قصة قصيرة من مجموعة الملائكة تبكي احيانا
للدكتورة عبير المعداوي
ابتسمتُ في نفسي، إذ غازلتني صديقة قديمة بنظراتها قبل أن تسأل بعتاب: “ما بالُ السنين غيَّرتْ من وجوهنا؟”
همستُ بهدوء: “ربما…”
قالت بحسم: “سأغادر إلى بلد عربي لأُجري تحسينات تُخفي وطأة العمر.”
أجبتُها بنبرة مترددة: “ربما.”
استطردتْ، وقد شَعّتْ في عينيها نية التغيير: “سأقلب حياتي رأسًا على عقب بعد عودتي. وأنتِ، أنتِ أول صديقة سأقطع تواصلي معها. لا أريد شيئًا يربطني بالماضي، بالكآبة، أو بالعقل.”
قلتُ باقتضاب: “ربما.”
صرختْ في وجهي بغضب مكتوم: “ربما؟ ربما؟ ربما؟ ألا تملكين أي رد آخر؟”
أجبتُها بهدوء أثار جنونها: “ربما.”
غادرتْ مكتبي في انفعال، واندفعتْ نحو الشاطئ المليء بذكرياتنا القديمة. تأملتْ صفحات الموج، وهي ترسمُ ملامح الحياة وتُمحيها في تتابع لا يلين.
همس الموج في أُذنها قائلاً: “أيتها النفس الهاربة، لم تخجل الموجة أبدًا أن تكشف حقيقة عُمرك، ماضيك، وواقعك. لقد عكستْ بصدق الشعر الأبيض وتجاعيد الروح، لكنها تركت لكِ وحدكِ أن تحددي مستقبلكِ ونهايتكِ.”
صاحتْ في الموج بجزع: “جميعكم متفقون على إثارة غضبي! اسمع أيها البحر، لقد فعلتُ… لقد رسمتُ المستقبل بيدي!”
صمتتْ فجأة. انحنتْ على ركبتيها، وبكتْ بمرارة. سقطتْ دمعة واحدة، لكنها اتسعتْ حتى أصبحت بحرًا وموجًا. تَلألأتْ صورتها المهزومة على وجه الماء. عكستْ خيبتها بوضوح، فهمستْ للموج بانكسار:
“أجل، ننتظر المستقبل ولن نستسلم، مع أننا لسنا سوى استعارات مكنية تراود موت الغد.”