الرياض، المملكة العربية السعودية – 27 سبتمبر 2025
الدفاع المشترك السعودي-الباكستاني يُبرز تحولاً استراتيجياً في الخليج: الردع الذاتي مقابل الاعتماد على واشنطن
في خطوة وُصفت بأنها تحوّل استراتيجي في موازين القوى الإقليمية، وقّعت المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية على اتفاقية دفاع استراتيجي مشترك في الرياض. يهدف هذا الاتفاق إلى تعزيز الردع المشترك وتطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين. والأهم من ذلك، أن الاتفاق ينص على أن “أي اعتداء على أي من الدولتين يُعتبر اعتداءً عليهما”، وهو بند يعكس التزاماً أمنياً متبادلاً عميقاً ويشبه المادة الخامسة في حلف الناتو. هذا الحلف العسكري، الذي يجمع قوة اقتصادية نفطية ضخمة (السعودية) بقوة نووية إسلامية (باكستان)، يُبرز بوضوح حسابات الخليج الاستراتيجية التي تتطور نحو بناء ضمانات دفاعية ذاتية، أقل اعتماداً على المظلة الأمنية الأمريكية، لا سيما في ظل تصاعد التوترات الإقليمية. ويؤكد اتفاق الدفاع المشترك السعودي-الباكستاني أن المنطقة تتجه نحو إعادة تعريف لـ الاستراتيجية الأمنية.
البنود الرئيسية ومضامين الاتفاق التاريخي
تم توقيع الاتفاقية في 17 سبتمبر 2025 في قصر اليمامة بالعاصمة السعودية الرياض، من قبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف. ويشكل هذا التوقيع تتويجاً لعلاقات أمنية وعسكرية وثيقة ومتجذرة تعود إلى ستينيات القرن الماضي، حيث قامت باكستان بتدريب آلاف الأفراد العسكريين السعوديين على مر العقود.
جوهر الاتفاقية:
* الردع المشترك: تنص الاتفاقية بوضوح على أن الهدف هو “تعزيز الردع المشترك ضد أي عدوان” و”تطوير جوانب التعاون الدفاعي”.
* الدفاع الجماعي: البند الأكثر أهمية هو الإقرار بأن أي عدوان على أي من البلدين يعتبر عدواناً عليهما، مما يمثل تحالفاً استراتيجياً غير مسبوق في المنطقة العربية.
* الوسائل العسكرية الشاملة: فيما يتعلق بطبيعة الرد، نقلت تقارير عن مسؤولين سعوديين قولهم إن الاتفاقية “شاملة تشمل جميع الوسائل العسكرية”، وهو تصريح فسره المحللون على أنه يشمل – ولو ضمنياً – الاستفادة من الخبرات والقدرات الباكستانية المتقدمة، بما في ذلك الردع النووي، خاصة بعد تصريحات وزير الدفاع الباكستاني بأن القدرات النووية لبلاده يمكن أن تُستخدم في إطار هذه الاتفاقية إذا لزم الأمر، رغم حرص الطرفين على عدم التصريح بذلك بشكل مباشر.
* التعاون بعيد المدى: يشمل الاتفاق التعاون في مجالات التدريب المشترك، نقل التكنولوجيا، التنسيق الأمني، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
يعكس هذا الحلف الجديد تكاملاً استراتيجياً: السعودية توفر الثقل الاقتصادي والسياسي ومظلة إقليمية مؤثرة، بينما توفر باكستان القوة العسكرية البشرية المدربة والجاهزة، والأهم، مظلة الردع النووي غير المعلنة.
سياق التحول الاستراتيجي وابتعاد الخليج عن واشنطن
يُنظر إلى توقيع هذا الحلف الدفاعي على أنه رد فعل استراتيجي للرياض على عدة عوامل جيوسياسية، تضعف من ثقة دول الخليج في التزامات واشنطن الأمنية التاريخية:
* تراجع الثقة الأمريكية: أثارت سلسلة من الأحداث، بما في ذلك الغارة الإسرائيلية غير المسبوقة على قيادة حركة حماس في قطر في سبتمبر 2025، وتذبذب المواقف الأمريكية تجاه التوترات الإقليمية، شعوراً لدى دول الخليج بأن المظلة الأمريكية لم تعد كافية أو موثوقة لردع التهديدات المباشرة.
