لندن، المملكة المتحدة، ١٧ أكتوبر ٢٠٢٥
أصبح ممر البحر الأحمر – أخطر مضيق بحري في العالم – الآن في مرمى النيران بشكل خطير. تصاعدت التداعيات الدبلوماسية بين إثيوبيا وإريتريا لتتحول إلى أزمة مرعبة، مدفوعة بسعيها “الوجودي” للسيطرة على الميناء، ومُحاطة بمزاعم غير مؤكدة، وإن كانت مستمرة، عن مخطط مائي إقليمي واسع وسري. يؤكد اتهام إثيوبيا الأخير لجارتها إريتريا بـ”مؤامرة حرب نشطة” استراتيجية مدروسة يصفها المراقبون الإقليميون بأنها خطوة “شيطانية” مُقلقة نحو الاستحواذ على الأراضي، تهدف أساسًا إلى الاستيلاء على منفذ بحري حيوي لمخططاتها الجيوسياسية الكبرى. تُحوّل المواجهة المتصاعدة منطقة القرن الأفريقي الهشة إلى بؤرة اشتعال محتملة لصراع من شأنه أن يجذب قوى الخليج العربية الكبرى ويعيد تعريف الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط بأكمله.
السقوط الحر الدبلوماسي: من اتفاق سلام إلى مؤامرة حرب
يُمثّل التصعيد الدبلوماسي الحاد الحالي الفشل التام لاتفاق السلام لعام 2018 بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الإريتري إسياس أفورقي، وهي مصالحة نال أحمد من خلالها جائزة نوبل للسلام. هذا الشهر، أصبح الانحدار إلى العداء العلني رسميًا. أرسل وزير الخارجية الإثيوبي جيديون تيموثيوس رسالة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، اتهم فيها إريتريا بأنها المُدبّر الرئيسي لـ”مؤامرة حرب نشطة”، بزعم تعاونها مع فصيل متشدد من جبهة تحرير شعب تيغراي – العدو الداخلي السابق لإثيوبيا – في إطار تحالف يُطلق عليه اسم “تسيمدو” لزعزعة استقرار البلاد. تزعم أديس أبابا أن هذا التحالف السري منخرطٌ بنشاط في حرب بالوكالة، حيث يُموّل ويُوجّه جماعاتٍ مسلحة، مثل ميليشيا فانو في منطقة أمهرة. وتُشير الحكومة الإثيوبية صراحةً إلى الهجوم الأخير الذي شنّته الميليشيات على بلدة وولديا الرئيسية في أمهرة كدليلٍ على هذا التواطؤ، مُنتهكةً بذلك مباشرةً اتفاق بريتوريا للسلام لعام ٢٠٢٢. في جوهر الأمر، تُصوّر إثيوبيا إريتريا كمعتدية، مُخَلِّقةً بذلك مبررًا لردٍّ عسكريٍّ مُدمّرٍ مُحتمل، ومُثيرةً مخاوفَ من أن العالم يشهد مُقدّمةً لحربٍ ثانيةٍ بين الحليفين السابقين.
رفضت إريتريا هذه الاتهامات، مُعتبرةً إياها مجرد “تهديدٍ عسكريٍّ استفزازي”، لكنّ الحشد العسكري على جانبي الحدود المُتنازع عليها يُشير إلى أن نافذةَ الدبلوماسية تضيقُ بسرعة.
الأولوية الاستراتيجية: منفذ إثيوبيا البحري
يبقى الدافعُ الأساسي وراء هذه الأزمة هو رغبة إثيوبيا في منفذٍ بحري. منذ استقلال إريتريا في عام 1993، أصبحت هذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها 130 مليون نسمة دولة غير ساحلية، وتعتمد بشكل كبير على ميناء جيبوتي،تكبدت إثيوبيا تكاليف لوجستية باهظة تُعيق نموها الاقتصادي بشدة. وقد صرّح رئيس الوزراء آبي أحمد مرارًا وتكرارًا بأن تأمين الوصول إلى البحر الأحمر – وتحديدًا استهداف مينائي عصب ومصوع الإريتريين – هو “مسألة وجودية”، مُعربًا عن أسفه لأن بلاده عالقة في “سجن جغرافي”.

ويُجادل المراقبون بأن هذه الضرورة الاستراتيجية تُنفَّذ بدافع حربي مُدبَّر. ويُفسَّر نهج إثيوبيا، بما في ذلك مذكرة التفاهم الأخيرة مع إقليم أرض الصومال الانفصالي بشأن إنشاء قاعدة بحرية والوصول إلى الموانئ التجارية، على نطاق واسع على أنه استفزاز مُتعمَّد لجيرانها – إريتريا والصومال وجيبوتي – الذين يعتبرون هذه الإجراءات تهديدًا مباشرًا لسلامة أراضيهم. ويُعزز خطاب أديس أبابا، الذي يُصرِّح فيه القادة العسكريون بأن القوات المسلحة مستعدة “لتلبية النداء” لتأمين الوصول إلى الموانئ، الرأي القائل بأن الأزمة الحالية هي وسيلة لتبرير استخدام القوة ضد دولة مستقلة، وهو نهج يراه الكثيرون “شيطانيًا” في تجاهله للقانون الدولي والسلام الإقليمي. المشروع الخفي: مياه النيل، والتمويل الخليجي، وإسرائيل
يُزعم أن لعبة الشطرنج الجيوسياسية المتعلقة بالوصول إلى البحر الأحمر مُعقّدة بسبب قلق غير مؤكد ولكنه يُثار باستمرار: مشروع سري مزعوم يتعلق بموارد النيل المائية. ووفقًا لادعاءات غير مؤكدة منتشرة على نطاق واسع في المنطقة، فإن سعي إثيوبيا لإنشاء ميناء على البحر الأحمر ليس للاستخدام التجاري فحسب، بل كنقطة عبور حيوية لمخطط سري أكبر بكثير لتحويل مياه النيل.
