العنف والمحتوى غير الأخلاقي.
سلطنة عُمان:
فرضت الحظر بسبب المخاطر الأمنية وعمليات الاحتيال عبر المنصة.
قطر:
أعلنت الحظر في أغسطس ٢٠٢٥ استجابة لضغوط مجتمعية وتحذيرات من خبراء السلامة الإلكترونية.
دوافع الحظر:
١. المحتوى غير الملائم للقيم الثقافية والدينية.
٢. الخطر الأمني المتمثل في الاستغلال الإلكتروني للأطفال.
٣. ضعف الرقابة الفعالة على الألعاب والمحادثات داخل المنصة.
الفوائد المحتملة إذا استُخدمت بأمان:
من المهم الاعتراف بأن روبلوكس ليست كلها مخاطر؛ فهي تمنح الأطفال فرصًا لتعلّم البرمجة، وتعزيز التفكير الإبداعي، والعمل الجماعي. لكن هذه الفوائد لا تتحقق إلا في بيئة رقمية آمنة، وتحت إشراف ومتابعة من الأهل.
توصيات للآباء والمربين:
١. تفعيل أدوات الرقابة الأبوية وإغلاق المحادثات العامة.
٢. مراقبة الأنشطة داخل اللعبة بشكل دوري.
٣. توعية الأطفال بمخاطر التواصل مع الغرباء.
٤. اختيار تجارب ألعاب مناسبة للفئة العمرية.
تمثل روبلوكس مثالًا حيًا على التناقض في عالم التكنولوجيا الحديثة: فهي بيئة خصبة للإبداع والتعليم، لكنها في الوقت نفسه تحمل مخاطر حقيقية على الأطفال إذا لم تُدار بحذر.
والحظر الذي فرضته بعض الدول العربية ليس إلا انعكاسًا لقلق مجتمعي مشروع، في ظل عجز أنظمة الرقابة الرقمية عن توفير الحماية الكاملة. يبقى الوعي، والمتابعة الأبوية، وتعاون الجهات التقنية والتنظيمية، هو خط الدفاع الأول عن الأجيال الناشئة في هذا الفضاء الافتراضي الواسع.
——
صحيفة كاسل جورنال سي جاي العربيه غير مسئولة قانونيا عن راي الكتاب و ملكيته للمقال