* الحاجة إلى ردع ذاتي: في مواجهة التحديات الأمنية المستمرة من قوى إقليمية، رأت الرياض ضرورة بناء قدرة ردع ذاتية فعّالة تتجاوز الاعتماد على الدعم الأجنبي. وتوفير قوة باكستان العسكرية والنووية لهذا الحلف يمنح الرياض عمقاً استراتيجياً جديداً.
* تنويع الشركاء: يندرج الاتفاق ضمن حسابات الخليج الاستراتيجية الأوسع لتنويع الشركاء الأمنيين بعيداً عن واشنطن. وبينما تظل الولايات المتحدة أكبر مورد للأسلحة، فإن هذا الحلف مع قوة آسيوية كبرى يعزز مبدأ الاستقلال في القرارات الأمنية.
انعكاسات الاتفاق على التوازنات الإقليمية والدولية
من المتوقع أن يترك اتفاق الدفاع المشترك السعودي-الباكستاني آثاراً عميقة على الديناميكيات الإقليمية:
* على صعيد الأمن الخليجي: تعزيز القدرات الدفاعية للمملكة، ومن المحتمل أن يؤدي هذا التحالف إلى تحفيز دول خليجية أخرى نحو إبرام اتفاقيات دفاعية مماثلة مع قوى آسيوية لتكوين طبقة أمنية جديدة في المنطقة.
* العلاقات مع إيران: يُعد هذا الحلف بمثابة خط أحمر وردع واضح لإيران، التي قد ترى فيه تهديداً مباشراً لتوازن القوى، مما قد يدفعها إلى زيادة دعمها لوكلائها في المنطقة. ومع ذلك، تبقى التهدئة بين الرياض وطهران هدفاً، لكن الاتفاق يضع أسساً جديدة للتعامل مع أي تصعيد محتمل.
* الرد الهندي: يُنظر إلى هذا الحلف بقلق في نيودلهي، حيث ترى الهند فيه احتمالية لتعزيز القدرات العسكرية الباكستانية، مما يفرض على المخططين العسكريين الهنود الاستعداد لصراع سريع وعالي التقنية.
* موقف واشنطن: ترحب الولايات المتحدة بشكل عام بأي خطوة لتقاسم الأعباء الأمنية وتعزيز الاستقرار الإقليمي، لكنها تراقب بحذر أي مسار استراتيجي قد يقلل من نفوذها أو يفتح الباب أمام قوى أخرى (مثل الصين) لتعزيز موطئ قدم لها في الأمن الخليجي، خاصة وأن العلاقة بين الرياض وواشنطن تشهد فتوراً وتراجعاً في الثقة.
باختصار، يمثل توقيع اتفاق الدفاع المشترك إعلاناً سعودياً عن الدخول في مرحلة جديدة من الاعتماد على الذات في القرارات الأمنية وبناء تحالفات استراتيجية عابرة للمحيطات، مما يُعيد تشكيل الخريطة الأمنية للمنطقة ويؤكد أن حسابات الخليج الاستراتيجية لم تعد محصورة في فلك واشنطن وحدها.
نقاط رئيسية
* توقيع اتفاقية تعاون عسكريه بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية.
* التاريخ: وُقِّعت الاتفاقية في 17 سبتمبر 2025 في الرياض.
* ينص الاتفاق على أن أي عدوان على أحد الطرفين يعتبر عدواناً على الآخر، مع هدف تعزيز الردع المشترك.
* الأهمية الاستراتيجية: الحلف يربط بين قوة اقتصادية وقوة نووية إسلامية، مما يمثل تحولاً في الحسابات الاستراتيجية للخليج نحو الردع الذاتي.
* البعد النووي: صرح وزير الدفاع الباكستاني بأن القدرات النووية لباكستان يمكن أن تكون جزءاً من هذا الردع، رغم عدم ذكرها صراحة في نص الاتفاق.
* الرسالة لواشنطن: يُنظر إلى الاتفاق كإشارة من الرياض على تراجع ثقتها في الضمانات الأمنية الأمريكية ورغبتها في تنويع مصادر الاستراتيجية الدفاعية.
——————-
لندن، المملكة المتحدة (لصحيفة سي جي العربية )