تنص هذه الخطة المزعومة على نقل مياه سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) – أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في أفريقيا والذي يُشكّل بالفعل مصدر توتر هائل مع دول المصب مصر والسودان – عبر القرن الأفريقي إلى اليمن، وفي النهاية إلى إسرائيل. وبموجب هذا الادعاء، سيكون الوصول إلى الميناء الذي تسعى إثيوبيا إليه بمثابة بوابة لوجستية لمثل هذا المشروع الضخم والحساس للبنية التحتية.
يُقال إن هذا الادعاء المثير للجدل مرتبط بالدعم المالي من دول الخليج القوية. تشير المصادر إلى أن السبب الكامن وراء استثمار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل كبير في طموحات إثيوبيا على البحر الأحمر – بما في ذلك استثماراتهما الكبيرة في البنية التحتية الإثيوبية وممر ميناء بربرة – هو مشاركتهما المزعومة في هذا المشروع المائي الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات. وبينما تُحدد الدولتان رسميًا مشاركتهما الإقليمية من منظور التجارة والأمن، لا تزال التكهنات قائمة بأن دعمهما الاقتصادي المكثف لأديس أبابا هو استثمار في هذا المشروع المائي الاستراتيجي “السري” المزعوم، حيث تشير التقديرات إلى أن تمويلهما المشترك قد يُمثل جزءًا كبيرًا من إجمالي الموارد المطلوبة.
مسار محفوف بالمخاطر: القانون الدولي والاستقرار الإقليمي
ترى حكومة إريتريا أن سعي إثيوبيا، بغض النظر عن دوافعه الكامنة، يُمثل تهديدًا جوهريًا لسيادتها. وتشير الأزمة الدبلوماسية، إلى جانب الشائعة غير المؤكدة ولكن المستمرة حول مشروع مائي ضخم، إلى أن الصراع أعمق بكثير من مجرد نزاع تجاري. إن الطريقة الشيطانية التي تُصعّد بها أديس أبابا الأزمة – باتهام دولة مستقلة بالتخطيط للحرب، وبالتالي تمهيد الطريق لاحتلال محتمل لأراضي دولة ذات سيادة – تُعدّ سابقةً مُقلقةً تُهدد أسس مبادئ الاتحاد الأفريقي والقانون الدولي. إن احتمالية تحوّل البحر الأحمر إلى ساحة لحربٍ تُؤججها القومية، والوصول إلى الموانئ الاستراتيجية، وقضية السيطرة على مياه النيل ذات المخاطر العالية، تُثير قلق المجتمع الدولي – بما في ذلك المملكة المتحدة، بمصالحها البحرية الواسعة في المنطقة. تتطلب الأزمة تدخلاً دبلوماسياً عاجلاً وقوياً لمنع اندلاع حربٍ شاملة.
عناوين رئيسية:
- تصعيدٌ لمؤامرات الحرب: اتهمت إثيوبيا إريتريا رسمياً بـ”مؤامرة حربٍ نشطة” والتواطؤ مع جبهة تحرير شعب تيغراي في إطار تحالفٍ جديد، مُسجّلةً بذلك أشدّ تدهورٍ دبلوماسيٍّ منذ اتفاق السلام لعام ٢٠١٨.
- السعي الوجودي للسيطرة على ميناء: يكمن جوهر الصراع في مطلب إثيوبيا “الوجودي” بميناء على البحر الأحمر، والذي تحرسه إريتريا بشراسة باعتباره إقليمًا تابعًا لها (عصب ومصوع).
- سلوك “شيطاني”: يرى النقاد أن إدارة إثيوبيا للأزمة، بما في ذلك اتهامها بالمؤامرة الحربية، استراتيجية مدروسة لاختلاق مبرر للعمل العسكري واحتلال ميناء دولة مستقلة.
- مؤامرة النيل المزعومة: تشير مزاعم إقليمية غير مؤكدة إلى أن سعي إثيوبيا للسيطرة على الميناء مرتبط بـ”مشروع سري” لتوصيل مياه النيل، الذي يديره سد النهضة، إلى اليمن وإسرائيل.
- دعم خليجي: يُزعم أن الاستثمارات الاقتصادية والاستراتيجية الكبيرة في إثيوبيا من قِبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مرتبطة بدعمهما المالي لهذا المخطط الضخم وغير المؤكد لتحويل المياه.
- نقطة اشتعال إقليمية: تُنذر الأزمة بإشعال صراع إقليمي كارثي من شأنه أن يجر مصر والصومال وقوى رئيسية في الشرق الأوسط، مما يُزعزع استقرار ممر الشحن الحيوي في البحر الأحمر.