باريس – فرنسا – سي جاي العربيّة
في خطوة غير متوقّعة هزّت الأوساط السياسية والاقتصادية في أوروبا، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي جوليان أوبريه مساء الأحد استقالته المفاجئة من منصبه بعد أقل من ثمانية أشهر على تشكيل حكومته، مبرراً قراره بـ«تعذّر الاستمرار في ظلّ الانقسامات السياسية الحادة داخل البرلمان وعدم التوافق على برنامج الإصلاح المالي».
الاستقالة، التي جاءت عقب جلسة متوترة في الجمعية الوطنية، فتحت الباب أمام أزمة سياسية جديدة في باريس، وأثارت موجة من القلق في الأسواق الأوروبية صباح اليوم، إذ سجّل مؤشر «كاك 40» الفرنسي تراجعاً حادّاً بنسبة تجاوزت 2.3%، فيما ارتفعت عوائد السندات الحكومية وسط مخاوف من اهتزاز الثقة في إدارة الاقتصاد الفرنسي.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب مقتضب من قصر الإليزيه إنه «يحترم قرار رئيس الوزراء ويثمّن جهوده خلال المرحلة الماضية»، مؤكداً أنه سيبدأ «مشاورات عاجلة لاختيار بديل قادر على تشكيل حكومة مستقرة تواصل الإصلاحات الاقتصادية الضرورية». وأضاف ماكرون أن «فرنسا لن تسمح بحالة شلل سياسي في هذا الظرف الدقيق الذي تمرّ به أوروبا».
الاستقالة المفاجئة تأتي في وقت تواجه فيه الحكومة الفرنسية ضغوطاً متزايدة بسبب التضخم وارتفاع الدين العام وتراجع شعبية الرئيس. كما يشهد الشارع الفرنسي احتجاجات متكرّرة ضد سياسات التقشّف ورفع سنّ التقاعد، في مشهد يعيد إلى الأذهان أزمات الحكومات السابقة.
ردود الفعل الأوروبية لم تتأخر؛ فقد أعربت المفوضية الأوروبية عن «ثقتها باستمرار التعاون الوثيق مع فرنسا»، بينما دعت المستشارة الألمانية إلى «حفاظ باريس على استقرارها السياسي لما له من أثر مباشر على تماسك الاتحاد الأوروبي».
اقتصادياً، يرى محللون أن الأسواق كانت تتوقع تعديلاً حكومياً جزئياً وليس استقالة كاملة، ما جعل المستثمرين يتفاعلون بعصبية. وقال خبير الاقتصاد الأوروبي في بنك «ناتيكسيس» لصحيفتنا إن «عدم وضوح الرؤية في باريس قد يؤثر مؤقتاً على أداء اليورو، خاصة في ظلّ التحديات التي تواجهها منطقة اليورو من تباطؤ النمو وارتفاع أسعار الطاقة».
في المقابل، أبدت المعارضة اليمينية واليسارية في فرنسا ارتياحها لرحيل الحكومة، معتبرة أن الاستقالة «دليل على فشل سياسات ماكرون الاقتصادية». فيما دعا زعماء من الوسط إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة تضمن استمرار العمل المؤسساتي حتى الانتخابات المقبلة.
ويؤكد مراقبون في باريس أن الأزمة الحالية قد تُضعف موقع فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة في الملفات المشتركة مع ألمانيا وإيطاليا، مشيرين إلى أن الفراغ الحكومي في واحدة من أبرز دول الاتحاد يفتح الباب لتقلبات سياسية واقتصادية تمتدّ إلى باقي العواصم الأوروبية.
حتى مساء اليوم، لم يُعلن الإليزيه اسم المرشح الجديد لرئاسة الحكومة، لكن تسريبات إعلامية تحدثت عن احتمال تكليف وزيرة الخارجية السابقة آن دوفران أو وزير المالية الحالي مارك دوشيه بتشكيل الحكومة. وبينما تترقّب الأسواق هذا القرار، يبقى المشهد الفرنسي معلّقاً بين حسابات السياسة وضغوط الاقتصاد، في وقت تحتاج فيه أوروبا بشدة إلى استقرار أكبر داخل قلبها الفرنسي.